المثال السادس والخمسون: إذا أراد أن يشتري جارية وعرض له آخر يريد شراءها فاستحلف أحدهما صاحبه: أنه إن اشتراها فهي بينه وبينه نصفين فأراد أن يشتريها وتكون له تأول في يمينه: أنه إن اشتراها بنفسه فهي بينه وبينه فإذا وكل من يشتريها له كانت له وحده
فإن استحلفه أنه إن ملكها فهو شريكه فيها بطلت هذه الحيلة فله أن يأمر من يثق به أن يشتريها لنفسه ويؤدي هو عنه الثمن ثم يزوجه إياها فإذا أراد بيعها استبرأها ثم أمر ذلك الرجل أن يبيعها ويرجع ثمنها إليه
المثال السابع والخمسون: إذا كان بينهما عرض من العروض فاشتراه منهما أجنبي بمائة درهم وقبضه ثم إن المشترى أراد أن يصالح أحدهما من جميع الثمن على بعضه على أن يضمن له الدرك من شريكه حتى يخلصه منه أو يرد عليه جميع الثمن الذي وقع العقد عليه
فقال القاضي: لا يجوز ذلك لأن الضمان على شريكه إنما يجب بقبضه المال وذلك لم يوجد فلا يكون مضمونا عليه
فالحيلة للمشتري: أن يكون بريئا وإن أدركه درك من شريكه رجع به على الذي صالحه أن يحط الشريك المصالح عن المشتري نصيبه كله من الثمن ثم يدفع المشتري إليه نصيب صاحبه فصالحه على أنه ضامن لما أدركه من شريكه حتى يخلصه منه أو يرد عليه ما قبضه منه ويبرئه هو من نصيبه لأنه إذا أبرأه من نصيبه لم يبق من الدين إلا نصيب صاحبه فإذا قبضه كان مضمونا عليه لأنه قبض دين الغير بغير أمره
المثال الثامن والخمسون: إذا كان عبد بين شريكين موسرين فأراد كل منهما عتق نصيبه وأن لا يغرم لشريكه شيئا
فالحيلة: أن يوكلا رجلا فيعتقه عنهما ويكون ولاؤه بينهما المثال التاسع والخمسون: إذا سأله عبده أن يزوجه أمته فحلف أن لا يفعل ثم بدا له في تزويجه
فالحيلة: أن يبيع العبد والأمة لمن يثق به ثم يزوجه المشتري فإذا تم العقد أقاله في البيع
ولا بأس بمثل هذه الحيلة فإنها لا تتضمن إبطال حق ولا تحليل محرم وذلك غير ممتنع على أصلنا لأن الصفة وهي عقد النكاح قد وجدت في حال زوال ملكه فلا يتعلق بها حنث ولا يحنث أيضا باستدامة التزويج بعد ملكهما لأن التزويج عبارة عن العقد وقد انقضى وإنما بقي حكمه ولهذا لو حلف لا يتزوج فاستدام التزويج لم يحنث وهذا بخلاف ما إذا حلف على عبده أنه لا يدخل الدار فباعه ودخلها ثم ملكه فإن دخلها حنث لأنه ابتدأ الدخول واليمين باقية ولو دخلها في حال زوال ملكه ثم ملكه وهو داخل فيها حنث لأن الدخول الأول عبارة عن الكون وذلك موجود بعد الملك الثاني فيحنث به كما لو كان موجودا في الملك الأول
وقد قال أحمد في رواية مهنا في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن رهنت كذا وكذا فإذا هي قد رهنته قبل يمينه فقال: أخاف أن يكون حنث
قال القاضي: وهذا محمول على أنه قال إن كنت رهنته وهذا تأويل منه لكلام أحمد: فظاهر كلامه أنه جعل استدامة الرهن بمنزلة ابتدائه كالدخول
المثال الستون: إذا كان له عليه مال فمرض المستحق وأراد أن يبرئه منه وهو يخرج من ثلثه فخاف أن تكتم الورثة ماله ويقولوا: لم يدع إلا الدين الذي على هذا
فالحيلة في خلاصه: أن يخرج المريض من ماله بقدر الدين الذي على غريمه فيملكه إياه ثم يستوفيه منه ويشهد على ذلك وكذلك إذا أراد المريض أن يعتق عبدا وله مال يخرج من ثلثه ويملكه ماله فخاف أن يقول الورثة: لم يخلف الميت شيئا غير هذا العبد وماله
فالحيلة: أن يبيع المريض العبد من رجل يثق به ويقبض الثمن فيهبه للمشتري ثم يعتقه المشتري
فإن كان على الميت دين وله وفاء وفضل يخرج العبد من ثلثه فخاف المريض أن يغيب الورثة ماله ثم يقولوا: أعتق العبد ولا مال له غيره فلا نجيز له ما صنع من ذلك
فالحيلة فيه: أن يبيع العبد من نفسه ويقبض الثمن منه بمحضر من الشهود ثم يهب المريض للعبد ما قبض منه في السر فيأمن حينئذ من اعتراض الورثة فإن لم يكن للعبد مال يشترى به نفسه وهبه مالا في السر وأقبضه إياه فيشتري به العبد نفسه من سيده
