أوحدي كنتأنتظرها تائهاً بين تلك اللوحات؟ خطر لي أننا كنا ننتظرها معاً.. أنا ولوحاته. أناوهو. وهذه أيضاً مصادفة عجيبة أخرى.
كأنما الحياة تفكك نسيج قصته وتعيد نسجهامنن جديد باستبداله بي في كل موقف. هكذا حدثت الأشياء في تلك الرواية التي أحفظهاعن ظهر قلب.. عن ظهر مقلب!
هكذا كان ينتظرها هو نفسه في بداية "ذاكرة الجسد", عساها تأتي وتزور معرضه ثانية بمفردها.
بالترقب نفسه, بنفس الإصرار واليأسوالأمل, كان يروح ويجيء داخل هذه القاعة التي قدّم فيها أول معرض له, والتي تشهداليوم معرضه الأخير. كان حسب قوله رجلاً "وفياً للأمكنة.. في أزمنةالخيانة".
منذ ذلك الحين, كم مر على هذا المعرض من لوحات قبل أن تعود " حنين" لتأخذ مكانها على جدار, كما لو أ، الزمن بالنسبة لها ظل معلقاً كما الجسر المرسومعليها.
سعادتي هذا الصباح تعود أيضاً لأنني اشتريتها بعد أن عقدت تلك الصفقةالمجنونة مع زيان.أدرك دون أن أشرح له أكثر, أنه لا يملك سواي وريثاً لها.
هي ليإذن.. وأنا في هذه القاعة ملك متوج بها, أختبر فرحة أ، أفلس, مقابل قطعة قماشمصلوبة على جدار أسميتها قسنطينة!
كان الوقت يمر رتيباً.
مرت ثلاث ساعاتعلى وجودي في القاعة. قررت أن أقصد المقهى على الرصيف المقابل لأحتسيقهوة.
اخترت طاولة بمحاذاة واجهة زجاجية. حتى ألمحها في حالة قدومها. لكنني بعدبعض الوقت فوجئت بمراد يدخل الرواق.
حمدت الله لأنني ما كنت هناك. فربما ظل معيطوال الوقت وأفسد علي لقائي بها لو جاءت.
عجبت لمروره, فما كان من تقاليده زيارةالمعارض أكثر من مرة, ولا كان مهتماً بلوحات زيان.. أو بصاحبها.
ولو أطال البقاءلاعتقدت أنه غير عادته. لكنه بدا كما لو أنه جاء لسبب آخر, أو لملاقاة شخص ما. ربماما كان سوى فرانسواز.
اقتنعت بذلك وأنا أراها تودعه عند الباب بحميمية, وهو يطبعقبلة على خدها, بينما ذراعه تخاصرها بمودة تتجاوز البراءة.
هي حتماً حسبتنيغادرت الرواق إلى البيت. وهو ما توقع أن أكون هنا قبالة خيانته.
عبرتني سحابةكآبة, وأدركت سر سؤاله الدائم لي, متى أنوي العودة إلى الجزائر, بذريعة أنه يريدإرسال شيء معي بعدما تأكد أنني لا أملك سوى تأشيرة سياحية, وأنني أقيم في بيتها. أما هو فلم يكن يريد الإقامة عندها..بقدر ما كان يرى بن فخذيها أوراق إقامته فيفرنسا وربما.. مشروع جواز سفر " أحمر"!
بلعت كوب الماء على عجل.. ذلك الذيأحضره لي النادل مجاناً مع القهوة.. كما ليساعدني على ابتلاع غصة.
غادرت المقهىبعد ذلك بدون أن أعود إلى الرواق كما كنت أنوي.
قصدت المترو عائداً إلى البيت. انشقت السماء فجأة بسيول من الأمطار كأنها تبكي نيابة عني. كنت دون مظلة.. أمشيمتقدماً في وحل الأحاسيس الإنسانية.
عندما عادت فرانسواز في المساء, قالت بتذمروهي تخلع معطفها:
- أتمنى ألا أجد هذا الطقس في انتظاري في ( نيس) .. يا إلهي كمكرهت المطر!
سألتها:
- متى تنوين السفر؟
- صباح الجمعة.. سأقضي هناك نهايةالأسبوع وأعود الإثنين صباحاً.
