وجاء عبد الملك بن المهلب حتى انتهى إلى أخيه بالعقر، وأمر عبد الله ابن حيان العبدي، فعبر إلى جانب الصراة الأقصى - وكان الجسر بينه وبينه - ونزل هو وعسكره وجمع من جموع يزيد، وخندق عليه، وقطع مسلمة إليهم الماء وسعيد بن عمرو الحرشي، ويقال: عبر إ ليهم الوضاح، فكانوا بإزائهم. وسقط إلى يزيد ناس من الكوفة كثير، ومن الجبال، وأقبل إليه ناس من الثغور، فبعث على أرباع أهل الكوفة الذين خرجوا إليه وربع أهل المدينة عبد الله بن سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي وبعث على ربع مذ حج وأسد النعمان بن إبراهيم بن الأشتر النخعي، وبعث على ربع كندة وربيعة محمد ابن إسحاق بن محمد بن الأشعث، وبعث على ربع تميم وهمدان حنظلة بن عتاب بن ورقاء التميمي، وجمعهم جميعًا مع المفضل بن المهلب.
قال هشام بن محمد، عن أبي مخنف: حدثني العلاء بن زهير، قال: والله إنا لجلوس عند يزيد ذات يوم إذ قال: ترون أن في هذا العسكر ألف سيف يضرب به؟ قال حنظلة بن عتاب: إي والله وأربعة آلاف سيف، قال: إنهم والله ما ضربوا ألف سيف قط، والله لقد أحصى ديواني مائة وعشرين ألفًا. والله لوددت أن مكانهم الساعة معي من بخراسان من قومي قال هشام: قال أبو مخنف: ثم إنه قام ذات يوم فحرضنا ورغبنا في القتال ثم قال لنا فيما يقوله: إن هؤلاء القوم لن يردهم عن غيهم إلا الطعن في عيونهم، والضرب بالمشرفية على هامهم، ثم قال: إنه قد ذكر لي أن هذه الجراده الصفراء - يعني مسلمة بن عبد الملك - وعاقر ناقة ثمود؛ يعني العباس ابن الوليد، وكان العباس أزرق أحمر، كانت أمه رومية - والله لقد كان سليمان أراد أن ينفيه حتى كلمته فيه فأقره على نسبه؛ فبلغني أن ليس همهما إلا التماس في الأرض، والله لو جاء أهل الأرض جميعًا وليس إلا أنا، ما برحت العرصة حتى تكون لي أو لهم. قالوا: نخاف أن تعنينا كما عنانا عبد الرحمن ابن محمد، قال: إن عبد الرحمن فضح الذمار، وفضح حسبه، وهل كان يعدو أجله! ثم نزل. قال: ودخل علينا عامر بن العميشل - رجل من الأزد - قد جمع جموعًا فأتاه فبايعه؛ فكانت بيعة يزيد: تبايعون على كتاب الله وسنة نبيه ، وعلى ألا تطأ الجنود بلادنا ولا بيضتنا، ولا يعاد علينا سيرة الفاسق الحجاج، فمن بايعنا على ذلك قبلنا منه، ومن أبي جاهدناه، وجعلنا الله بيننا وبينه، ثم يقول: تبايعونا؟ فإذا قالوا: نعم، بايعهم وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة، وبعث إلى المياه فبثقها فيما بين الكوفة وبين يزيد بن المهلب، لئلا يصل إلى الكوفة، ووضع على الكوفة مناظر وأرصادًا لتجس أهل الكوفة عن الخروج إلى يزيد، وبعث عبد الحميد بعثًا من الكوفة عليهم سيف بن هانئ الهمداني حتى قدموا على مسلمة، فألطفهم مسلمة، وأثنى عليهم بطاعتهم، ثم قال: والله لقل ما جاءنا من أهل الكوفة. فبلغ ذلك عبد الحميد، فبعث بعثًا هم أكثر من ذلك، وبعث عليهم سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف الأرذي، فلما قدم أثنى عليه، وقال: هذا رجل لأهل بيته طاعة وبلاء، ضموا إليه