شغب الجند والعامة ببغداد وولاية سليمان بن عبد الله بن طاهر عليهما

ولثلاث عشرة خلت من شهر رمضان منها فتح السجن ببغداد، ووثبت الشاكرية والنائبة ببغداد من جندهما بمحمد بن أوس البلخي.
ذكر الخبر عن سبب ذلك وما آل الأمر إليه فيه
ذكر أن السبب في ذلك كان أن محمد بن أوس قدم بغداد مع سليمان ابن عبد الله بن طاهر وهو على الجيش القادمين من خراسان مع سليمان والصعاليك الذين تألفهم سليمان بالري، ولم تكن أسماؤهم في ديوان السلطان بالعراق، ولا أمر سليمان فيهم بشئ؛ وكانت السنة فيهم أن يقام لم قدم معه من خراسان بالعراق حسب ما يقام بخراسان لنظرائهم من مال ضياع ورثة ذي اليمينين ويكتب بذلك إلى خراسان ليعارض الورثة هنالك من مال العامة، بدل ما كان دفع من مالهم بالعراق، فلما قدم سليمان بن عبد الله العراق، وجد بيت مال الورثة فارغًا وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر قد تقدم عندما صح عنده من الخبر بتصيير الأمر فيما كان يتولاه إلى أخيه سليمان بن عبد الله، فأخذ ما كام حاصلًا لورثة أبيه وجده في بيت مالهم، واستسلف على ما لم يرتفع، وتعجل من المتقبلين أموال نجوم لم تحل حتى استنظف ذلك أجمع؛ وشخص. فأقام بالجويث في شرقي دجلة، ثم عبر حتى صار في غريبها، فضاقت بسليمان الدنيا، وتحرك الشاكرية والجند في طلب الأرزاق، وكتب سليمان إلى أبي عبد الله المعتز بذلك وقدر أموالهم، وأدخل في المال تقدير القادمين معه؛ ووجه محمد بن عيسى بن عبد الرحمن الكاتب الخراساي كاتبه في ذلك؛ فأجيب بعد مناظرات إلى أن سبب له على عمال السواد مال صودر عليه لطمع من بمدينة السلام وشحن السواد لا يقوم بما يجب للنائبة فضلًا عن القادمين مع النائبة؛ فلم يتهيأ لسلمان الوصول إلى شئ من المال، وقدم ابن أوس والصعاليك وأصحابه، فقصر المال عنه وعمن كان يقدر وصوله إليه من النائبة، فوقفوا على ذلك وعلى السبب المضر بهم فيه. وكان القادمون مع سليمان من الصعاليك وغيرهم لما قدموا بغداد أساءوا المجاورة لأهلها، وجاهروا بالفاحشة وتعرضوا للحرم والعبيد والغلمان، وعادوهم لمكانهم من السلطان؛ حتى امتلئوا عليهم غيظًا وحنقًا. وقد كان سليمان بن عبد الله وحر على الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب بنر زريق، لمكانه كان من عبيد الله بن عبد الله " بن طاهر " ونصرته له وكفايته، وانصرافه عن سليمان وأسبابه. فلما انصرف الحسين ابن إسماعيل إلى بغداد بعقب ما كان يتولاه لعبيد الله من أمر الجند والشاكرية، فحبس كاتبه في المطبق وحاجبه في سجن باب الشأم، ووكل بباب الحسين ابن إسماعيل جندًا من قبل إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم؛ لأن سليمان ولى إبراهيم ما كان الحسين بن إسماعيل يتولاه لعبيد الله من أمر جسري بغداد وطساسيج قطربل ومسكن والأنبار؛ فلما حدث ما حدث من بيعة المهتدي وشغب الجند والشاكرية بمدينة السلام، ووقعت الحرب في تلك الأيام، شد محمد ابن أوس على رجل من المراوزة، كان من الشيعة، فضربه في دار سليمان ثلثمائة سوط ضربًا مبرحًا، وحبسه بباب الشأم؛ وكان هذا الرجل من خاصة الحسين بن إسماعيل؛ فلما حدث هذا الحادث احتيج إلى الحسين بن إسماعيل؛ لفضل جلده وإقدامه فنحى من كان