فلما بلغ القارئ من الكتاب إلى الموضع الذي قال: " ولم يصل إلي إلا قدر خمسة عشر ألف دينار " أشار أبو القاسم إلى القارئ، فسكت ثم قال: وهذا ما قدر، هذا قد كان أمير المؤمنين في أيام إمارته يستحق في أقل من من هذه المدة ما هو أكثر منه بأرزاقه ومعونته، وقد تعلمون ما كان من تقدمه يصرفه في صلات المخنثين والمغنين وأصحاب الملاهي وبناء القصور وغير ذلك، فادعوا الله لأمير المؤمنين. ثم قرأ الكتاب حتى أتى على الكتاب.
فلما فرغ كثر الكلام وقالوا قولًا، فقال لهم أبو القاسم: اكتبوا بذلك كتابًا صدروه على مجاري الكتب إلى الخلفاء، واكتبوه عن القواد وخلفائهم والرفاء بالكرخ والدور بسامرا فكتبوا - بعد أن دعوا الله فيه لأمير المؤمنين: إن الذي يسألون، أن ترد الأمور إلى أمير المؤمنين في الخاص والعام، ولا يعترض عليه معترض، وأن ترد رسومهم إلى ما كانت عليه أيام المستعين بالله؛ وهو أن يكون على كل تسعة منهم عريف، وعلى كل خمسين خليفة، وعلى كل مائة قائد، وأن تسقط النساء والزيادات والمعاون، ولا يدخل مولى في قبالة ولا غيرها، وأن يوضع لهم العطاء في كل شهرين على ما لم يزل، وأن تبطل الإقطاعات، وأن يكون أمير المؤمنين يزيد من شاء ويرفع من شاء. وذكروا أنهم صائرون في أثر كتابهم إلى باب أمير المؤمنين، ومقيمون هناك إلى أن تقضى حوائجهم. وأنه إن بلغهم أن أحدًا اعترض أمير المؤمنين في شئ من الأمور أخذوا رأسه، وإن سقط من رأس أمير المؤمنين شعرة قتلوا به موسى بن بغا وبايكباك ومفلحًا وياجور وبكالبا وغيرهم.
ودعوا الله لأمير المؤمنين ودفعوا الكتاب إلى أبي القاسم، فانصرف به حتى أوصله، وتحرك الموالي بسامرا، واى ضطرب القواد جدًا، وكان المهتدي قعد للمظالم وأدخل الفقهاء والضاة، وأخذوا مجالسهم، وقام القواد في مراتبهم، وسبق دخول أبي القاسم دخول المتظلمين.
فقرأ المهتدي الكتاب قراءة ظاهرة، وخلا بموسى بن بغا، ثم أمر سليمان بن وهب أن يوقع في رقعتهم بإجابتهم إلى ما سألوا، فلما فعل ذلك في فصل من الكتاب أو فصلين، قال أبو القاسم: يا أمير المؤمنين، لا يقنعهم إلا خط أمير المؤمنين وتوقيعه، فأخذ المهتدي كتابهم فضرب على ما كان سليمان وقع في ذلك، ووقع في كل باب بإجابتهم إلى ما سألوا وبأن يفعل ذلك. ثم كتب كتابًا مفردًا بخطه وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أبي القاسم فقال أبو القاسم لموسى وبايكباك ومحمد بن بغا: وجهوا إليهم معي رسلًا يعتذرون إليهم مما بلغهم عنكم. فوجه كل واحد منهم رجلًا. وصار أبو القاسم إليهم وهم في مواضعهم، وقد صاروا زهاء ألف فارس وثلاثة آلاف راجل؛ وذلك في وقت الظهر من يوم الخميس لخمس ليال خلون من صفر من هذه السنة، فأقرأهم من أمير المؤمنين السلام، وقال لهم: إن أمير المؤمنين، قد أجابكم إلى كل ما سألتم، فادعوا الله لأمير المؤمنين. ثم دفع كتابهم إلى كاتبهم، فقرأه عليهم بما فيه من التوقيات؛ ثم قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين؛ فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم؛ أرشدكم الله وحاطكم، وأمتع بكم، وأصلح أموركم وأمور المسلمين بكم؛ وعلى أيديكم. فهمت كتابكم، وقرأته على رؤسائكم، فذكروا مثل الذي ذكرتم، وسألوا مثل الذي سألتم، وقد أجبتكم إلى جميع ما سألتم محبة لصلاحكم وألفتكم واجتماع كلمتكم، وقد أمرت بتقرير أرزاقكم، وأن تصير دارة عليكم، فليست لكم حاجة إلى حركة، فطيبوا نفسًا، والسلام أرشدكم الله وحاطكم وأمتع بكم، وأصلح أموركم وأمور المسلمين بكم، وعلى أيديكم! فلما فرغ القارئ من الكتاب، قال لهم أبو القاسم: وهؤلاء رسل رؤسائكم يعتذرون إليكم من شئ إن كان بلغكم عنهم، وهو يقولون: إنما أنتم إخوة وأنتم منا وإلينا.
