ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فممّا كان فيها غزوة معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وغزوة سليمان بن هشام بن عبد الملك الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة، وفرّق سراياه في أرض الروم.
وفيها بعث مروان بن محمد - وهو على أرمينية - بعثين، فافتتح أحدهما حصونًا ثلاثة من اللان ونزل الآخر على تومانشاه، فنزل أهلها على الصلح.
وفيها عزل هشام بن عبد الملك عاصم بن عبد الله عن خراسان، وضمها إلى خالد بن عبد الله، فولاها خالد أخاه أسد بن عبد الله.
وقال المدائني: كان عزل هشام عاصمًا عن خراسان وضمّ خراسان إلى خالد بن عبد الله في سنة ستّ عشرة ومائة.
ذكر الخبر عن سبب عزل هشام عاصما وتوليته خالدا خراسان

وكان سبب ذلك - فيما ذكر علي عن أشياخه - أنّ عاصم بن عبد الله كتب إلى هشام بن عبد الملك: أمّا بعد يا أمير المؤمنين، فإنّ الرائد لا يكذب أهله؛ وقد كان من أمر أمير المؤمنين إلي ما يحقّ به علي نصيحته؛ وإنّ خراسان لا تصلح إلّا أن تضمّ إلى صاحب العراق؛ فتكون موادها ومنافعها ومعونتها في الأحداث والنوائب من قريب؛ لتباعد أمير المؤمنين عنها وتباطؤ غياثه عنها.
فلما مضى كتابه خرج إلى أصحابه يحيى بن حضين والمجشّر بن مزاحم وأصحابهم، فأخبرهم، فقال له المجشّر بعد ما مضى الكتاب: كأنك بأسد قد طلع عليك. فقدم أشد بن عبد الله؛ بعث به هشام بعد كتاب عاصم بشهر، فبعث الكميت بن زيد الأسدي إلى أهل مرو بهذا الشعر:
ألا أبلغ جماعة أهل مرو ** على ما كان من نأى وبعد
رسالة ناصح يهدى سلامًا ** ويأمر في الذي ركبوا بجد
وأبلغ حارثًا عنا اعتذارًا ** إليه بأن من قبلي بجهد
ولولا ذاك قد زارتك خيل ** من المصرين بالفرسان تردي
فلا تهنوا ولا ترضوا بخسف ** ولا يغرركم أسد بعهد
وكونوا كالبغايا إن خدعتم ** وإن أقررتم ضيمًا لوغد
وإلا فارفعوا الرايات سودًا ** على أهل الضلالة والتعدي
فكيف وأنتم سبعون ألفًا ** رماكم خالد بشبيه قرد
ومن ولى بذمته رزينًا ** وشيعته ولم يوف بعهد
ومن غشي قضاعة ثوب خزيٍ ** بقتل أبي سلامان بن سعد
فمهلًا يا قضاع فلا تكوني ** توابع لا أصول لها بنجد
وكنت إذا دعوت بني نزار ** أتاك الدهم من سبط وجعد
فجدع من قضاعة كل أنف ** ولا فازت على يوم بمجد
قال: ورزين الذي ذكر كان خرج على خالد بن عبد الله بالكوفة، فأعطاه الأمان ثم لم يف به.
وقال فيه نصر بن سيّار حين أقبل الحارث إلى مرو وسوّد راياته - وكان الحارث يرى رأي المرجئة:
دع عنك دنيا وأهلًا أنت تاركهم ** ما خير دنيا وأهل لا يدومونا!