ببابه موكلًا فظهر، فتراجع أصحابه من غير أمر؛ وقد كانوا فرقوا على القواد، وضم منهم جمع كبير إلى محمد بن أبي عون القائد؛ فذكر أن المضمومين إلى ابن أبي عون لما صاروا إلى بابه، فرق فيهم من ماله؛ للراجل عشرة دراهم، وللفارس دينارًا؛ فلما رجعوا إلى الحسين رفع ابن أبي عون بذكر ذلك؛ فلم يخرج في ذلك تعيين ولا أمر؛ فلم يزل الحال على هذا والجند والشاكرية يصيحون في طلب مال البعة وما بقي لهم من مال الطمع المتقدم؛ وقد رد أمرهم في تقسيط مالهم؛ وقبضهم إلى الحسين على ما كان الأمر عليه أيام عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. وكان الحسين لا يزال يلقى إليهم ما عليه محمد بن أوس ومن قدم مع سليمان من القصد لأخذ أموالهم والفوز بها دونهم؛ حتى امتلأت قلوبهم فلما كان يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، اجتمع جماعة من الجند والشاكرية، ومعهم جماعة من العامة حتى صاروا إلى سجن باب الشأم ليلًا، فكسروا بابه، وأطلقوا في تلك الليلة أكثر من كان فيه، ولم يبق فيه من أصحاب الجرائم أحدٌ إلا الضعيف والمريض والمثقل؛ فكان ممن خرج في تلك الليلة نفرٌ من أهل بيت مساور بن عبد الحميد الشاري، وخرج معهم المروزي مضروب محمد بن أوس وجماعة ممن قدم لزم السطان إلى أن صاروا إلى قبضته زهاء خمسين ألفًا، وأصبح الناس في يوم الجمعة وباب الحبس مفتوح؛ فمن قدر أن يمشي مشى، ومن لم يقدر اكترى له ما يركبه؛ وما يمنع من ذلك مانع، ولا يدفع دافع؛ فكان ذلك من أقوى الأمور التي بعثت الخاصة والعامة على دفع الهيبة بينهم وبين سليمان بن عبد الله وسد باب السجن بباب الشأم بآجر وطين؛ ولم يعلم أنه كان لإبراهيم ابن إسحاق في هذه الليلة ولا أحد من أصحابه حركة أصلًا؛ فتحدث الناس أن الذي جنى على سجن باب الشأم بمكان المروزي الذي ضربه ابن أوس فيه حتى يخلص. ثم لم يمض بعد ذلك خمسة أيام، حتى نافر ابن أوس الحسين ابن إسماعيل في أمر مال النائبة أراده محمد بن أوس لأصحابه ومنعه الحسين وتجاريا في ذلك كلامًا غلظ بينهما، فخرج محمد متنكرًا؛ فلما كان الغد من ذلك اليوم غدا محمد بن أوس إلى دار سليمان، وغدا الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال مولى طاهر، وحضر الناس باب سليمان؛ وكان بين من حضر من أصحاب ابن أوس وبين النائبة محادثة، علت فيها الأصوات؛ فتبادر أصحاب ابن أوس والقادمون إلى الجزيرة، وعبر إليهم ابن أوس وولده، وتصايح الناس بالسلاح، وخرج الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال والمظفر ابن سيسل في أصحابهم، وصاح الناس بالعامة: من أراد النهب فليلحق بنا؛ فقيل: إنه عبر الجسرين من العامة في ذلك الوقت مائة ألف إنسان في الزواريق، وتوافى الجند والشاكرية بالسلاح؛ فوافى أوائل الناس الجزيرة؛ فلم يكن إلا قدر اللحظة حتى حمل رجل من أهل سرخس على الكبير من ولد محمد بن أوس، وطعنه، فأراده عن شهري كان تحته؛ ثم أخذته السيوف فانهزم عنه أصحابه، فلم يعمل أحد منهم شيئًا، وسلب الجريح وحمل في زورق، حتى عبر به إلى دار سليمان بن عبد الله بن طاهر، فألقى هناك. له ما يركبه؛ وما يمنع من ذلك مانع، ولا يدفع دافع؛ فكان ذلك من أقوى الأمور التي بعثت الخاصة والعامة على