وفيها فلج أحمد بن أبي داود لست خلون من جمادى الآخرى وفيها قدم يحيى بن هرثمة مكة وهو الي طريق مكة بعلي بن محمد بن علي الرضي بن موسى بن جعفر من المدينة.
وفيها وثب ميخائيل بن توفيل على أمة تذورة فشمسها وأدخلها الدير وقتل اللغثيط لأنه اتهمها به؛ وكان ملكها ست سنين.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ذكر الخبر عن هرب محمد بن البعيث
فمن ذلك ما كان من هرب محمد بن البعيث بن حلبس؛ جئ به أسيرًا من قبل أذربيجان فحبس.
ذكر الخبر عن سبب هربه وما كان آل إليه أمره
ذكر أن السبب في ذلك كان أن المتوكل كان اعتل في هذه السنة؛ وكان مع ابن البعيث رجلٌ يخدمه يسمى خليفة، فأخبره بأن المتوكل قد توفي، وأعد له دواب، فهرب هو وخليفة الذي أخبره الخبر إلى موضعه من أذربيجان، وموضعه منها مرند - وقيل: كانت له قلعتان تدعى إحداهما شاهي والأخرى يكدر - ويكدر خارج البحيرة، وشاهي في وسط البحيرة، والبحيرة قدر خمسين فرسخًا من حد أرمية، إلى رستاق داخرقان بلاد محمد بن الرواد، وشاهي قلعة ابن البعيث حصينة يحيط بها ماء قاتم ثم يركب الناس من أطراف المراغة إلى أرمية وهي بحيرة لا سمك فيها ولا خير.
وذكر أن ابن البعيث كان في حبس إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فتكلم فيه بغا الشرابي، وأخذ منه الكفلاء نحوًا من ثلاثين كفيلًا، منهم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني؛ فكان يتردد بسامرا؛ فهرب إلى مرند، فجمع بمرند الطعام، وفيها عيون ماء؛ فرم ما كان وهي من سورها، وأتاه من أراد الفتنة من كل ناحية؛ من ربيعة وغيرهم؛ فصار في نحو من أفين ومائتي رجل.
وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة، فقصر في طلبه، فولى المتوكل حمدويه بن علي بن الفضل السعدي أذربيجان، ووجهه من سامرا على البريد، فلما صار إليها جمع الجند والشاكرية ومن استجاب له، فصار في عشرة آلاف، فزحف إلى ابن البعيث، فألجأه إلى مدينة مرند - وهي مدينة استدارتها فرسخان وفي داخلها بساتين كثيرة، ومن خارجها كما تدور شجر إلا في موضع أبوابها - وقد جمع فيه ابن البعيث آلة الحصار، وفيها عيون ماء، فلما طالت مدته، وجه المتوكل زيرك التركي في مائتي ألف فارس من الأتراك؛ فلم يصنع شيئًا فوجه إليه المتوكل عمرو بن سيسل بن كال في تسعمائة من الشاكرية، فلم يغن شيئًا، فوجه إليه بغا الشرابي في أربعة آلاف ما بين تركي وشاكري ومغربي، وكان حمدويه بن علي وعمر بن سيسل وزيرك زحفوا إلى مدينة مرند، وقطعوا ما حولها من الشجر، فقطعوا نحوًا من مائة ألف شجرة وغير ذلك من شجر الغياض، ونصبوا عليها عشرين منجنيقًا، وبنوا بحذاء المدينة ما يستكنون فيه؛ ونصب عليهم ابن البعيث من المجانيق مثل ذلك؛ وكان معه من علوج رساتيقه يرمون بالمقاليع، فكان الرجل لا يقدر على الدنو من سور المدينة، فقتل من أولياء السلطان في حربه في ثمانية أشهر نحو من مائة رجل، وجرح نحو من أربعمائة، وقتل وجرح من أصحابه مثل ذلك.
وكان حمدويه وعمرو وزيرك يغادونه القتال ويراوحونه؛ وكان السور من قبل المدينة ذليلًا، ومن القرار نحوًا من عشرين ذراعًا، وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلون بالحبال معهم الرماح فيقاتلون؛ فإذا حمل عليهم من أصحاب السلطان لجئوا إلى الحائط؛ وكانوا ربما فتحوا بابًا يقال له باب الماء؛ فيخرج منه العدة يقاتلون ثم يرجعون.
ولما قرب بغا الشرابي من مرند بعث - فيما ذكر - عيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني، ومعه أمانات لوجوه أصحاب ابن البعيث، ولابن البعيث أن ينزلوا وينزل على حكم أمير المؤمنين؛ وإلا قاتلهم، فإن ظفر بهم لم يستبق منهم أحدًا، ومن نزل فله الأمان؛ وكان عامة من مع ابن البعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ؛ فنزل منهم قوم كثير بالحبال، ونزل ختن ابن البعيث على أخته أبو الأغر.
وذكر عن أبي الأغر هذا أنه قال: ثم فتحوا باب المدينة، فدخل أصحاب حمدويه وزيرك، وخرج ابن البعيث من منزله هاربًا يريد أن يخرج من وجه آخر؛ فلحقه قوم من الجند، معهم منصور قهرمانه؛ وهو راكب دابةً، يريد أن يصير إلى نهر عليه رحًا ليستخفي في الرحا، وفي عنقه السيف، فأخذوه أسيرًا وانتهب الجند منزله ومنازل أصحابه وبعض منازل أهل المدينة، ثم نودي بعدما انتهب الناس: برئت الذمة ممن انتهب وأخذوا له أختين وثلاث بنات وخالته والبواقي سراري؛ فحصل في يد السلطان من حرمه ثلاث عشرة امرأة، وأخذ من وجوه أصحابه المذكورين نحوٌ من مائتي رجل، وهرب الباقون؛ فوافاهم بغا الشرابي من غد، فنادى مناديه بالمنع من النهب، فكتب بغا الشرابي بالفتح لنفسه.
