نزل علينا أناوفرانسواز صمت مفاجئ. شعرت بارتباك أنوثتها. كأنما بدأت أبوابها بالانفتاح أمام ذلكالرجل الذي لم تكن توليه اهتماماً في البدء.
لا أدري من أين جاء مراد بذلكالتحليل الفرويدي, فقد اعتاد أن يقحم الجنس في كل شيء. حتى إنه ذات مرة راح يقنعناأثناء مرافعة سياسية دفاعاً عن الديمقراطية, أن الجزائريين ككل العرب ما استطاعواأن ينجزوا من الانتصارات غير تلك الشعارات المذكرة, فدفعوا من أجل فحولة الاستقلالملايين البشر, بينما استخفوا بالشعارات المؤنثة, استخفافهم بنسائهم. ولذا كان هوسمراد في المطالبة بتذكير كلمات " الديمقراطية" و " الحرية" عساها تجد طريقها إلىالإنجاز العربي.
عندما حاولت معارضة فكرته, متحججاً بانتماء زيان لجيل لا يرىالأمور بهذه الطريقة, قال:
-
الإبداع وليد أحاسيس ودوافع لا شعورية وأنت لن تدريأبداً, مهما اجتهدت, ماذا كان يعني مبدع بلوحة رسمها أو بقصيدة نظمها.
قلت:
-
إن كنت تعرف حياة المبدع, تدرك ما أراد إيصاله إليك. حياته هي المفتاح السريلأعماله.
عندما اشتد بنا النقاش قال متهكماً:
-
بربك, كيف تحارب الذين يمنعونعنك حرية الرأي إن كنت ترفض عدم تطابقي معك في تفسير لوحة؟ " الحقيقة في الفن هيالتي يكون نقيضها حقيقة كذلك".

أكثر من قناعتي برأيه, كنت على قناعة بضرورةإبعاد هذا الرجل عن فرانسواز, حتى لا يفسد علي ما كنت أخطط له منذ شهر, خاصة أنهبعد ذلك عندما جلسنا في المقهى, راح بمزاح لا يخلو من الجدية يوضح لي ما يعتقدهشبهاً بين نوعية الأبواب, وما يقابلها من أجناس النساء. فهو يرى الأوربيات مثلا, كالأبواب الزجاجية للمحلات العصرية التي تنفتح حال اقترابك منها, بينما تشهرالعربيات في وجهك وقارهن كأبواب خشبية سميكة لمجرد إيهامك أنهن منيعات ومحصنات. وثمة من , حتى لا تستسهلهن,يتبعن بطء الأبواب اللولبية الزجاجية للفنادق التي تدوربك دورة كاملة كي تجتاز عتبة كان يمكن أن تجتازها بخطوة! وأخريات يحتمين بباب عصريمصفح, كثير الأقفال والألسنة, ولكنهن يتركن لك المفتاح تحت دواسة الباب.. كما عنغير قصد.
كان الأمر بالنسبة إليه قضية صبر لا أكثر. لكنه كان يكره مهانةالانتظار خلف باب موصد. كان يحتكم إلى حاسة الفراسة ليعرف نوعية المرأة التي أمامه, وإلى خبرة اللصوص في اكتشاف أي نوع من الأبواب عليه أن يتحدى استعصاءه! وكنت علىفرحي بوجوده معي, وحاجتي إلى ما أدخله إلى حياتي من حركة, قررت أن أجعل لقاءاتنامتباعدة, تفادياً لمناوراته الفحولية التي بدأت تحوم حول فرانسواز.

في صباحاليوم التالي, قصدت الرواق بحثاً عن فرانسواز, كما لأتأكد من أنها ما زالت على ذلكالقدر من اشتهائها إياي.
لم أكن يوماً رجلاً للمغامرات العابرة. ولا كان يروق ليالنوم في شراشف المصادفة. ولكن فرانسواز كانت تعنيني لسبب, وأصبحت تعنينيلسببين.
قد أكون تعلقت بها لحطة شرود عاطفي من أجل رجل, هي المعبر الإجباري لأيطريق يوصل إليه. لكنني الآن أريدها بسبب رجل آخر قررت ألا أدعه يأخذها مني. فقطلأنه يمتلك جسارة ليست من طبعي.

***

كان في حوزتي ذرائع جميلة تعفيني من الإحساسبالذنب, إن أنا استسلمت لعروضها المواربة.
في الواقع لم يكن لي مفر من تلكالنوايا الخبيثة لأسئلة بريئة, تطرحها عليك امرأة تضمر لك متعة شاهقة.. أو هكذاتستنتج من كلامها.
فرانسواز فتحت بجملة واحدة بوابة الشهوات الجهنمية, وتركتنيمذهولاً لا أدري كيف أوقف سيل الحمم. أبمقاومتها, أم بالاستسلام لها؟
فأمام أيخيار من الخيارين كان احتمال ندمي قائماً.
لتنجو من أسئلتك, عليك في الجنس أنتتغابى أحياناً, حتى لا تتنبه إلى كونك تذهب نحو المتعة, لأنك تحتاج إلى خيبة صغيرةتلهيك عن خيبات أكبر.
ولذا أنت تحتاج إلى أكاذيب الجسد, إلى غبائه وفسقهوتناسيه, كي تقصد النزوات المسروقة من دون شعور بالذنب.
أنت في حاجة إلى الإذعانللمتعة التي تهيئك للألم, وللألم اللذيذ المخدر الذي يهيئك للموت, مستندا إلى قولعنيف للمركيز دي ساد " لا طريق لمعرفة الموت أفضل من ربطه بمخيلة فاسقة".
وأنتستحتاج حتما إلى تلك المخيلة, لتوقظ صخب حواس ذكورية تعودت الاستكانة قهراً. تحتاجأن تضرم النار في رغبات مؤجلة دوماً. أنت المسكون بنزوات الذين يذهبون كل