المفطرات المعاصرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن صيام شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، فرضه الله عز وجل على عباده كما في كتابه؛ فقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة : 183].
ولأن الصيام عبادة عظيمة، ومدرسة ربانية يراقب العبد فيها ربه سبحانه؛ وجب تعلم ما حدها الله به من الحدود التي لو تجاوزها العبد وتعداها فسد صومه، وتسمّى بالمفطّرات، وقد أجمع أهل العلم على أربعة منها[1]، هي:
- الأكل. - الشرب. - الجماع. - الحيض والنفاس.
ولأن حاجات الناس لا تنتهي، والمستجدات على مر العصور والأزمان لا تنقطع؛ ظهرت بعض الأمور التي اختلف في حكمها أهل العلم، فمنهم من حكم عليها أنها من المفطّرات، ومنهم من أجازها، واصطلحوا على تسميتها بـ "المفطرات المعاصرة"، هذا ما يسر الله الوقوف عليه منها، مع بيان حكمها، وذكر بعض فتاوى أهل العلم فيها :
1. بخاخ الربو:
لا يفطّر، وقد سُئل الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – هذا السؤال:
س: ما حكم استعمال البخاخ في الفم للصائم نهارًا لمريض الربو ونحوه ؟
ج : حكمه الإباحة إذا اضطر إلى ذلك؛ لقول الله عز وجل: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" ولأنه لا يشبه الأكل والشرب فأشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية.[2]
2. حفر السن، أوحشوه، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو معجون الأسنان:
لا يفطّر، قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله تعالى-: "قلع الضرس لا يفطر ولو خرج الدم؛ لأن قالع ضرسه لا يقصد بذلك إخراج الدم، وإنما جاء خروج الدم تبعاً، وكذلك لو حك الإنسان جلده، أو بط الجرح حتى خرجت منه المادة العفنة فكل ذلك لا يضر"[3].
وقال الشيخ ابن باز –رحمه الله تعالى-: " تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه".[4]
3. معطر الفم:
لا يفطّر، وهو مكروه، والكلام فيه كالكلام في بخاخ الربو، وقد سُئل الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله تعالى- هذا السؤال:
س: يوجد في الصيدليات معطر خاص بالفم، وهو عبارة عن بخاخ؛ فهل يجوز استعماله خلال نهار رمضان لإزالة الرائحة من الفم ؟
ج: يكفي عن استعمال البخاخ للفم في حالة الصيام استعمال السواك الذي حث عليه صلى الله عليه وسلم، وإذا استعمل البخاخ ولم يصل شيء إلى حلقه؛ فلا بأس به، مع أن رائحة فم الصائم الناتجة عن الصيام ينبغي أن لا تكره؛ لأنها أثر طاعة ومحبوبة لله عز وجل، وفي الحديث: "لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" رواه البخاري[5]
4. دواء الغرغرة.
لا يفطّر، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يبطل الصوم باستعمال دواء الغرغرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يبطل الصوم إذا لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة ولا تفطر به إذا لم يدخل جوفك شيء منه.[6]
5. الأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج الأزمات القلبية:
لا تفطّر، لأنها تمتص مباشرة بعد وضعها بوقت قصير، ويحملها الدم إلى القلب، ولا يدخل منها إلى الجوف شيء، وهي أيضاً ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما.
6. الدهونات والمراهم والكريمات والعلاجات الجلدية:
لا تفطّر، بل حكى بعض المعاصرين الإجماع على أنها لا تفطر،، وهو من قرارات المجمع الفقهي[7]، وقد سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى- هذا السؤال:
س: ما حكم استعمال الكحل وبعض أدوات التجميل للنساء خلال نهار رمضان؟ وهل تفطر هذه أم لا؟
ج : الكحل لا يفطر النساء ولا الرجال في أصح قولي العلماء مطلقا، ولكن استعماله في الليل أفضل في حق الصائم. وهكذا ما يحصل به تجميل الوجه من الصابون والأدهان وغير ذلك مما يتعلق بظاهر الجلد، ومن ذلك الحناء والمكياج وأشباه ذلك، كل ذلك لا حرج فيه في حق الصائم، مع أنه لا ينبغي استعمال المكياج إذا كان يضر الوجه. والله ولي التوفيق[8].