إلا بقية أيام إلى أجل ** فاطلب من الله أهلًا لا يموتونا
أكثر تقى الله في الإسرار مجتهدًا ** إن التقى خيره ما كان مكنونا
واعلم بأنك بالأعمال مرتهن ** فكن لذاك كثير الهم محزونا
إني أرى الغبن المردي بصاحبه ** من كان في هذه الأيام مغبونا
تكون للمرء أطوارًا فتمنحه ** يومًا عثارًا وطورًا تمنح اللينا
بينا الفتى في نعيم العيش حوله ** دهر فأمسى به عن ذاك مزبونا
تحلو له مرة حتى يسر بها ** حينًا وتمقره طعمًا أحايينا
هل غابر من بقايا الدهر تنظره ** إلا كما قد مضى فيما تقضونا
فامنح جهادك من لم يرج آخرةً ** وكن عدوًا لقوم لا يصلونا
واقتل مواليهم منا وناصرهم ** حينًا تكفرهم والعنهم حينا
والعائبين علينا ديننا وهم ** شر العباد إذا خابرتهم دينا
والقائلين سبيل الله بغيتنا ** لبعد ما نكبوا عما يقولونا
فاقتلهم غضبًا لله منتصرًا ** منهم به ودع المرتاب مفتونا
إرجاؤكم لزكم والشرك في قرن ** فأنتم أهل إشراك ومرجونا
لا يبعد الله في الأجداث غيركم ** إذ كان دينكم بالشرك مقرونا
ألقى به الله رعبًا في نحوركم ** والله يقضي لنا الحسنى ويعلينا
كيما نكون الموالي عند خائفة ** عما تروم به الإسلام والدينا
وهل تعيبون منا كاذبين به ** غال ومهتضم، حسبي الذي فينا
يأبى الذي كان يبلي الله أولكم ** على النفاق وما قد كان يبلينا
قال: ثم عاد الحارث لمحاربة عاصم، فلمّا بلغ عاصمًا أن أسد بن عبد الله قد أقبل، وأنّه قد سيّر على مقدمته محمد بن مالك الهمداني، وأنه قد نزل الدندانقان، صالح الحارث، وكتب بينه وبينه كتابًا على أن ينزل الحارث أي كورخراسان شاء، وعلى أن يكتبا جميعًا إلى هشام؛ يسألانه كتاب الله وسنة نبيه؛ فإن أبى اجتمعا جميعًا عليه. فختم على الكتاب بعض الرؤساء، وأبى يحيى ابن حضين أن يختم، وقال: هذا خلع لأمير المؤمنين؛ فقال خلف بن خليفة ليحيى:
أبى هم قلبك إلا اجتماعا ** ويأبى رقادك إلا امتناعًا
بغير سماع ولم تلقني ** أحاول من ذات لهو سماعا
حفظنا أمية في ملكها ** ونخطر من دونها أن تراعى
ندافع عنها وعن ملكها ** إذا لم نجد بيديها امتناعا
أبى شعب ما بيننا في القديم ** وبين أمية إلا انصداعا
ألم نختطف هامة ابن الزبير ** وننتزع الملك منه انتزاعا
جعلنا الخلافة في أهلها ** إذا اصطرع الناس فيها اصطراعا
نصرنا أمية بالمشرفي ** إذا انخلع الملك عنها انخلاعا
ومنا الذي شد أهل العراق ** ولو غاب يحيى عن الثغر ضاعا
على ابن سريج نقضنا الأمور ** وقد كان أحكمها ما استطاعا
حكيم مقالته حكمة ** إذا شتت القوم كانت جماعا
عشية زرق وقد أزمعوا ** قمعنا من الناكثين الزماعا
ولولا فتى وائل لم يكن ** لينضج فيها رئيس كراعا
فقل لأمية ترعى لنا ** أيادي لم نجزها واصطناعا
أتلهين عن قتل ساداتنا ** ونأبى لحقك إلا اتباعا
أمن لم يبعك من المشترين ** كآخر صادف سوقًا فباعا!
أبى ابنُ حضين لما تصنع ** ين إلا اضطلاعا وإلّا اتّباعا
ولو يأمن الحارث الوائلين ** لراعك في بعض من كان راعا
وقد كان أصعر ذا نيرب ** أشاع الضلالة فيما أشاعا
كفينا أمية مختومة ** أطاع بها عاصم من أطاعا
فلولا مراكز راياتنا ** من الجند خاف الجنود الضياعا
وصلنا القديم لها بالحديث ** وتأبى أمية إلا انقطاعا
ذخائر في غيرنا نفعها ** وما إن عرفنا لهن انتفاعا
ولو قدمتها وبان الحجا ** ب لارتعت بين حشاك ارتياعا
فأين الوفاء لأهل الوفاء ** والشكر أحسن من أن يضاعا!
وأين ادخار بني وائل ** إذا الذخر في الناس كان ارتجاعا!
ألم تعلمي أن أسيافنا ** تداوي العليل وتشفي الصداعا!
إذا ابن حضين غدا باللواء ** أسلم أهل القلاع القلاعا
إذا ابن حضين غدا باللواء ** أشار النسور به والضباعا
إذا ابن حضين غدا باللواء ذكى وكانت معد جداعا