من كان ها هنا من أهل الكوفة. وبعث مسلمة إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن فعزله، وبعث محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة - وهو ذو الشامة - مكانه. فدعا يزيد بن المهلب رءوس أصحابه فقال لهم: قد رأيت أن أجمع اثني عشر ألف رجل، فأبعثهم مع محمد بن المهلب حتى يبيتوا مسلمة ويحملوا معهم البراذع والأكف والزبل لدفن خندقهم، فيقاتلهم على خندقهم وعسكرهم بقية ليلتهم، وأمده بالرجال حتى أصبح، فإذا أصبحت نهضت إليهم أنا بالناس. فنناجزهم. فإني أرجوعند ذلك أن ينصرنا الله عليهم. قال السميدع: إنا قد دعوناهم إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد . وقد زعموا أنهم قايلوا هذا منا، فليس لنا أن نمكر ولا نغدر، ولا نريدهم بسوء حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا. قال أبو رؤبة - وكان رأس طائفة من المرجئة. ومعه أصحاب له: صدق. هكذا ينبغي. قال يزيد: ويحكم! أتصدقون بني أمية! أنهم يعملون بالكتاب والسنة، وقد ضيعوا ذلك منذ كانوا! إنهم يقولون لكم: إنا نقبل منكم، وهم يريدون ألا يعملوا بسلطانهم إلا ما تأمرونهم به، وتدعونهم إليه؛ لكنهم أرادوا أن يكفوكم عنهم؛ حتى يعملوا في المكر، فلا يسبقوكم إلى تلك، إبدءوهم بها، إني قد لقيت بني مروان فوالله ما لقيت رجلا هو أمكر ولا أبعد غورًا من هذه الجرادة الصفراء - يعني مسلمة - قالوا: لا نرى أن نفعل ذلك. حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا. وكان مروان بن المهلب وهو بالبصرة يحث الناس على حرب أهل الشام، ويسرح الناس إلى يزيد، وكان الحسن البصري يثبط الناس عن يزيد ابن المهلب. قال أبو مخنف: فحدثني عبد الحميد البصري، أن الحسن البصري كان يقول في تلك الأيام: أيها الناس، الزموا رحالكم، وكفوا أيديكم، واتقوا الله مولاكم، ولا يقتل بعضكم بعضًا على دنيا زائلة، وطمع فيها يسير ليس لأهلها بباق، وليس الله عنهم فيما اكتسبوا براض؛ إنه لم تكن فتنة إلا كان أكثر أهلها الخطباء والشعراء والسفهاء وأهل التيه والخيلاء، وليس يسلم منها إلا المجهول الخفي والمعروف التقى، فمن كان منكم خفيًا فليلزم الحق، وليحبس نفسه عما يتنازع الناس فيه من الدنيا، فكفاه والله بمعرفة الله إياه بالخير شرفًا؛ وكفى له بها من الدنيا خلفًا؛ ومن كان منكم معروفًا شريفًا، فترك ما يتنافس فيه نظراؤه من الدنيا إرادة الله بذلك، فواهًا لهذا! ما أسعده وأرشده وأعظم أجره وأهدى سبيله! فهذا غدًا - يعني يوم القيامة - القرير عينًا، الكريم عند الله مآبًا. فلما بلغ ذلك مروان بن المهلب قام خطيبًا كما يقوم، فأمر الناس بالجد والاحتشاد، ثم قال لهم: لقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي - ولم يسمه - يثبط الناس، والله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل يرعف أنفه؛ أينكر علينا وعلى أهل مصرنا أن نطلب حقنا، وأن ننكر مظلمتنا! أما والله ليكفن عن ذكرنا وعن جمعه إلينا سقاط الأبلى وعلوج فرات البصرة - قومًا ليسوا