7. قطرة الأنف:
لا تفطّر، لأن ما يصل إلى المعدة من هذه القطرة قليل جداً فيعفى عنه قياساً على المتبقي من المضمضة، كما أنها ليست أكلاً ولا شرباً لا لغة ولا عرفاً.
8. بخاخ الأنف:
لا يفطّر، والكلام عنه كالكلام عن بخاخ الربو عبر الفم.
9. التخدير الجزئي عن طريق الأنف:
لا يفطّر ما لم يستغرق جميع النهار؛ لأن المادة الغازية التي تدخل الأنف ليست جُرماً، ولا تحمل مواد مغذية فلا تؤثر على الصيام.
10. التخدير الجزئي الصيني:
لا يفطّر ما لم يستغرق جميع النهار، لعدم دخول أي مادة إلى الجوف، وهو عبارة عن إدخال إبر مصمتة جافة إلى مراكز الإحساس لإفراز المورفين الطبيعي من الجسم ليفقد القدرة على الإحساس.
11. التخدير بالحقن الموضعي:
لا يفطّر، كالحقن في اللثة أو في أماكن بعينها لا يؤثر التخدير على غيرها.
12. غاز الأوكسجين:
لا يفطّر، لأنه هواء يعطى لبعض المرضى بدلاً عن الهواء الخارجي.
13. قطرة العين:
لا تفطّر، وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله تعالى هذا السؤال:
هل استنشاق الفيكس يفطر؟
ج: لا يفطر، لأن ليس فيه أجزاء تتصاعد حتى تنزل إلى الجوف، لكن فيه رائحة قوية لا تضر. قطرة العين كذلك لا تفطر، استنشقاق البخور يفطر إذا وصل إلى الجوف، أما إذا لم يصل إلى الجوف، فإنه لا يفطر، لكن لا شك أن البُعد عنه أولى، لأن الإنسان لا يأمن أن يصل إلى جوفه، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً».[9]
14. قطرة الأذن:
لا تفطّر، وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله تعالى- هذا السؤال:
س: هل التقطير في الأذن يفطر؟
ج: لا، لأنه ليس من المفطرات.[10]
15. غسول الأذن:.
لا يفطّر إلا إذا خُرقت طبلة الأذن، ودخل السائل إلى الجوف.
16. منظار المعدة:
لا يفطّر ما لم يتم دهنه بمواد مغذية، قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله تعالى-: " لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار، دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار فإنه يكون بذلك مفطراً، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة".[11]
17. إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها:
لا يفطر، فهو ليس طعاماً ولا شبيهاً به، كما أنه لا يصل على المعدة، وهو قرار المجمع الفقهي في دورته العاشرة.[12]
18. التبرع بالدم:
يفطّر، وقد سُئل الشيخ ابن باز –رحمه الله تعالى- هذا السؤال: ما هو ضابط الدم الخارج من الجسد المفسد للصوم ؟ وكيف يفسد الصوم ؟
ج : الدم المفسد للصوم هو الدم الذي يخرج بالحجامة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أفطر الحاجم والمحجوم ». ويقاس على الحجامة ما كان بمعناها مما يفعله الإنسان باختياره فيخرج منه دم كثير يؤثر على البدن ضعفا، فإنه يفسد الصوم كالحجامة؛ لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الشيئين المتماثلين، كما أنها لا تجمع بين الشيئين المفترقين، أما ما خرج من الإنسان بغير قصد كالرعاف، وكالجرح للبدن من السكين عند تقطيع اللحم، أو وطئه على زجاجة، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يفسد الصوم ولو خرج منه دم كثير، كذلك لو خرج دم يسير لا يؤثر كتأثير الحجامة، كالدم الذي يؤخذ للتحليل لا يفسد الصوم أيضا[13].