لم أقل شيئاً. مددتها فقط بصورة والدتها كماأعددت بروازها الزجاجي دون إطار.
قبلتني على خدي موشوشة:
قلت أنا أعابث شعرهاالأحمر:- Oh merci.. elle est mieux ainsi.!
- تدرين.. في الماضي كان حزني يعود لعجزي على جعل الرائحة ترى علىالصورة. الآن لم أعد أحزن مذ طوّرت آلة تصويري.
قالت مصدقة:
- حقاً! كيف؟
أجبت متهكماً:
- الآن مثلاً.. بإمكانك ألا تتكلمي. ما أطبقت شفتيك عنهسألتقطه بعدسة في داخلي.
لم أتوقع منها أن تفهم, ولذا لم أعجب وهي تجيبني:
- أتكون اخترعت الصورة الفاضحة؟
- لا .. اخترعت فاجعة الصورة!
اشتقت فجأةإلى خالد. وحده كان سيفهم جملة على هذا القدر من وجع السخرية. فهو من اخترع قبلي " فاجعة اللوحة".. وهو من سبقني إلى تقاسم هذا البيت مع امرأة.. لا تتفجع سوى أمامالنشرة الجوية!
سألتها بعد ذلك, إن كانت تفضل أن أقيم في مكان آخر أثناءغيابها.
قالت محتجة:
- أبداً.. كيف فكرت في شيء كهذا!
- في جميع الحالات.. سأعود بعد أسبوعين أو ثلاثة إلى الجزائر. وسأغادر الشقة حتماً قبل خروج زيان منالمستشفى. لا أريد أن يعلم بإقامتي هنا.
أضفت:
- وبالمناسبة..أنوي شراء هاتفخلوي يمكنك أن تطلبينني عليه لأنني لا أرد على الهاتف كما تعلمين, خشية أن يكونزيان على الخط, فهو يعرف صوتي.
- فكرة جيدة.. في جميع الحالات, من يتصلون بيأثناء غيابي بإمكانهم أن يتركوا لي رسالة صوتية على الهاتف.
بعد ذلك, عندماتقاسمنا السرير نفسه للنوم, وجدتني عاجزاً عن ضمها بدون مشقة, أو تقبيل شفتيهاالرفيعتين بدو استجداء بلاهة الحواس.
كان عزائي أن كل مساء: ملايين البيوت ينزلعليها الليل كما ينزل علينا, بذلك القدر من نفاق المعاشرة, وأن ملايين الناس غيريلا يدري كيف يهربون من وشاية الليل الفاضحة لاغترابهم الجسدي عن أقرب الناسإليهم.
تذكرت زوجتي التي إستطاعت أن تسرق مني طفلاً بفضل ذرائع فراشالزوجية.
ففي حوادث السرير, يحدث أن تصطدم بشخص ينام جوارك أو أن تلامس شيئاًمنه وجد في متناول جسدك.
أثناء تسكعك في أزقة الأقدر, قد تتعثر بحب امرأةمرتكباً حادثاً عاطفياً للسير, ولكن امرأة أخرى هي التي تحبل منك إثر حادثسرير!
دوماً كان لي سوء ظن بالفرح, ارتياب من البهجة المضللة للعيد. فليس العيدسوى الاستعداد له, تماماً كعيد انتظاري إياها.
عندما غادرت البيت ظهراً متجهاًإلى الرواق. كانت المدينة مزدانة كما لتستخف بي.
أسريعاً جاءت نهاية السنة؟ أمهم التجار دوماً على عجل كي يبيعوك عيداً ليس عيدك. فنحن نصنع أعيادنا الحقيقية فيغفلة من كل الأعياد.
أليست هي من كانت تقول إننا نحتاج إلى مدينة ثالثة ليستقسنطينة ولا الجزائر, لا تكون مدينتي, ولا مدينتها. مدينة خارج خارطة الخوفالعربية, نلتقي فيها دون ذعر؟
هي ذي باريس, وحب ينتمي للشتاء, لبائع الكستناءالمشوية, لليل ينزل على عجل, لمطر
█║S│█│Y║▌║R│║█
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)