فيقول: لله درُّك يا أبا هدرش؟ لقد كنت تمارس أوابد ومندياتٍ، فكيف ألسنتكم؟ أيكون فيكم عربٌ لا يفهمون عن الروم، ورومٌ لا يفهمون عن العرب، كما نجد في أجيال الإنس؟ فيقول: هيهات أيّها المرحوم؟ إنَّا أهل ذكاءٌ وفطنٍ، ولابدَّ لأحدنا أن يكون عارفاً بجميع الألسن الإنسيَّة، ولنا بعد ذلك لسانٌ لا يعرفه الأنيس. وانا الذي أنذرت الجنَّ بالكتاب المنزل: أدلجت في رفقةٍ من الخابل نريد اليمن، مررنا بيثرب في زمان المعو أي الرُّطب فسمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرُّشد فآمنَّا به ولن نشرك بربنا أحداً: وعدت إلى قومي فذكرت لهم ذلك، فتسرعت منهم طوائف إلى الإيمان، وحثَّهم على ما فعلوه أنّهم رجموا عن استراق السَّمع بكواكب محرقاتٍ. فيقول: يا أبا هدرش، أخبرني، وأنت الخبير، هل كان رجم النُّجوم في الجاهليَّة؟ فإنَّ بعض النَّاس يقول إنَّه حدث في الإسلام. فيقول: هيهات؟ أما سمعت قول الأوديِّ:


كشهاب القذف يرميكم به
فارسٌ، في كفِّه للحرب نار وقول ابن حجرٍ:


فانصاع كالدُّرِّيِّ يتبعه
نقعٌ يثور، تخاله طنبا ولكنَّ الرَجم زاد في أوان المبعث، وإنَّ التِّخرُّص لكثيرٌ في الإنس والجنِّ، وإنَّ الصِّدق لمعوزٌ قليلٌ، وهنيئاً في العاقبة للصَّادقين،وفي قصِة الرَّجم أقول:


مكَّة أقوت من بني الدَّردبيس
فما لجنِّيِّ بها من حسيس وكسِّرت أصنامها عنوةً
فكلُّ جبتٍ بنصيلٍ رديس وقام في الصَّفوة من هاشمٍ
أزهر لا يغفل حقَّ الجليس يسمع ما أنزل من ربّه ال
قدُّوس وحياً مثل قرع الطَّسيس يجلد في الخمر، ويشتدُّ في ال
أمر، ولا يطلق شرب الكسيس ويرجم الزَّاني ذا العرس لا
يقبل فيه سؤلةً من رئيس وكم عروسٍ بات حرَّاسها
كجرهمٍ في عزَّها أو جديس زفَّت إلى زوجٍ لهاء سيّدٍ
ما هو بالنِّكس ولا بالضّبيس غرت عليها، فتخلَّجتها
بواشك الصَّرعة قبل المسيس وأسلك الغادة محجوبةً
في الخدر، أو بين جوارٍ تميس لا أنتهي عن غرضي بالرُّقى
إذا انتهى الضَّيغم دون الفريس وأدلج الظَّلماء في فتيةٍ
ملجنِّ فوق الماحل العربسيس في طاسمٍ تعزف جنَّانه
أقفز إلاَّ من عفاريت ليس بيضٍ، بها ليل، ثقالٍ، يعا
ليل، كرامٍ، ينطقون الهسيس تحملنا في الجنح خيلٌ لها
أجنحةٌ، ليست كخيل الأنيس وأينقٌ تسبق أبصاركم
مخلوقةٌ بين نعامٍ وعيس تقطع من علوة في ليلها
إلى قرى شاسٍ بسيرٍ هميس لا نسك في أيَّامنا عندنا
بل نكس الدَّين فما إن نكيس فالأحد الأعظم، والسَّبت كال
إثنين، والجمعة مثل الخميس لا مجسٌ نحن، ولا هوَّدٌ
ولا نصارى يبتغون الكنيس نمزِّق التَّوراة من هونها
ونحطم الصُّلبان حطم اليبيس نحارب الله جنوداً لإب
ليس أخي الرأي الغبين النَّجيس نسلِّم الحكم إليه إذا
قاس، فنرضى بالضَّلال المقيس نزين للشارخ والشيخ أن
يفرغ كيساً في الخنا بعد كي ونفتري جنَّ سليمان كي
نطلق منها كلَّ غاوٍ حبيس صيَّر في قارورةٍ رصِّصت
فلم تغادر منه غير النَّسيس ونخرج الحسناء مطرودةً
من بيتها عن سوء ظنٍّ حديس نقول: لا تقنع بتطليقةٍ
وأقبل نصيحاً لم يكن بالدَّسيس حتى إذا صارت إلى غيره
عاد من الوجد بجدٍّ تعيس نذكره منها، وقد زوِّجت
ثغراً كدرٍّ في مدامٍ غريس ونخدع القسيِّيس في فصحه
من بعد ما ملِّىء بالأنقليس أصبح مشتاق إلى لذّةٍ
معلَّلاً بالصِّرف أو بالخفيس أقسم لا يشرب إلاّ دوي
ن السُّكر، والبازل تالي السَّديس قلنا له: أزدد قدحاً واحداً
ما أنت أن تزداده بالوكيس يحميك في هذا الشَّفيف الذي
يطفىء بالقرِّ التهاب الحميس فعبّ فيها، فوهى لبُّه
وعُدَّ من آل اللَّعين الرّجيس حتَّى يفيض الفم منه على
نمرقتيه بالشَّراب القليس ونسخط الملك على المشفق ال
مفرط في النَّصح إذا الملك سيس وأعجل السِّعلاة عن قوتهأ
في يدها كشح مهاةٍ نهيس لا أتَّقي البرَّ لأهواله
وأركب البحر أوان القريس نادمت قابيل وشيثاً وها
بيل على العاتقة الخندريس وصاحبي لمك لدى المزهر ال
معملِ لم يعي بزيرٍ جسيس ورهط لقمان وأيساره
عاشرت من بعد الشَّباب اللَّبيس ثمَّت آمنت، ومن يرزق ال
إيمان يظفر بالخطير النّفيس جاهدت في بدرٍ وحاميت في
أحدٍ وفي الخندق رعت الرّئيس وراء جبريل وميكال نخ
لي الهام في الكبّة خلي اللِّسيس حين جيوش النّصر في الجوَّ، وال
طاغوت كالزَّرع تناهى، فديس عليهم في هبوات الوغى
عمائمٌ صفرٌ كلون الوريس صهيل حيزوم إلى الآن في
سمعي أكرم بالحصان الرَّغيس لا يتبع الصَّيد ولا يألف ال
قيد ولا يشكو الوجى والدَّخيس فلم تهبني حرَّةٌ عانسٌ
ولا كعابٌ ذات حسنٍ رسيس وأيقنت زيني منَّي الُّتقى
ولم تخف من سطواتي لميس وقلت للجنِّ: ألا يا اسجدوا
لله، وانقادوا انقياد الخسيس فإنَّ دنياكم لها مدَّةٌ
غادرةٌ بالسَّمح أو بالشَّكيس بلقيس أودت ومضى ملكها
عنها، فما في الأذن من هلبسيس وأسرة المنذر حاروا عن ال
حيرة كلٌّ في ترابٍ رميس إنَا لمسنا بعدكم فاعلموا