من أنفسنا، ولا ممن جرت عليه النعمة من أحد منا - أو لأنحين عليه مبردًا خشنًا. فلما بلغ ذلك الحسن قال: والله ما أكره أن يكرمني الله بهوانه. فقال ناس من أصحابه: لو أرادك ثم شئت لمنعناك، فقال لهم: فقد خالفتكم إذًا إلى ما نهيتكم عنه! آمركم ألا يقتل بعضكم بعضًا مع غير، وأدعوكم إلى أن يقتل بعضكم بعضًا دوني! فبلغ ذلك مروان بن الهلب، فاشتد عليهم وأخافهم وطلبهم حتى تفرقوا. ولم يدع الحسن كلامه ذلك، وكف عنه مروان بن المهلب. وكانت إقامة يزيد بن المهلب منذ أجمع هو ومسلمة ثمانية أيام، حتى إذا كان يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من صفر، بعث مسلمة إلى الوضاح أن يخرج بالوضاحية والسفن حتى يحرق الجسر، ففعل. وخرج مسلمة فعبى جنود أهل الشام، ثم ازدلف بهم نحو يزيد بن المهلب، وجعل على ميمنته جبلة بن مخرمة الكندي، وجعل على ميسرته الهذيل بن زفر بن الحارث العامري، وجعل عباس على ميمنته سيف بن هاني الهمداني. وعلى ميسرته سويد بن القعقاع التميمي ومسلمة على الناس، وخرج يزيد بن المهلب، وقد جعل على ميمنته حبيب بن المهلب، وعلى ميسرته المفضل بن المهلب، وكان مع المفضل أهل الكوفة وهو عليهم، ومعه خيل لربيعة معها عدد حسن، وكان مما يلي العباس بن الوليد. قال أبو مخنف: فحدثني الغنوى - قال هشام: وأظن الغنوى العلاء ابن المنهال - أن رجلًا من الشام خرج فدعاه إلى المبارزة، فلم يخرج إليه أحد، فبرز له محمد بن المهلب، فحمل عليه، فاتقاه الرجل بيده، وعلى كفه كف من حديد، فضربه محمد فقطع كف الحديد وأسرع السيف في كفه، واعتنق فرسه، وأقبل محمد يضربه، ويقول: المنجل أعود عليك. قال: فذكر لأنه حيان النبطي. قال: فلما دنى الوضاح من الجسر ألهب فيه النار، فسطع دخانه؛ وقد اقتتل الناس ونشبت الحرب، ولم يشتد القتال، فلما رأى الناس الدخان، وقيل هم: أحرق الجسر انهزموا، فقالوا ليزيد: قد انهزم الناس قال: ومم انهزموا؟ هل كان قتال ينهزم من مثله! فقيل له: قالوا: أحرق الجسر فلم يثبت أحد، قال: قبحهم الله! بق دخن عليه فطار فخرج وخرج معه أصحابه ومواليه وناس من قومه، فقال: اضربوا وجوه من ينهزم، ففعلوا ذلك بهم، حتى كثروا عليه فاستقبلهم منهم مثل الجبال، فقال: دعوهم، فوالله إني لأرجو ألا يجمعني الله وإياهم في مكان واحد أبدًا؛ دعوهم يرحمهم الله، غنم عبدا في نواحيها الذئب، وكان يزيد لايحدث نفسه بالفرار، وقد كان يزيد بن الحكم بنأبي العاص - وأمه ابنت الزبرقان السعدي - آتاه وهو بواسط قبل أن يصل إلى العقر، فقال:
إن بني مروان قد باد مهلكهم ** فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر
قال يزيد: ما شعرت. قال: فقال يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي:
فعش ملكًا أو مت كريمًا وإن تمت ** وسيفك مشهور بكفك تعذر