دفع الهيبة بينهم وبين سليمان بن عبد الله وسد باب السجن بباب الشأم بآجر وطين؛ ولم يعلم أنه كان لإبراهيم ابن إسحاق في هذه الليلة ولا أحد من أصحابه حركة أصلًا؛ فتحدث الناس أن الذي جنى على سجن باب الشأم بمكان المروزي الذي ضربه ابن أوس فيه حتى يخلص. ثم لم يمض بعد ذلك خمسة أيام، حتى نافر ابن أوس الحسين ابن إسماعيل في أمر مال النائبة أراده محمد بن أوس لأصحابه ومنعه الحسين وتجاريا في ذلك كلامًا غلظ بينهما، فخرج محمد متنكرًا؛ فلما كان الغد من ذلك اليوم غدا محمد بن أوس إلى دار سليمان، وغدا الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال مولى طاهر، وحضر الناس باب سليمان؛ وكان بين من حضر من أصحاب ابن أوس وبين النائبة محادثة، علت فيها الأصوات؛ فتبادر أصحاب ابن أوس والقادمون إلى الجزيرة، وعبر إليهم ابن أوس وولده، وتصايح الناس بالسلاح، وخرج الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال والمظفر ابن سيسل في أصحابهم، وصاح الناس بالعامة: من أراد النهب فليلحق بنا؛ فقيل: إنه عبر الجسرين من العامة في ذلك الوقت مائة ألف إنسان في الزواريق، وتوافى الجند والشاكرية بالسلاح؛ فوافى أوائل الناس الجزيرة؛ فلم يكن إلا قدر اللحظة حتى حمل رجل من أهل سرخس على الكبير من ولد محمد بن أوس، وطعنه، فأراده عن شهري كان تحته؛ ثم أخذته السيوف فانهزم عنه أصحابه، فلم يعمل أحد منهم شيئًا، وسلب الجريح وحمل في زورق، حتى عبر به إلى دار سليمان بن عبد الله بن طاهر، فألقى هناك.
فذكر بعض من حضر سليمان، أنه لما رآه اغرورقت عيناه من الدمع، ومهد له، وأحضر له الأطباء، ومضى ابن أوس من وجهه إلى منزله؛ وكان ينزل في دار لآل أحمد بن شيرزاد بالدور، ممايلي قصر جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك. وجد أهل بغداد في آثارهم والقواد معهم حتى تلقوهم، فكانت بينهم وقعة بالدور؛ أولها في آخر الساعة الثانية وآخرها في أول الساعة السابعة؛ فلم يزالوا يتراشقون بالنشاب ويتطاعنون بالرماح، ويتخابطون بالسيوف. وأعان ابن أوس جيرانه من أهل سويقة قطوطا وأصحاب الزواريق من ملاحي الدور. واشتدت الحرب، ووجه أهل بغداد يطلبون نفاطين من دار سليمان. فذكروا أن حاجبه دخل، فأعلمه ذلك؛ فأمر بمنعهم منه؛ وقاتل ابن أوس قتالًا شديدًا، فناله جراحٌ من سهام وطعن، فانهزم وأصحابه؛ وقد كان أخرج حرمه من داره؛ فلم يزل أهل بغداد يتبعونهم حتى أخرجوهم من باب الشماسية، ووصل الناس إلى منزل ابن أوس؛ فانتهبوا جميع ما كان فيه؛ فذكر أنه انتهب له بقيمة ألفي درهم؛ والمقلل يقول: ألف ألف وخمسين ألفًا؛ وأنه انتهب له زهاء مائة سراويل مبطن بسمور؛ سوى ما كان مبطنًا بغيره من الوبر مما يشاكل ذلك؛ وانتهب له من الفرش الطبري الخام والمقصور والمدرج والمقطوع ما يكون قيمته ألف ألف درهم؛ وانصرف الناس فجعل الجند يدخلون دار سليمان، وهم يكثرون، ومعهم النهب وهم يصيحون، وما لهم مانع ولا زاجر. وأقام ابن أوس ليلته تلك بالشماسية مع من لحق به من أصحابه. وقد كان أهل بغداد وثبوا بمنازل الصعاليك التي كانوا فيها سكانًا فنهبوها، وتعرضوا لمن كان تخلف منهم، فتلاح القوم هرابًا، ولم يبق منهم في اليوم الثاني ببغداد أحد ظاهرًا.