وقد واجهوا رسول الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم بأمثال هذه الكفريات
فقال قائل منهم للنبي إن الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح فشق ذلك على النبي فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب
وتأمل قوله تعالى عقيب ذلك: فاصبر على ما يقولون فإن أعداء الرسول نسبوه إلى ما لا يليق به وقالوا فيه ما هو منزه عنه فأمره الله سبحانه وتعالى أن يصبر على قولهم ويكون له أسوة بربه سبحانه وتعالى حيث قال أعداؤه فيه مالا يليق
وكذلك قال فنحاص لأبي بكر رضي الله عنه: إن الله فقير ونحن أغنياء ولهذا استقرضنا من أموالنا فأنزل الله سبحانه وتعالى: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن اغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق.
وقالوا أيضا يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ويقولون في العشر الأول من الشهر الأول من كل سنة: يا إلهنا وإله آبائنا املك على جميع أهل الأرض ليقول كل ذي نسمة: الله إله إسرائيل قد ملك ومملكته في الكل متسلطة
ويقولون في هذه الصلاة أيضا: وسيكون لله تعالى الملك وفي ذلك اليوم يكون الله تعالى واحدا واسمه واحدا
ويعنون بذلك: أنه لا يظهر الملك لله تعالى إلا إذا صارت الدولة لليهود الذين هم صفوته وأمته فأما ما دامت الدولة لغير اليهود فإنه سبحانه وتعالى خامل الذكر عند الأمم مطعون في ملكه مشكوك في قدرته
فصل

ومن تلاعب الشيطان بهم أنهم يقولون بالقدح في الأنبياء وأذيتهم
وقد أذوا موسى عليه السلام في حياته ونسبوه إلى ما برأه الله تعالى منه ونهى الله سبحانه هذه الأمة عن الاقتداء بهم في ذلك حيث يقول يا أيها الذين ا منوا لا تكونوا كالذين ا ذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالت بنو إسرائيل: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه ا در فذهب موسى يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال: فجمح موسى بأثره يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى وقالوا: والله ما بموسى من بأس فقال الحجر حتى نظر إليه بنو إسرائيل وأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضربا قال أبو هريرة: والله إن بالحجر لندبا ستة أو سبعة من أثر ضرب موسى الحجر وأنزل الله تعالى هذه الا ية يا أيها الذين ا منوا لا تكونوا كالذين ا ذوا موسى فبرأه الله مما قالوا الآية
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد قالت بنو إسرائيل: إن موسى ا در وقالت طائفة: هو أبرص من شدة تستره
وقال ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي كان موسى حييا ستيرا لا يكاد يرى من جلده شيء استحياء منه فا ذاه من ا ذاه من بني إسرائيل وقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما ا فة وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا وذكر الحديث
وقال سفيان بن حسين عن الحكم عن ابن جبير عن ابن عباس عن على بن أبي طالب في قوله تعالى: لا تكونوا كالذين آذوا موسى قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته وكان أشد حبا لنا منك وألين لنا منك وآذوه بذلك فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله تعالى من ذلك فانطلقوا به فدفنوه فلم يطلع على قبره أحد من خلق الله تعالى إلا الرخم فجعله الله تعالى أصم أبكم
وقال الله تعالى: وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم
وتأمل قوله: وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فإنها جملة في موضع الحال أي أتؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم وذلك أبلغ في العناد
وكذلك المسيح قال: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين
فهذا قليل من كثير من أذاهم لأنبيائهم
وأما أذاهم لهم بالقتل والبغي فأشهر من أن يذكر
ولقد بالغوا في أذى النبي بجهدهم بالقول والفعل حتى ردهم الله تعالى خاسئين
ومن قدحهم في الأنبياء: ما نسبوه إلى نص التوراة أنه لما أهلك الله أمة لوط لفسادها ونجى لوطا بابنتيه فقط ظن ابنتاه أن الأرض قد خلت ممن يستبقين منه نسلا فقالت الصغرى للكبرى: إن أبانا شيخ ولم يبق في الأرض إنسان يأتينا كسبيل البشر فهلمي نسقي أبانا خمرا ونضاجعه لنستبقي من أبينا نسلا ففعلتا ذلك بزعمهم
فنسبوا لوطا النبي عليه السلام إلى أنه سكر حتى لم يعرف ابنتيه ثم وطئهما وأحبلهما وهو لا يعرفهما فولدت إحداهما ولدا أسمته مواب يعني أنه من الأب والثانية سمت ولدها بني عمو يعني أنه من قبيلها
وقد أجاب بعضهم عن هذا: بأنه كان قبل نزول التوراة فلم يكن نكاح الأقارب حراما والتوراة تكذبهم
