وقيل: إنّ يوسف لما قدم العراق أراد أن يولّي خراسان سلم بن قتيبة، فكتب بذلك إلى هشام، ويستأذنه فيه، فكتب إليه هشام: إنّ سلم بن قتيبة رجل ليس له بخراسان عشيرة؛ ولو كان له بها عشيرة لم يقتل بها أبوه.
وقيل إن يوسف كتب إلى الكرماني بولاية خراسان مع رجل من بني سليم وهو بمرو؛ فخرج إلى الناس يخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أسدًا وقدومه خراسان، وما كانوا فيه من الجهد والفتنة، وما صنع لهم على يديه. ثم ذكر أخاه خالدًا بالجميل، وأثنى عليه؛ وذكر قدوم يوسف العراق، وحثّ الناس على الطاعة ولزوم الجماعة، ثم قال: غفر الله للميت - يعني أسدًا - وعافى الله المعزول، وبارك للقادم. ثم نزل.
وفي هذه السنة عزل الكرماني عن خراسان، ووليها نصر بن سيار بن ليث بن رافع بن ربيعة بن جري بن عوف بن عامر بن جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأمّه زينب بنت حسان من بني تغلب.
ذكر الخبر عن سبب ولاية نصر بن سيار خراسان

ذكر علي بن محمد عن شيوخه أن وفاة أسد بن عبد الله لما انتهت إلى هشام بن عبد الملك استشار أصحابه في رجل يصلح لخراسان؛ فأشاروا عليه بأقوام، وكتبوا له أسماءهم؛ فكان ممن كتب له عثمان بن عبد الله بن الشخير ويحيى بن حضين بن المنذر الرقاشي ونصر بن سيّار الليثي وقطن بن قتيبة بن مسلم والمجشّر بن مزاحم السلمي أحد بني حرام؛ فأما عثمان بن عبد الله ابن الشخير، فقيل له: إنه صاحب شراب، وقيل له: المجشّر شيخ هم، وقيل له: ابن حضين رجل فيه تيه وعظمة، وقيل له: قطن بن قتيبة موتور؛ فاختار نصر بن سيّار؛ فقيل له: ليست له بها عشيرة، فقال هشام: أنا عشيرته. فولّاه وبعث بعهده مع عبد الكريم بن سليط بن عقبة الهفاني؛ هفان بن عدي بن حنيفة. فأقبل عبد الكريم بعهده، ومعه أبو المهند كاتبه مولى بنى حنيفة، فلما قدم سرخس ولا يعلم به أحد، وعلى سرخس حفص بن عمر بن عباد التيمي أخو تميم بن عمر، فأخبره أبو المهند، فوجه حفص رسولًا، فحمله إلى نصر، ونفذ ابن سليط إلى مرو، فأخبر أبو المهند الكرماني، فوجّه الكرماني نصر بن حبيب بن بحر بن ماسك بن عمر الكرماني إلى نصر بن سيار، فسبق رسول حفص إلى نصر بن سيار؛ فكان أوّل من سلم عليه بالإمرة، فقال له نصر: لعلك شاعر مكار! فدفع إليه الكتاب. وكان جعفر بن حنظلة ولّى عمرو بن مسلم مرو، وعزل الكرماني وولّى منصور بن عمر أبرشهر، وولّى نصر بن سيار بخاري، فقال جعفر ابن حنظلة: دعوت نصرًا قبل أن يأتيه عهده بأيام؛ فعرضت عليه أن أولّية بخارى، فشاور البختري بن مجاهد، فقال له البختري، وهو مولى بني شيبان: لا تقبلها، قال: ولمَ؟ قال: لأنك شيخ مضر بخراسان؛ فكأنك بعهدك قد جاء على خراسان كلها؛ فلما أتاه عهده بعث إلى البختري فقال البختري لأصحابه: قد ولى نصر بن سيار خراسان؛ فلما أتاه سلم عليه بالإمرة، فقال له: أنّى علمت؟ قال: لما بعثت إلي، وكنت قبل ذلك تأتيني، علمت أنك قد وليت.
