منع العزاء حرارة الصدر ** والحزن عقد عزيمة الصبر
لما سمعت بوقعة شملت ** بالشييب لون مفارق الشعر
أفنى الحماة الغرّ أن عرضت ** دون الوفاء حبائل الغدر
مالت حبائل أمرهم بفتىً ** مثل النجوم حففن بالبدر
عالى نعيهم فقلت له ** هلّا أتيت بصيحة الحشر!
لله درّك من زعمت لنا ** أن قد حوته حوادث الدهر
من للمنابر بعد مهلكهم ** أو من يسد مكارم الفخر!
فإذا ذكرتهم شكا ألمًا ** قلبي لفقد فوارس زهر
قتلى بدجلة ما يغمّهم ** إلا عباب زواخر البحر
فلتبك نسوتنا فوارسها ** خير الحماة ليالي الذعر
وذكر أبو زيد أن أبا بكر الباهلي حدثه، قال: حدثني شيخ من أهل خراسان، قال: كان هشام بن عبد الملك خطب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة ابنته على ابنه معاوية، فأبى أن يزوجّه، فجرى بعد ذلك بين يزيد بن عمر وبين الوليد بن القعقاع كلام؛ فبعث به هشام إلى الوليد بن القعقاع، فضربه وحبسه، فقال ابن طيسلة:
يا قل خير رجال لا عقول لهم ** من يعدلون إلى المحبوس في حلب
إلى امرىء لم تصبه الدهر معضلة ** إلا استقلّ بها مسترخي اللبب
وقيل: إن أبا العباس لما وجّه أبا جعفر إلى واسط لقتال ابن هبيرة، كتب إلى الحسن بن قحطبة: إن العسكر عسكرك، والقوّاد قوّادك؛ ولكن أحببت أن يكون أخي حاضرًا، فاسمع له وأطع، وأحسن مؤازرته. وكتب إلى أبي نصر مالك بن الهيثم بمثل ذلك؛ فكان الحسن المدبر لذلك العسكر بأمر المنصور.
وفي هذه السنة وجّه أبو مسلم محمد بن الأشعث على فارس، وأمره أن يأخذ عمال أبي سلمة فيضرب أعناقهم. ففعل ذلك.
وفي هذه السنة وجّه أبو العباس عمّه عيسى بن علي على فارس، وعليها محمد بن الأشعث، فهمّ به، فقيل له: إن هذا لا يسوغ لك، فقال: بلى، أمرني أبو مسلم ألا يقدم علي أحد يدّعي الولاية من غيره إلا ضربت عنقه. ثم ارتدع عن ذلك لما تخوّف من عاقبته، فاستحلف عيسى بالأيمان المحرجة ألّا يعلو منبرًا، ولا يتقلد سيفًا إلّا في جهاد؛ فلم يل عيسى بعد ذلك عملًا، ولا تقلد سيفًا إلّا في غزو. ثم وجه أبو العباس بعد ذلك إسماعيل بن علي واليًا على فارس.
وفي هذه السنة وجّه أبو العباس أخاه أبا جعفر واليًا على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية، ووجه أخاه يحيى بن محمد بن علي واليًا على الموصل.
وفيها عزل عمّه داود بن علي عن الكوفة وسوادها، وولّاه المدينة ومكة واليمن واليمامة، وولّى موضعه وما كان إليه من عمل الكوفة وسوادها عيسى بن موسى.
وفيها عزل مروان - وهو بالجزيرة عن المدينة - الوليد بن عروة، وولاها أخاه يوسف بن عروة؛ فذكر الواقدي أنه قدم المدينة لأربع خلون من شهر ربيع الأول.
وفيها استقضى عيسى بن موسى على الكوفة ابن أبي ليلى.
وكان العامل على البصرة في هذه السنة سفيان بن معاوية المهلبي. وعلى قضائها الحجاج بن أرطاة، وعلى فارس محمد بن الأشعث، وعلى السند منصور بن جمهور، وعلى الجزيرة وأرمينية وأذربيجان عبد الله بن محمد، وعلى الموصل يحيى بن محمد، وعلى كور الشأم عبد الله بن علي، وعلى مصر أبو عون عبد الملك بن يزيد، وعلى خراسان والجبال أبو مسلم، وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك.
وحجّ بالناس في هذه السنة داود بن علي بن عبد الله بن العباس.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائة

ذكر ما كان في هذه السنة من الأحداث

فمن ذلك ما كان من توجيه أبي العباس عمّه سليمان بن علي واليًا على البصرة وأعمالها، وكور دجلة والبحرين وعمان ومهرجانقذق، وتوجيهه أيضًا عمه إسماعيل بن علي على كور الأهواز.
وفيها قتل داود بن علي من كان أخذ من بني أميّة بمكة والمدينة.
وفيها مات داود بن علي بالمدينة في شهر ربيع الأول؛ وكانت ولايته - فيما ذكر محمد بن عمر - ثلاثة أشهر.
واستخلف داود بن علي حين حضرته الوفاة على عمله ابنه موسى؛ ولما بلغت أبا العباس وفاته وجّه على المدينة ومكة والطائف واليمامة خاله زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي، ووجّه محمد بن يزيد بن عبد الله ابن عبد المدان على اليمن، فقدم اليمن في جمادى الأولى، فأقام زياد بالمدينة ومضى محمد إلى اليمن. ثم وجّه زياد بن عبيد الله من المدينة إبراهيم بن حسان السلمي؛ وهو أبو حماد الأبرص - إلى المثنّى بن يزيد بن عمر بن هبيرة وهو باليمامة، فقتله وقتل أصحابه.
وفيها كتب أبو العباس إلى أبي عون بإقراره على مصر واليًا عليها، وإلى عبد الله وصالح ابني علي على أجناد الشأم.
وفيها توجّه محمد بن الأشعث إلى إفريقيّة فقاتلهم قتالًا شديدًا حتى فتحها.
وفيها خرج شريك بن شيخ المهري بخراسان على أبي مسلم ببخارى ونقم عليه، وقال: ما على هذا اتّبعنا آل محمد، على أن نسفك الدماء، ونعمل بغير الحقّ. وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفًا، فوجّه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله فقتله.
وفيها توجّه أبو داود خالد بن إبراهيم من الوخش إلى الختّل، فدخلها ولم يمتنع عليه حنش بن السبل ملكها، وأتاه ناس من دهاقين الختل، فتحصّنوا معه؛ وامتنع بعضهم في الدروب والشعاب والقلاع. فلما ألحّ أبو داود على حنش، خرج من الحصن لييلًا ومعه دهاقينه وشاكريّته حتى انتهوا إلى أرض فرغانة؛ ثم خرج منها في أرض الترك، حتى وقع إلى ملك الصين؛ وأخذ أبو داود من ظفر به منهم، فجاوز بهم إلى بلخ، ثم بعث بهم إلى أبي مسمل.
وفيها قتل عبد الرحمن بن يزييد بن المهلب؛ قتله سليمان الذي يقال له الأسود، بأمان كتبه له.
وفيها وجّه صالح بن علي سعيد بن عبد الله لغزو الصائفة؛ وراء الدروب.
وفيها عزل يحيى بن محمد عن الموصل، واستعمل مكانه إسماعيل بن علي.
وحجّ بالناس في هذه السنة زياد بن عبيد الله الحارثي؛ كذلك حدثني أحمد ابن ثابت، عمّن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي وغيره.
وكان علي الكوفة وأرضها عيسى بن موسى، وعلى قضائها ابن أبي ليلى، وعلى البصرة وأعمالها وكوردجلة والبحرين وعمان والعرض ومهرجانقذق سليمان ابن علي، وعلى قضائها عبّاد بن منصور، وعلى الأهواز إسماعييل بن علي وعلى فارس محمد بن الأشعث، وعلى السند منصور بن جمهور، وعلى خراسان والجبال أبو مسلم، وعلى قنّسرين وحمص وكور دمشق والأردّن عبد الله بن علي، وعلى فلسطين صالح بن علي.
وعلى مصر عبد الملك بن يزيد أبو عون، وعلى الجزيرة عبد الله بن محمد المنصور، وعلى الموصل إسماعيل بن علي، وعلى أرمينية صالح بن صبيح، وعلى أذربيجان مجاشع بن يزيد.
وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائة

ذكر ما كان فييها من الأحداث

ذكر خبر خلع بسام بن إبراهيم

ففيها خالف بسام بن إبراهيم بن بسام، وخلع، وكان من فرسان أهل خراسان. وشخص - فيما ذكر - من عسكر أبي العباس أمير المؤمنين مع جماعة ممّن شاييعه على ذلك من رأيه؛ مستسرّين بخروجهم، ففحص عن أمرهم وإلى أين صاروا، حتى وقف على مكانهم بالمدائن، فوجّه إليهم أبو العباس خازم بن خزيمة، فلما لقي بسامًا ناجزه القتال، فانهزم بسام وأصحابه وقتل أكثرهم، واستبيح عسكره، ومضى خازم وأصحابه في طلبهم، في أرض جوخي إلى أن بلغ ماه، وقتل كلّ من لحقه منهزمًا، أو ناصبه القتال؛ ثم انصرف من وجهه ذلك؛ فمرّ بذات المطامير - أو بقرية شبيهة بها - وبها من بني الحارث بن كعب من بني عبد المدان؛ وهم أخوال أبي العباس ذنبة فمرّ بهم وهم في مجلس لهم - وكانوا خمسة وثلاثين رجلًا منهم ومن غيرهم ثمانية عشر رجلًا، ومن مواليهم سبعة عشر رجلًا - فلم يسلّم عليهم، فلما جاز شتموه؛ وكان في قلبه عليهم ما كان لما بلغه عنهم من حال المغرة بن الفزع، وأنه لجأ إليهم، وكان من أصحاب بسام بن إبراهيم فكرّ راجعًا، فسألهم عما بلغه من نزول المغيرة بهم؛ فقالوا: مرّ بنا رجل مجتاز لا نعرفه؛ فأقام في قريتنا ليلة ثم خرج عنها، فقال لهم: أنتم أخوال أمير المؤمنين ويأتيكم عدوّه، فيأمن في قريتكم! فهلا اجتمعتم فأخذتموه! فأغلظوا له الجواب، فأمر بهم فضربت أعناقهم جميعًا، وهدمت دورهم، وانتهبت أموالهم، ثم انصرف إلى أبي العباس؛ وبلغ ما كان من فعل خازم اليمانية، فأعظموا ذلك؛ واجتمعت كلمتهم، فدخل زياد بن عبيد الله الحارثي على أبي العباس مع عبد الله بن الربيع الحارثي وعثمان بن نهيك، وعبد الجبار بن عبد الرحمن؛ وهو يومئذ على شرطة أبي العباس؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ إن خادمًا اجترأ عليك بأمر لم يكن أحد من أقرب ولد أبيك ليجترىء عليك به؛ من استخفافه بحقّك؛ وقتل أخوالك الذين قطعوا البلاد، وأتوك معتزّين بك، طالبين معروفك؛ حتى إذا صاروا إلى دارك وجوارك، وثب عليهم خازم فضرب أعناقهم، وهدم دورهم، وأنهب أموالهم، وأخرب ضياعهم؛ بلا حدث أحدثوه. فهمّ بقتل خازم؛ فبلغ ذلك موسى بن كعب وأبا الجهم بن عطيّة، فدخلا على أبي العباس، فقالا: بلغنا يا أمير المؤمنين ما كان من تحميل هؤلاء القوم إياك على خازم؛ وإشارتهم عليك بقتله؛ وما هممت به من ذلك؛ وإنا نعيذك بالله من ذلك؛ فإنّ له طاعة وسابقة؛ وهو يحتمل له ما صنع؛ فإنّ شيعتكم من أهل خراسان قد آثروكم على الأقارب من الأولاد والآباء والإخوان؛ وقتلوا من خالفكم، وأنت أحقّ من تعمد إساءة مسيئهم؛ فإن كنت لا بد مجمعًا على قتله فلا تتولّ ذلك بنفسك، وعرّضه من المباعث لما إن قتل فيه كنت قد بلغت الذي أردت، وإن ظفر كان ظفره لك. وأشاروا عليه بتوجيهه إلى من بعمان من الخوارج إلى الجلندي وأصحابه، وإلى الخوارج الذين بجزيرة ابن كاوان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكري، فأمر أبو العباس بتوجيهه مع سبعمائة رجل؛ وكتب إلى سليمان بن علي وهو على البصرة بحملهم في السفن إلى جزيرة ابن كاوان وعمان فشخص.
أمر الخوارج مع خزيمة بن خازم وقتل شيبان بن عبد العزيز

وفي هذه السنة شخص خازم بن خزيمة إلى عمان، فأوقع بمن فيها من الخوارج، وغلب عليها وعلى ما قرب منها من البلدان وقتل شيبان الخارجي.