وخرج المتوكل فيها إلى المدائن في جمادى الأولى.
ذكر الخبر عن حج إيتاخ وسببه
وحجّ في هذه السنة إيتاخ، وكان والي مكة والمدينة والموسم، ودعي له على المنابر.
ذكر الخبر عن سبب حجه في هذه السنة
ذكر أن إيتاخ كان غلامًا خزريًا لسلام الأبرش طباخًا، فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة، وكان لإيتاخ رجلة وبأس، فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق؛ حتى ضم إليه من أعمال السلطان أعمالًا كثيرة، وولاه المعتصم معونة سامرا مع إسحاق بن إبراهيم؛ وكان من قبله رجل، ومن قبل إسحاق رجل؛ وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله فعند إيتاخ يقتل، وبيده يحبس؛ منهم محمد بن عبد الملك الزيات، وأولاد المأمون من سندس، وصالح بن عجيف وغيرهم؛ فلما ولى المتوكل كان إيتاخ في مرتبته؛ إليه الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة؛ فخرج المتوكل بعد ما استوت له الخلافة متنزهًا إلى ناحية القاطول، فشرب ليلة، فعربد على إيتاخ، فهم إيتاخ بقتله؛ فلما أصبح المتوكل قيل له، فاعتذر إليه والتزمه، وقال له: أنت أبي وربيتني، فلما صار المتوكل إلى سامرا دسّ إليه من يشير عليه بالاستئذان للحج، ففعل وأذن له، وصيّره أمير كل بلدة يدخلها، وخلع عليه، وركب جميع القواد معه، وخرج معه من الشاكرية والقواد والغلمان سوى غلمانه وحشمه بشر كثير؛ فحين خرج صيّرت الحجابة إلى وصيف، وذلك يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة.
وقد قيل إن هذه القصة من أمر إيتاخ كانت في سة ثلاث وثلاثين ومائتين وإن المتوكل إنما صيّر إلى وصيف الحجابة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة من سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.
وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن عيسى بن موسى.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ذكر الخبر عن مقتل إيتاخ
فمن ذلك مقتل إيتاخ الخزري.
ذكر الخبر عن صفة مقتله
ذكر عن إيتاخ أنه لما اصرف من مكة راجعًا إلى العراق، وجه المتوكل إليه سعيد بن صالح الحاجب مع كسوة وألطاف، وأمره أن يلقاه بالكوفة أو ببعض طريقه؛ وقد تقدم المتوكل إلى عامله على الشرطة ببغداد بأمره فيه.
فذكر عن إبراهيم بن المدبر، أنه قال: خرجت مع إسحاق بن إبراهيم حين قرب إيتاخ من بغداد، وكان يريد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار، ثم يخرج إلى سامرا، فكتب إليه إسحاق بن إبراهيم: إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، قد أمر أن تدخل بغداد، وأن يلقاك بنو هاشم ووجوه الناس، وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم، فتأمر لهم بجوائز. قال: فخرجنا حتى إذا كنا بالياسرية، وقد شحن ابن إبراهيم الجسر بالجند والشاكرية، وخرج في خاصته، وطرح له بالياسرية صفة، فجلس عليها حتى قالوا: قد قرب منك. فركب فاستقبله؛ فلما نظر إليه أهوى إسحاق لينزل، فحلف عليه إيتاخ ألا يفعل.
قال: وكان إيتاخ في ثلثمائة من أصحابه وغلمانه، عليه قباء أبيض، متقلدًا سيفًا بحمائل، فسارا جميعًا؛ حتى إذا صارا عند الجسر تقدمه إسحاق عند الجسر، وعبر حتى وقف على باب خزيمة بن خازم، وقال لإيتاخ: تدخل أصلح الله الأمير! وكان الموكلون بالجسر كلما مر بهم غلام من غلمانه قدموه؛ حتى بقي في خاصة غلمانه، ودخل بين يديه قوم، وقد فرشت له دار خزيمة، وتأخر إسحاق، وأمر ألا يدخل الدار من غلمانه إلا ثلاثة أو أربعة، وأخذت عليه الأبواب، وأمر بحراسته من ناحية الشط، وكسرت كل درجة في قصر خزيمة بن خازم، فحين دخل أغلق الباب خلفه، فنظر فإذا ليس معه إلا ثلاثة غلمان، فقال: قد فعلوها! ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا على أخذه؛ ولو دخل إلى سامرا، فأراد بأصحابه قتل جميع من خالفه أمكنه ذلك. قال: فأتي بطعام قرب الليل، فأكل فمكث يومين أو ثلاثة، ثم ركب إسحاق في حراقة وأعد لإيتاخ أخرى، ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحراقة، وأمر بأخذ سيفه، فحدروه إلى الحراقة، وصيّر معه قوم في السلاح وصاعد إسحاق، حتى صار إلى منزله، وأخرج إيتاخ حين بلغ دار إسحاق، فأدخل ناحية منها، ثم قيد فأثقل بالحديد في عنقه ورجليه، ثم قدّم بابنيه منصور ومظفر، وبكاتبيه سلمان بن وهب وقدامة بن زياد النصراني بغداد. وكان سليمان على أعمال السلطان، وقدامة على ضياع إيتاخ خاصة، فحبسوا ببغداد؛ فأما سليمان وقدامة فضربا، فأسلم قدامة وحبس منصور ومظفر.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)