قال: أما هذا فعسى. ولما خرج يزيد إلى أصحابه واستقبلته الهزيمة، فقال: يا سميدع، أرأيي أم رأيك؟ ألم أعلمك ما يريد القوم! قال: بلى والله، والرأي كان رأيك، وأناذا معك لا أزايلك، فمرني بأمرك؛ قال: إما لا فانزل، فنزل في أصحابه، وجاء يزيد بن المهلب جاء فقال: إن حبيبًا قد قتل قال هشام: قال أبو مخنف: فحدثني ثابت مولى زهير بن سلمى الأزدي، قال: أشهد أني أسمعه حين قال له ذلك: قال: لا خبر في العيش بعد حبيب! قد كنت والله أبغض الحياة بعد الهزيمة؛ فوالله ما ازددت له إلا بغضًا، امضوا قدمًا. فعلمنا والله أن قد استقتل؛ فأخذ من يكره القتال ينقص، وأخذوا يتسللون، وبقيت معه جماعة حسنة، وهو يزدلف، فكلما مر بخيل كشفها، أو جماعة من أهل الشام عدلوا عنه وعن سنن أصحابه، فجاء أبو رؤبة المرجئ، فقال: ذهب الناس - وهو يشير بذلك إليه وأنا أسمعه - فقال: هل لك أن تنصرف إلى واسط؛ فإنها حصن فتنزلها ويأتيك مدد أهل البصرة، ويأتيك أهل عمان والبحرين في السفن، وتضرب خندقًا؟ فقال له: قبح الله رأيك! ألي تقول هذا! الموت أيسر علي من ذلك، فقال له: فإني أتخوف عليك لما ترى، أما ترى ما حولك من جبال الحديد! وهو يشير إليه، فقال له: أما أنا فما أباليها؛ جبال حديد كانت أم جبال نار، اذهب عنا إن كنت لا تريد قتالًا معنا. قال: وتمثل قول حارثة بن بدر الغداني - قال أبو جعفر أخطأ هذا؛ هو للأعشى -:
أبالموت خشتني عباد وإنما ** رأيت منايا الناس يشقى ذليلها
فما ميتة إن متها غير عاجز ** بعار إذا ما غالت النفس غولها
وكان يزيد بن المهلب على برذون له أشهب، فأقبل نحو مسلمة لا يريد غيره؛ حتى إذا دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب، فعطف عليه خيول أهل الشام، وعلى أصحابه، فقتل يزيد بن المهلب، وقتل معه السميدع، وقتل معه محمد بن المهلب. وكان رجل من كلب من بني جابر بن زهير بن جناب الكلبي يقال له القحل بن عياش لما نظر إلى يزيد قال: يا أهل الشام، هذا والله يزيد، والله لأقتلنه أو ليقتلني، وإن دونه ناسًا، فمن يحمل معي يكفيني أصحابه حتى أصل إليه؟ فقال له ناس من أصحابه: نحمل نحن معك، ففعلوا، فحملوا بأجمعهم، واضطربوا ساعة، وسطع الغبار، وانفرج الفريقان عن يزيد قتيلا، وعن القحل بن عياش بآخر رمق. فأومى إلى أصحابه يريهم مكان يزيد؛ يقول لهم: أنا قتلته، ويومي إلى نفسه إنه هو قتلني. ومر مسلمة على القحل بن عياش صريعًا إلى جنب يزيد، فقال: أما إني أظن هذا هو الذي قتلني. وجاء برأس يزيد مولى لبني مرة، فقيل له: أنت قتلته؟ فقال: لا، فلما أتى به مسلمة لم يعرف ولم ينكر، فقال له الحواري بن زياد ابن عمرو العتكي: مر برأسه فليغسل ثم ليعمم، ففعل ذلك به، فعرفه، فبعث برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
قال أبو مخنف: فحدثني ثابت مولى زهير، قال: لقد قتل يزيد وهزم الناس، وإن المفضل بن المهلب ليقاتل أهل الشام ما يدري بقتل يزيد ولا بهزيمة الناس؛ وإنه لعلى برذون شديد قريب من الأرض، وإن معه لمجففة أمامه، فكلما حمل عليها نكصت وانكشفت وانكشف، فيحمل في ناس من أصحابه يخالط القوم ثم يرجع حتى يكون من وراء أصحابه، وكان لا يرى منا ملتفتًا إلا أشار إليه بيده ألا يلتفت ليقبل القوم بوجوههم على عدوهم، ولا يكون لهم هم غيرهم.