برقع، فاهتاجت بشرٍّ بئيس ترمي الشّياطين بنيرانها
حتى ترى مثل الرَّماد الدَّريس فطاوعتني أمَّةٌ منهم
فازت، وأخرى لحقت الرَّكيس وطار في اليرموك بي سابحٌ
والقوم في ضربٍ وطعنٍ خليس حتَّى تجلَّت عنِّي الحرب كال
جمرة في وقدة ذاك الوطيس والجمل الأنكد شاهدته
بئس نتيج النّاقة العنتريس بين بني ضبَّة مستقدماً
والجهل في العالم داءٌ نجيس وزرت صفِّين على شبطةٍ
جرداء، ما سائسها بالأريس مجدِّلاً بالسَّيف أبطالها
وقاذفاً بالصَّخرة المرمريس وسرت قدَّام عليٍّ غدا
ة النَّهر حتى فلّ غرب الخميس صادف منَّي واعظٌ توبةً
فكانت اللَّقوة عند القبيس فيعجبٌ، لا زال في الغبطة والسُّرور، لما سمعه من ذلك الجنيِّ، ويكره الإطالة عنده فيودِّعه. ويحمُّ فإذا هو بأسدٍ يفترس من صيران الجنّة وحسيلها فلا تكفيه هنيدةٌ ولا هندٌ أي مائة ولا مائتان فيقول في نفسه: لقد كان الأسد يفترس الشاة العجفاء، فيقيم عليها الأيَّام لا يطعم سواها شيئاً. فيلهم الله الأسد أن يتكلّم، وقد عرف ما في نفسه، فيقول: يا عبد الله، أليس أحدكم في الجنَّة تقدَّم له الصِّحفة وفيها البهطُّ والطِّريم مع النَّهيدة، فيأكل منها مثل عمر السّموات والأرض، يلتذّ بما أصاب فلا هو مكتفٍ، ولا هي الفانية؟ وكذلك أنا افترس ما شاء الله، فلا تأذى الفريسة بظفرٍ ولا نابٍ، ولكن تجد من اللَّذة كم أجد بلطف ربِّها العزيز. أتدري من أنا أيُّها البزيع؟ أنا أسد القاصرة التي كانت في طريق مصر، فلمَّا سافر عتبة بن أبي لهبٍ يريد تلك الجهة، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " اللهمَّ سلَّط عليه كلباً من كلابك " ، ألهمت أن أتجوَّع له أيَّاماً، وجئت وهو نائمٌ بين الرُّفقة فتخللَّت الجماعة إليه، وأدخلت الجنَّة بما فعّلت.
ويمرُّ بذئبٍ يقتنص ظباءً فيفني السُّربة بعد السُّربة، وكلَّما فرغ من ظبيٍ أو ظبية، عادت بالقدرة إلى الحال المعهودة، فيعلم أنَّ خطبه كخطب الأسد، فيقول: ما خبرك با عبد الله؟ فيقول: أنا الذئب الذي كلَّم الأسلمي على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، كنت أقيم عشر ليالٍ أو أكثر، لا أقدر على العكرشة ولا القواع، وكنت إذا همّمت بعجيّ المعيز، آسد الراعي عليَّ الكلاب، فرجعت إلى الصاحبة مخرَّق الإهاب. فتقول: لقد خطئت في أفكارك، ما خير لك في ابتكارك، وربمّا رميت بالسِّروة فنشبت في الأقراب، فأبيت ليلتي لما بي، حتى تنتزعها السِّلقة وأنا بآخر النَّسيس، فلحقتني بركة محمّد صلى الله عليه وسلم. فيذهب، عرِّفه الله الغبطة في كلّ ِسبيل، فإذا هو ببيتٍ في أقصى الجنة، كأنَّه حفش أمةٍ راعيةٍ، وفيه رجلٌ ليس عليه نور سكّان الجنّة، وعنده شجرةٌ قميئةٌ ثمرها ليس بزاكٍ. فيقول: يا عبد الله، لقد رضيت بحقيرٍ شقنٍ. فيقول: والله ما وصلت إليه إلاَّ بعد هياطٍ ومياطٍ وعرقٍ من شقاءٍ، وشفاعةٍ من قريشٍ وددت أنّها لم تكن: فيقول: من أنت؟ فيقول أنا الحطيئة العبسي فيقول: بم وصلت إلى الشّفاعة؟ فيقول بالصَّدق. فيقول: في أيِّ شيءٍ؟ فيقول: في قولي:


أبت شفتاي اليوم إلا تكلمُّماً
بهجرٍ، فما أدري لمن أنا قائله أرى لي وجهاً شوَّه الله خلقه
فقبِّح من وجهٍ، وقبِّح حامله فيقول: ما بال قولك:


من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والنّاس م يغفر لك به؟ فيقول: سبقني إلى معناه الصّالحون، ونظمته ولم أعمل به، فحرمت الأجر عليه. فيقول: ما شأن الزبرقان ابن بدرٍ؟ فيقول الحطيئة: هو رئيسٌ في الدُّنيا والآخرة، انتفع بهجائي ولم ينتفع غيره بمديحي.