فإن لم يرد السيد عتقه وأراد بيعه من بعض ورثته بمال على المريض ليست له به بينة
فالحيلة في ذلك: أن يقبض وارثه ماله عليه في السر ثم يبيعه العبد ويشهد له على ذلك ويقبض الثمن بمحضر من الشهود فيتخلص من اعتراض الورثة
المثال الحادي والستون: إذا أوصى إلى رجل فخاف أن لا يقبل فقال: إن لم يقبل فلان وصيتي فهي لفلان صح ذلك بسنة رسول الله الصحيحة الصريحة التي لا تجوز مخالفتها حيث علق الإمارة بالشرط فتعليق الوصية أولى لأنه يستفيد بالإمارة أكثر مما يستفيد بالوصية
وبعض الفقهاء يبطل ذلك
فالحيلة في ذلك: أن يشهد المريض أنهما جميعا وصياه فإن لم يقبل أحدهما وقبل الآخر فالذي قبل منهما وصي وحده فإن قبلا جميعا فلكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف عن صاحبه لأنه رضي بتصرف كل واحد منهما قاله القاضي
فإن خاف أن يمنع ذلك من لا يرى انفراد أحدهما بالتصرف ويقول: قد شرك بينهما وجعلهما بمنزلة وصي واحد:
فالحيلة في الجواز: أن يقول: أوصيت إليهما على الاجتماع والانفراد
المثال الثاني والستون: إذا تصرف الوصي وباع واشترى وأنفق على اليتيم فللحاكم أن يحاسبه ويسأله عن وجوه ذلك ولا يمنعه من محاسبته كونه أمينا فإن النبي حاسب عماله كما ثبت في صحيح البخاري أنه بعث ابن اللتبية عاملا على الصدقة فلما جاء حاسبه
فإن أراد الوصي أن يتخلص من ذلك فالحيلة له: أن يجعل غيره هو الذي يتولى بيع التركة وقبض الدين والإنفاق ولا يشهد على نفسه بوصول شيء من ذلك إليه فإذا سأله الحاكم قال: لم يصل إلى شيء من التركة ولا تصرفت فيها فإن كانت التركة قد بيعت بأمره وقبض ثمنها بأمره وصرف بأمره فحلفه الحاكم إنه لم يقبض ولم يوكل من قبض وتصرف وأنفق فإن كان محسنا قد وضع التركة موضعها ولم يخن وسعه أن يتأول في يمينه وإن كان ظالما لم ينفعه تأويله
المثال الثالث والستون: يصح وقف الإنسان على نفسه على أصح الروايتين ويجوز اشتراط النظر لنفسه ويجوز أن يستثني الإنفاق منه على نفسه ما عاش أو على أهله وغيرنا ينازعنا في ذلك فإذا خاف من حاكم يبطل الوقف على هذا الوجه فالحيلة له: أن يملكه لولده أو زوجته أو أجنبي يقفه عليه ويشترط له النظر فيه وأن يقدم على غيره من الموقوف عليهم بغلته أو بالإنفاق عليه فيصح حينئذ ولا يبقى للاعتراض عليه سبيل
المثال الرابع والستون: إذا اشترى جارية وقبضها فوجد بها عيبا ولم يكن نقد ثمنها فأراد ردها فصالحه البائع على أن يأخذ الجارية بأقل من الثمن الذي اشتراها به
فقال القاضي: لا يجوز ذلك لأن هذا الصلح في معنى البيع وبيع المبيع من بائعه بأقل من ثمنه لا يجوز لأنه ذريعة إلى الربا وهو كمسألة العينة فإن كان قد حدث بالجارية عيب عند المشتري جاز ذلك لأن مقدارالحط يكون بإزاء العيب الذي حدث عند المشتري فلا يؤدي إلى مسئلة العينة
والحيلة في جواز ذلك في الصورة الأولى على وجه لا يشبه العينة: أن يخرج الجارية من ملكه فيبيعها الرجل بالثمن الذي يأخذها به البائع فيصالح الذي في يده الجارية البائع على أن يقبلها بدون الثمن الذي وقع عليه العقد ويجعل هذا الثمن الذي يأخذ به الجارية قضاء عن مشتري الجارية لأن المشتري الثاني متى صالح البائع على أن يقبل الجارية بدون الثمن الذي اشتريت به فهو عقد جرى بينهما مبتدأ من غير بناء أحد العقدين على الآخر فإذا اشتراها البائع من هذا الثاني حصل ثمنها في ذمته له وله هو على المشتري الأول ثمنها فإذا طالبه البائع بالثمن أحاله على المشتري الأول فيتقاصان
المثال الخامس والستون: الضمان لا تبرأ ذمة المضمون عنه بمجرده حيا كان المضمون عنه أو ميتا
وفيه رواية أخرى: أنه يبرىء ذمة الميت دون الحي وهي مذهب أبي حنيفة