19. أخذ عينة للتحليل:
لا تفطّر، قال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى-: "الدم الذي يؤخذ للتحليل لا يفسد الصوم"[14].
20. الإبر العلاجية غير المغذية:
لا تفطّر، وقد سُئل الشيخ ابن باز –رحمه الله تعالى- هذا السؤال:
س: ما حكم من حقن حقنة في الوريد والعضل أثناء النهار بشهر رمضان وهو صائم وأكمل صومه، هل فسد صومه ووجب قضاؤه أم لا؟
ج : صومه صحيح ؛ لأن الحقنة في الوريد ليست من جنس الأكل والشرب، وهكذا الحقنة في العضل من باب أولى، لكن لو قضى من باب الاحتياط كان أحسن وتأخيرها إلى الليل إذا دعت الحاجة إليها يكون أولى وأحوط ؛ خروجا من الخلاف في ذلك. وفق الله الجميع[15].
21. إبر التطعيم:
لا تفطّر، وهي كغير المغذية.
22. إبرة مريض السكر:
لا تفطّر، وقد سُئلت اللجنة الدائمة عنها فأجابت: "لا حرج عليك في أخذ الإبرة المذكورة نهاراً للعلاج، ولا قضاء عليك وإن تيسر أخذه ليلا بدون مشقة عليك فهو أولى".[16]
23. الإبر المغذية:
تفطّر، وقد سُئل الشيخ ابن باز –رحمه الله تعالى- عنها، فقال: "الصواب أن الإبر المغذية تفطر الصائم إذا تعمد استعمالها، أما الإبر العادية فلا تفطر الصائم، والله ولي التوفيق".[17]
24. قثطرة الشرايين:
لا تفطّر؛ لأنها ليست أكلاً ولا شرباً، ولا في معناهما، ولا تصل إلى الجوف.
25. الغسيل الكلوي:
يفطّر، وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى- هذا السؤال: ما حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم ، هل يلزمه القضاء أم لا ؟
فأجاب: يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي ، فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطّر آخر[18].
26. الإبر الشرجية:
تفطّر إذا كان فيها ماء أو مواد غذائية تمتصها الأمعاء؛ لتقوّي الجسم بهذه المواد.
27. المنظار الشرجي:
لا يفطّر؛ لعدم وصوله إلى المعدة ولا يحصل للجسم به التقوّي أو التغذي.
28. التحاميل في الدبر:
لا تفطّر؛ لأنها ليست أكلاً ولا شرباً، ولا في معناهما، ولا تصل إلى الجوف.
29. التحاميل التي تستخدمها المرأة عن طريق الفرج كالغسيل المهبلي:
لا يفطّر، لأنه لا يصل إلى المعدة مطلقاً، وليس أكلاً ولا شرباً، ولا في معناهما.
30. المنظار المهبلي:
لا يفطّر، لأنه لا يصل إلى المعدة مطلقاً، وليس أكلاً ولا شرباً، ولا في معناهما.
31. أصبع الفحص الطبي:
لا يفطّر، لأنه لا يصل إلى المعدة مطلقاً، وليس أكلاً ولا شرباً، ولا في معناهما.
32. تركيب اللولب:
لا يفطّر، لأنه لا يصل إلى المعدة مطلقاً، وليس أكلاً ولا شرباً، ولا في معناهما.
33. فحص الرحم بالسونار:
لا يفطّر، لأنه لا يصل إلى المعدة مطلقاً، وليس أكلاً ولا شرباً، ولا في معناهما.
34. ما يدخل الجسم عبر مجرى الذكر من منظار أو محلول أو دواء:
لا يفطّر، لأنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ.
تنبيه:
ذكر في قرار مجمع الفقه الإسلامي: "ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور العلاجات"
وهذا ما يسر الله تعالى جمعه والكلام عليه من المفطرات المعاصرة، وبالله التوفيق.
________________________________________
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)