قال: وقد قيل إنّ هشامًا قال لعبد الكريم حين أتاه خبر أسد بن عبد الله بموته. من ترى أن نولّي خراسان، فقد بلغني أنّ لك بها وبأهلها علمًا؟ قال عبد الكريم: قلت: يا أمير المؤمنين؛ أما رجل خراسان حزمًا ونجدة فالكرماني؛ فأعرض بوجهه، وقال: ما اسمه؟ قلت: جديع بن علي، قال: لا حاجة لي فيه؛ وتطيّر، وقال: سم لي غيره، قلت: اللسن المجرّب يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني أبو الميلاء، قال: ربيعة لا تسد بها الثغور - قال عبد الكريم: فقلت في نفسي: كره ربيعة واليمن، فأرميه بمضر - فقلت: عقيل بن معقل الليثي، إن اغتفرت هنةً، قال: ما هي؟ قلت: ليس بالعفيف، قال: لا حاجة لي به، قلت: منصور بن أبي الخرقاء السلمي، إن اغتفرت نكره فإنه مشئوم، قال: غيره، قلت: المحشّر بن مزاحم السلمي، عاقل شجاع، له رأي مع كذب فيه، قال: لا خير في الكذب، قلت: يحيى بن حضين، قال: ألم أخبرك أنّ ربيعة لا تسدّ بها الثغور! قال: فكان إذا ذكرت له ربيعة، واليمن أعرض. قال عبد الكريم: وأخرّت نصرًا وهو أرجل القوم وأ؛ زمهم وأعلمهم بالسياسة، فقلت: نصر بن سيار الليثي، قال: هو لها، قلت: إن اغتفرت واحدة؛ فإنه عفيف مجرّب عاقل، قال: ما هي؟ قلت: عشيرته بها قليلة، قال: لا أبا لك، أتريد عشيرة أكثر مني! أنا عشيرته.
وقال آخرون: لما قدم يوسف بن عمر العراق قال: أشيروا علي برجل أولّه خراسان، فأشاروا عليه بمسلمة بن سليمان بن عبد الله ابن خازم وقديد بن منيع المنقري ونصر بن سيّار وعمرو بن مسلم ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم ومنصور بن أبي الخرقاء وسلم بن قتيبة ويونس بن عبد ربّه وزياد بن عبد الرحمن القشيري؛ فكتب يوسف بأسمائهم إلى هشام، وأطرى القيسية، وجعل آخر من كتب اسمه نصر بن سيار الكناني، فقال هشام: ما بال الكناني آخرهم! وكان في كتاب يوسف إليه: يا أمير المؤمنين، نصر بخراسان قليل العشيرة. فكتب إليه هشام: قد فهمت كتابك وإطراءك القيسيّة. وذكرت نصرًا وقلة عشيرته، فكيف يقلّ من أنا عشيرته! ولكنك تقيّست علي، وأنا متخندف عليك؛ ابعث بعهد نصر؛ فلم يقلّ من عشيرته أمير المؤمنين؛ بله ما إن تميمًا أكثر أهل خراسان. فكتب إلى نصر أن يكاتب يوسف بن عمر، وبعث يوسف سلمًا وافدًا إلى هشام؛ وأثنى عليه فلم يوله، ثم أوفد شريك بن عبد ربه النميري، وأثنى عليه ليولّيه خراسان، فأبى هشام.
قال: وأوفد نصر من خراسان الحكم بن يزيد بن عمير الأسدي إلى هشام، وأثنى عليه نصر، فضربه يوسف ومنعه من الخروج إلى خراسان؛ فلما قدم يزيد بن عمر بن هبيرة استعمل الحكم بن يزيد على كرمان، وبعث بعهد نصر مع عبد الكريم الحنفي - ومعه كاتبه أبو المهند مولى بني حنيفة - فلما أتى سرخس وقع الثلج، فأقام ونزل على حفص بن عمر بن عباد التيمي، فقال له: قدمت بعهد نصر على خراسان؛ قال: وهو عامل يومئذ على سرخس - فدعا حفص غلامه، فحمله على فرس وأعطاه مالًا، وقال له: طر واقتل الفرس؛ فإن قام عليك فاشتر غيره حتى تأتي نصرًا. قال: فخرج الغلام حتى قدم على نصر ببلخ، فيجده في السوق، فدفع إليه الكتاب، فقال: أتدري ما في هذا الكتاب؟ قال: لا، فأمسكه بيده، وأتى منزله، فقال الناس: أتى نصرًا عهده على خراسان، فأتاه قوم من خاصته، فسألوه فقال: ما جاءني شيء، فمكث يومه، فدخل عليه من الغد أبو حفص بن علي، أحد بني حنظلة - وهو صهره؛ وكانت ابنته تحت نصر، وكان أهوج كثير المال؛ فقال له: إنّ الناس قد خاصوا وأكثروا في ولايتك؛ وأقرأه الكتاب، فقال: ما كان حفص ليكتب إليك إلا بحق، قال: فبينا هو يكلمه إذ استأذن عليه عبد الكريم، فدفع غليه عهده، فوصله بعشرة آلاف درهم. ثم استعمل نصر على بلخ مسلم بن عبد الرحمن بن مسلم، واستعمل وشاح ابن بكير بن وشاح على مرو الروذ، والحارث بن عبد الله بن الحشرج لعى هراة، وزياد بن عبد الرحمن القشيري على أبرشهر، وأبا حفص بن علي ختنه على خوارزم، وقطن بن قتيبة على السغد. فقال رجل من أهل الشأم من اليمانية: ما رأيت عصبية مثل هذه! قال: بلى، التي كانت قبل هذه. فلم يستعمل أربع سنين إلا مضريًا، وعمرت خراسان عمارة لم تعمر قبل ذلك مثلها، ووضع الخراج، وأحسن الولاية والجباية. فقال سوار بن الأشعر:
أضحت خراسان بعد الخوف آمنة ** من ظلم كل غشوم الحكم جبار
لما أتى يوسفًا أخبار ما لقيت ** اختار نصرًا لها؛ نصر بن سيار
وقال نصر بن سيار فمن كره ولايته:
تعز عن الصبابة لا تلام ** كذلك لا يلم بك احتمام
أأن سخطت كبيرة بعد قرب ** كلفت بها واشرك السقام!
ترجّى اليوم ما وعدت حديثًا ** وقد كذبت مواعدها الكرام
ألم تر أن ما صنع الغواني ** عسير لا يريع به الكلام
أبت لي طاعتي وأبى بلائي ** وفوزي حين يعترك الخصام
وإنا لا نضيع لنا ملمًا ** ولا حسبًا إذا ضاع الذمام
ولا نغضي على غدر وإنا ** نقيم على الوفاء فلا نلام
خليفتنا الذي فازت يداه ** بقدح الحمد والملك الهمام
نسوسهم به ولنا عليهم ** إذا قلنا مكارمه جسام
أبو العاصي أبوه وعبد شمس ** وحرب والقماقمة الكرام
ومروان أبو الخلفاء عال ** عليه المجد فهو لهم نظام
وبيت خليفة الرحمن فينا ** وبيتاه المقدس والحرام
ونحن الأكرمون إذا نسبنا ** وعرنين البرية والسنام
فأمسينا لنا من كل حي ** خراطيم البرية والزمام
لنا أيد نريش بها ونبري ** وأيد في بوادرها السمام
وبأس في الكريهة حين نلقى ** إذا كان النذير بها الحسام
قال: وأتى نصرًا عهده في رجب من سنة عشرين ومائة، وقال له البختري: اقرأ عهدك واخطب الناس؛ فخطب الناس فقال في خطبته: استمسكوا أصحابنا بجدتكم، فقد عرفنا خيركم وشركم.
وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل، كذلك حدثني أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
وقد قيل: إن الذي حجّ بهم فيها سليمان بن هشام.
وقيل: حج بهم يزيد بن هشام.
وكان العامل في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف محمد بن هشام، وعلى العراق والمشرق كله يوسف بن عمر، وعلى خراسان نصر بن سيار - وقيل جعفر بن حنظلة - وعلى البصرة كثير بن عبد الله السلمي من قبل يوسف بن عمر، وعلى قضائها عامر بن عبيدة الباهلي، وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد، وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة.
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك غزوة مسلمة بن هشام بن عبد الملك الروم، فافتتح بها مطامير. وغزوة مروان بن محمد بلاد صاحب سرير الذهب، فافتتح قلاعه وخرّب أرضه، وأذعن له بالجزية، في كلّ سنة ألف رأس يؤدّيه إليه، وأخذ منه بذلك الرهن، وملّكه مروان على أرضه.
وفيها ولد العباس بن محمد.
ذكر الخبر عن ظهور زيد بن علي

وفيها قتل زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب في قول الواقدي في صفر؛ وأما هشام بن محمد فإنه زعم أنه قتل في سنة اثنتين وعشرين ومائة، في صفر منها.