وسارهذا البيت في آفاق البلاد، فلم يزل ينشد ويخفُّ عني العذاب حتى أطلقت من القيود والأصفاد، ثم كرِّر إلى أن شملتني الرحمة ببركة ذلك البيت، وإنَّ ربّنا لغفور رحيم. فإذا سمع الشَّيخ، ثبّت الله وطأته، ما قال ذانك الرّجلان، طمع في سلامة كثير من أصناف الشعراء. فيقول لعبيدٍ: ألك علم بعديِّ بن زيدٍ العباديّ؟ فيقول: هذا منزله قريباً منك. فيقف عليه فيقول: كيف كانت سلامتك على الصَّراط ومخلصك من بعد الإفراط؟ فيقول: إنِّي كنت على دين المسيح ومن كان من أتباع الأنبياء قبل أن يبعث محمد فلا بأس عليه، وإنّما التّبعة على من سجد للأصنام، وعدّ في الجهلة من الأنام. فيقول الشيخ: يا أبا سوادة، ألا تنشدني الصاديَّة، فإنها بديعة من أشعار العرب؟ فينبعث منشداً:


بلغ خليلي عبد هند فلا
زلت قريباً من سواد الخصوص موازي القرّة، أو دونها،
غير بعيدٍ من غمير الُّلصوص تجنى لك الكمأة ربعَّية،
بالخبِّ تندى في أصُّول القصيص تقنصك الخيل، وتصطادك ال
طّير، ولا تنكع لهو القنيص تأكل ما شئت، وتعتلُّها
حمراء ملحص كلون الفصوص غيبت عنّي عبد في ساعة ال
شَّر وجنِّبت أوان العويص لا تنسين ذكري على لذّة ال
الكأس وطوفٍ بالخذوف النَّحوص إنَّك ذو عهد وذو مصدقٍ
مخالفاً هدي الكذوب اللَّموص يا عبد هل تذكرني ساعةً
في موكب، أو رائداً للقنيص يوماً مع الرّكب، إذا أوفضوا
نرفع فيهم من نجاء القلوص قد يدرك المبطيء من حظّه،
والخير قد يسبق جهد الحريص فلا يزل صدرك في ريبةٍ،
يذكر مني تلفي أو خلوص يا نفس أبقي، واتَّقي شتم ذي ال
أعراض، إنَّ الحلم ما إن ينوص يا ليت شعري وإن ذو عجةٍ
متى أرى شرباً حوالي أصيص بيت جلوفٍ، باردٍ ظلُّه،
فيه ظباء، ودواخيل خوص والرَّبرب، المكفوف أردانه
يمشي رويداً، كتوقيِّ الرَّهيص ينفخ من أردانه المسك، وال
عنبر، والغلوى، ولبني قفوص والمشرف المشمول نسقي به،
أخضر، مطموثاً بماء الخريص ذلك خير من فيوجٍ على ال
باب، وقيدين، وغلّ قروص أو مرتقى نيقٍ على نقنقٍ،
أدبر، عودٍ ذي إكافٍ قموص لا يثمن البيع، ولا يحمل ال
رَّدف، ولا يعطى به قلب خوص أو من نسورٍ حول موتى معاً،
يأكلن لحماً من طريّ الفريص فيقول الشيخ: أحسنت والله أحسنت، لو كنت الماء الراكد لما أسنت. وقد عمل أديب من أدباء الإسلام قصيدة على هذا الوزن، وهو المعروف بأبي بكر بن دريدٍ، قال:


يسعد ذو الجدِّ ويشقي الحريص،
ليس لخلقٍ عن قضاء محيص ويقول فيها:


أين ملوك الأرض من حميرٍ
أكرم من نصَّت إليهم فلوص جيفر الوهَّاب أودى به،
دهر على هدم المعالي حريص إلاّ أنَّك يا أبا سوادة أحرزت فضيلة السَّبق. وما كنت أختار لك أن تقول:


يا ليت شعري وان ذو عجَّةٍ
...................... لأنّك لا تخلو من أحد أمرين: إمَّا أن تكون قد وصلت همزة القطع وذلك رديء، على أنّهم قد أنشدوا:


أن لن أقاتل، فألبسوني برقعاً،
وفتخاتٍ في اليدين أربعا يزيد ما فعلت من إسقاط الهمزة بعداً أنّك حذفت الألف التي بعد النون، فإذا حذفت الهمزة من أوّل الكلمة بقيت على حرفٍ واحدٍ، وذلك بها إخلال. وإمّا أن تكون حقَّقت الهمزة فجعلتها بين بين، ثم اجترأت على تصييرها ألفاً خالصةٍ، وحسك بهذا نقضاً للعادة، ومثل ذلك قول القائل:


يقولون: مهلاً ليس للشيخ عيَّلٌ
فها أنا قد أعيلت وان رقوب ولو قلت:


يا ليت شعري أنا ذو عجَّةٍ
...................... فحذفت الواو، لكان عندي أحسن وأشبه. فيقول عديُّ ابن زيد: إنّما قلت كما سمعت أهل زمني يقولون، وحدثت لكم في الإسلام أشياء ليس لنا بها علم، فيقول الشيخ: لا أراك تفهم ما أريده من الأغراض، ولقد هممت أن أسألك عن بيتك الذي استشهد به سيبويه، وهو قولك:


أرواح مودع أم بكور،
أنت، فانظر لأيِّ حالٍ تصير [1] فإنه يزعم أنَّ أنت يجوز أن يرتفع بفعلٍ مضمرٍ يفسره قولك: فانظر، وأنا استبعد هذا المذهب ولا أظنُّك أردته. فيقول عديّ بن زيدٍ: عني من هذه الأباطيل، ولكني كنت في الدار الفانية صاحب قنص، ولعلَّه قد بلغك قولي:


ولقد أغدوا بطرفٍ زانه
وجه منزوفٍ وخدِّ كالمسن ذي تليلٍ، مشنقٍ قائده،
يسر في الكفِّ، نهدٍ، ذي غسن مدمجٍ كالقدح، لا عيب به،
فيرى فيه، ولا صدع أبن رمَّه الباري، فسوّى درأه
غمز كفيّه، وتخليق السَّفن أيُّ ثغرٍ ما يخف يندب له،
ومتى يخل من القود يصن كربيب البيت يفري جلّه،
طاعة العضِّ، وتسحير اللَّبن فبلغنا صنعه حتى شتا،
ناعم البال لجوجاً في السنن فإذا جال حمار موحش،
ونعام نافر بعد عنن شاءنا ذو ميعةٍ يبطرنا
خمر الأرض وتقديم الجنن يدأب الشدَّ بسحٍّ مرسلٍ
كاحتفال الغيث بالمرِّ اليفن أنسل الذِّرعان غرب خذم
وعلا الرَّبرب أزم لم يدن فالذي يمسكه بحمده يحمده،
تثق كالسيِّد، ممتدُّ الرَّسن وإذا نحن لدينا أربع
يهتدي السائل عنّا بالدَّخن وقولي في القافية:


ومجودٍ قد أسجهرَّ تناوي
كلون العهون في الأعلاق عن خريف سقاه نوء من الدَّل
و تدلَّى، ولم توار العراقي لم يعبه إلا الأداحيُّ فقد وب
ر بعض الرِّئال في الأفلاق وإران الثِّيران حول نعاجٍ
مطفلاتٍ، يحمين بالأوراق وتراهن كالأعزَّة في المح
فل، أو حين نعمةٍ وارتفاق قد تبطَّنته بكفّيَّ خرَّا
ج من الخيل، فاضل في السَّباق يسر في القياد نهد، ذقيف ال
عدو، عبل الشّوى أمين العراق لم يقيَّل حرَّ المقيظ، ولم يل
جم لطوفٍ، ولا فساد نزاق غير تيسيره لرغباء إن كا
نت، وحربٍ إن قلَّصت عن ساق وله النَّعجة المريُّ تجاه ال
رَّكب، عدلاً بالنَّابىء المخراق والخدبُّ العاري الزَّوائد ملحفا
ن، داني الدِّماغ للآماق