فإن فيها أن إبراهيم الخليل خاف في ذلك العصر أن يقتله المصريون حسدا له على زوجته سارة فأخفى نكاحها وقال: هي أختي علما منه بأنه إذا قال ذلك لم يبق للظنون إليهما سبيل
وهذا أظهر دليل على أن تحريم نكاح الأخت كان ثابتا في ذلك الزمان فما ظنك بنكاح البنت الذي لم يشرع ولا في زمن آدم عليه السلام
وعندهم أيضا في التوراة التي بأيديهم: قصة أعجب من هذه، وهي أن يهوذا بن يعقوب النبي زوج ولده الأكبر من امرأة يقال لها تامار فكان يأتيها مستدبرا فغضب الله تعالى من فعله فأماته فزوجها يهوذا من ولده الآخر فكان إذا دخل بها أنزل على الأرض علما منه بأنه إن أولدها كان أول الأولاد مدعوا باسم أخيه ومنسوبا إلى أخيه فكره الله تعالى ذلك من فعله فأماته أيضا فأمرها يهوذا باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر ولده شبلا ويتم عقله حذرا من أن يصيبه ما أصاب أخويه فأقامت في بيت أبيها ثم ماتت من بعد زوجة يهوذا وصعد إلى منزل [ يقال له تمناث ] ليحرس غنمه فلما أخبرت المرأة تامار بإصعاد حموها إلى المنزل لبست زي الزواني وجلست في مستشرف على طريقه لعلمها بشبقه فلما مر بها خالها زانية فراودها فطالبته بالأجرة فوعدها بجدى ورهن عندها عصاه وخاتمه ودخل بها فعلقت منه فلما أخبر يهوذا أن كنته علقت من الزنا أذن بإحراقها فبعثت إليه بخاتمه وعصاه فقالت: من رب هذين أنا حامل فقال: صدقت ومني ذلك واعتذر بأنه لم يعرفها ولم يستحل معاودتها ولا تسليمها إلى ولده وعلقت من هذا الزنا بفارص قالوا: ومن ولدها داود النبي
ففي ذلك من نسبتهم الزنا والكفر إلى بيت النبوة ما يقارب ما نسبوه إلى لوط عليه السلام
وهذا كله عندهم وفي نص كتابهم وهم يجعلون هذا نسبا لداود وسليمان عليهما السلام ولمسيحهم المنتظر ومن العجب: أنهم يجعلون المسلمين أولاد زنا ويسمونهم ممزيريم واحدهم ممزير وهو اسم لولد الزنا لأن شرعهم أن الزوج إذا راجع زوجته بعد أن نكحت زوجا غيره فأولادهما أولاد زنا وزعموا أن ما جاءت به شريعة الإسلام من ذلك هو من موضوعات عبد الله بن سلام قصد به أن يجعل أولاد المسلمين ممزيريم بزعمهم
قالوا: وكان محمد قد رأى أحلاما تدل على أنه صاحب دولة فسافر إلى الشام في تجارة لخديجة واجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه فعلموا أنه صاحب دولة فأصحبوه عبد الله بن سلام فقرأ عليه علوم التوراة وفقهها مدة ونسبوا الفصاحة والإعجاز اللذين في القرآن إلى عبد الله بن سلام وأن من جملة ما دبره عبد الله بن سلام: أن الزوجة لا تحل للمطلق ثلاثا إلا بعد أن ينكحها رجل آخر ليجعل أولاد المسلمين ممزيريم أولاد زنا
ولا ريب أن مثل هذا البهت يروج على كثير من حميرهم
وقد خلق الله تعالى لكل باطل وبهت حملة كما جعل للحق حملة وليس وراء هذا البهت بهت
وليس بمستنكر من أمة قدحت في معبودها وإلهها ونسبته إلى ما لا يليق بعظمته وجلاله ونسبت أنبياءه إلى ما لا يليق بهم ورمتهم بالعظائم: أن ينسبوا محمدا صلى الله عليه وسلم وبجل وكرم وعظم إلى ذلك وعداوته لهم وملاحمه فيهم وإجلاؤه لهم من ديارهم وأموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم: معلوم غير مجهول
وقد نسبت هذه الأمة الغضبية عيسى ابن مريم إلى أنه ساحر ولد بغية ونسبت أمه إلى الفجور
ونسبت لوطا إلى أنه وطىء ابنتيه وأولدهما وهو سكران من الخمر
ونسبوا سليمان عليه السلام إلى أنه كان ملكا ساحرا وكان أبوه عندهم ملكا مسيحا
ونسبوا يوسف عليه السلام إلى أنه حل تكة سراويله وتكة سراويل سيدته وأنه قعد منها مقعد الرجل من امرأته وأن الحائط انشق له فرأى أباه يعقوب عليه السلام عاضا على أنامله فلم يقم حتى نزل جبريل عليه السلام فقال: يا يوسف تكون من الزناة وأنت معدود عند الله تعالى من الأنبياء فقام حينئذ
ومعلوم أن ترك الفاحشة عن هذا لا مدح فيه فإن أفسق الناس لو رأى هذا لولى هاربا وترك الفاحشة
ومنهم من يزعم أن المسيح كان من العلماء وأنه كان يداوى المرضى بالأدوية ويوهمهم أن الانتفاع إنما حصل لهم بدعائهم وأنه داوى جماعة من المرضى في يوم السبت فأنكرت عليه اليهود ذلك فقال لهم: أخبروني عن الشاة من الغنم إن وقعت في بئر أما تنزلون إليها وتحلون السبت لتخليصها قالوا: بلى قال: فلم أحللتم السبت لتخليص الغنم ولا تحلونه لتخليص الإنسان الذي هو أكبر حرمة من الغنم فأفحموا
ويحكون أيضا عنه: أنه مشى مع قوم من تلاميذه في جبل ولم يحضرهم الطعام فأذن لهم في تناول الحشيش يوم السبت فأنكرت عليه اليهود قطع الحشيش في يوم السبت فقال لهم: أرأيتم لو أن أحدكم كان وحيدا مع قوم على غير ملته وأمروه بقطع النبات وإلقائه لدوابهم لا يقصدون بذلك إبطال السبت ألستم تجيزون له قطع النبات قالوا: بلى قال: فإن هؤلاء القوم أمرتهم بقطع النبات ليأكلوه وليتغذوا به لا لقطع السبت