قال: ثم اقتتلنا ساعة؛ فكأني أنظر إلى عامر بن العميشل الأرذي وهو يضرب بسيفه، ويقول:
قد علمت أم الصبي المولود ** أني بنصل السيف غير رعديد
قال: واضطربنا والله ساعة، فانكشفت خيل ربيعة؛ والله ما رأيت عند أهل الكوفة من كبير صبر ولا قتال، فاستقبل ربيعة بالسيف يناديهم: أي معشر ربيعة، الكرة الكرة! والله ما كنتم بكشف ولا لئام، ولا هذه لكم بعادة، فلا يأتين أهل العراق اليوم من قبلكم. أي ربيعة، فدتكم نفسي، اصبروا ساعة من النهار. قال: فاجتمعوا حوله، وثابوا إليه، وجاءت كويفتك. قال: فاجتمعنا ونحن نريد الكرة عليهم، حتى أتى، فقيل له: ما تصنع ها هنا وقد قتل يزيد وحبيب ومحمد، وانهزم الناس منذ طويل؟ وأخبر الناس بعضهم بعضًا، فتفرقوا ومضى المفضل، فأخذ الطريق إلى واسط، فما رأيت رجلًا من العرب مثل منزلته كان أغشى للناس بنفسه، ولا أضرب بسيفه، ولا أحسن تعبئة لأصحابه منه. قال أبو مخنف: فقال لي ثابت مولى زهير: مررت بالخندق، فإذا عليه حائط، عليه رجال معهم النبل، وأنل مجفف، وهم يقولون: يا صاحب التجفاف، أين تذهب؟ قال: فما كان شئ أثقل علي من تجفافي، قال: فما هو إلا أن جزتهم، فنزلت فألقيته لأخفف عن دابتي. وجاء أهل الشام إلى عسكر يزيد بن المهلب، فقاتلهم أبو رؤبة صاحب المرجئة ساعة من النهار حتى ذهب عظمهم، وأسر أهل الشام نحوًا من ثلثمائة رجل، فسرحهم مسلمة إلى محمد بن عمرو بن الوليد فحبسهم. وكان على شرطه العريان بن الهيثم. وجاء كتاب من يزيد بن عبد الملك إلى محمد بن عمرو: أن اضرب رقاب الأسراء، فقال للعريان بن الهيثم: أخرجهم عشرين عشرين، وثلاثين ثلاثين. قال: فقام نحو من ثلاثين رجلًا من بني تميم، فقالوا: نحن انهزمنا بالناس، فاتقوا الله وابدءوا بنا، أخرجونا قبل الناس، فقال لهم العريان: اخرجوا على اسم الله، فأخرجهم إلى المصطبة، وأرسل إلى محمد بن عمرو يخبره بإخراجهم ومقالتهم، فبعث إليه أن اضرب أعناقهم. قال أبو مخنف: فحدثني نجيج أبو عبد الله مولى زهير، قال: والله إني لأنظر إليهم يقولون: إنا لله! انهزمنا بالناس، وهذا جزاؤنا، فما هو إلا أن فرغ منهم، حتى جاء رسول من عند مسلمة فيه عافية الأسراء والنهي عن قتلهم. فقال حاجب بن ذبيان من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم:
لعمري لقد خاضت معيط دماءنا ** بأسيافها حتى انتهى بهم الوحل
وما حمل الأقوام أعظم من دم ** حرام ولا ذحل إذا التمس الذحل
حقنتم دماء المصلتين عليكم ** وجر على فرسان شيعتك القتل
وقى بهم العريان فرسان قومه ** فيا عجبًا أين الأمان والعدل!