وتكلم الرسل بمثل ذلك، فتكلموا أيضًا كلامًا كثيرًا ثم كتبوا كتابًا يعتذرون فيه بمثل العذر الأول إلى أمير المؤمنين، وذكروا فيه خصالًا مما ذكروه في الكتاب الذي قبله، ووصفوا أنه لا يقنعهم إلا أن ينفذ إليهم خمس توقيعات، توقيعًا بحط الزيادات، وتوقيعًا برد الإقطاعات، وتوقيعًا بإخراج الموالي البوابين من الخاصة إلى عداد البرانيين، وتوقيعًا برد الرسوم إلى ما كانت عليه أيام المستعين، وتوقيعًا برد التلاجئ حتى يدفعوها إلى رجل يضمون إليه خمسين رجلًا من أهل الدور، وخمسين رجلًا من أهل سامرا يتنجزون من الدواوين، ثم يصير أمير المؤمنين الجيش إلى أحد إخوته أو غيرهم ممن يرى ليسفر بينه وبينهم بأمورهم، ولا يكون رجلًا من الموالي، وأن يؤمر صالح بن وصيف فيحاسب هو وموسى بن بغا على ما عندهم من الأموال، وأنه لا يرضيهم دون ما سألوا في كتبهم كلها مع تعجيل العطاء، وإدرار أرزاقهم عليهم في كل شهرين، وأنهم قد كتبوا إلى أهل سامرا والمغاربة في موافاتهم، وأنهم صائرون إلى باب أمير المؤمنين لينجز ذلك لهم، ودفعوا الكتاب إلى أبي القاسم أخي أمير المؤمنين، وكتبوا كتابًا آخر إلى موسى بن بغا وبايكباك ومحمد بن بغا ومفلح وياجور وبكالبا وغيرهم من القواد الذين ذكروا أنهم كتبوا إلى أمير المؤمنين بما كتبوا، وأن أمير المؤمنين لا يمنعهم ما سألوا إلا أن يعترضوا عليه، وأنهم إن فعلوا ذلك وخالفوهم لم يوافقهم على شئ، وأن أمير المؤمنين إن شاكته شوكة أو أخذ من رأسه شعرة، أخذوا رءوسهم جميعًا، وأنه ليس يقنعهم إلا أن يظهر صالح بن وصيف حتى يجمع بينه وبين موسى ابن بغا، حتى ينظر أين موضع الأموال؛ فإن صالحًا قد كان وعدهم قبل استتاره أن يعطيهم أرزاق ستة أشهر.
ثم دفعوا هذا الكتاب إلى رسول موسى، ووجهوا مع أبي القاسم عدة نفر منهم؛ ليوصلوا إلى أميرالمؤمنين كتابهم، وليستمعوا كلامه.
فلما رجع أبو القاسم وجه موسى زهاء خمسمائة فارس، فوافقوا على باب الحيربين الجوسق والكرخ، فمال إليهم أبو القاسم ورسل القوم ورسل أنفسهم، فدفع رسول موسى إلى موسى كتاب القوم إليه وإلى أصحابه - وفي الجماعة سليمان بن وهب وولده وأحمد بن محمد بن ثوابة وغيرهم من الكتاب - فلما قرأ الكتاب عليهم أعلمهم أبو القاسم أن معه كتابًا من القوم إلى أمير المؤمنين، ولم يدفعه إليهم. فركبوا جميعًا وانصرفوا إلى المهتدي، فوجدوه في الشمس قاعدًا على لبد، قد صلى المكتوبة؛ وكسر جميع ما كان في القصر من الملاهي وآلاتها وآلات اللعب والهزل، فدخلوا فأوصلوا إليه الكتب، وخلوا مليًا، ثم أمر المهتدي سليمان بن وهب بإنشاء الكتب على ما سألوا في خمس رقاع، فأنفذها المهتدي في درج كتاب منه بخطه، ودفه إلى أخيه، وكتب القواد إليهم جواب كتابهم، ودفعوه إلى صاحب موسى، فصار إليهم أبو القاسم في وقت المغرب، فأقرأهم من المهتدي السلام، وقرأ عليهم كتابه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. وفقنا الله وإياكم لطاعته وما يرضيه، فهمت كتابكم. حاطكم الله، وقد أنفذت إليكم التوقيعات الخمس على ما سألتم، فوكلوا من يتنجزها من الدواوين إن شاء الله، وأما ما سألتم من تصير أمركم إلى أحد إخوتي ليوصل إلى أخباركم، ويؤدي إلى حوائجكم؛ فوالله إني لأحب أن أتفقد ذلك بنفسي، وأن أطلع على كل أمركم وما فيه مصلحتكم، وأنا مختار لكم الرجل الذي سألتم، من إخوتي أو غيرهم إن شاء الله؛ فاكتبوا إلي بحوائجكم وما تعلمون أن فيه صلاحكم؛ فإني صائر من ذلك إلى ما تحبون إن شاء الله، وفقنا الله وإياكم لطاعته وما يرضيه.
وأوصل إليهم رسول موسى كتاب موسى وأصحابه؛ فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أبقاكم الله وحفظكم، وأتم نعمته عليكم، فهمنا كتابكم؛ وإنما أنتم إخواننا وبنو عمنا، ونحن صائرون إلى ما تحبون، وقد أمر أمير المؤمنين أعزه الله في كل ما سألتم بما تحبون وأنفذ التوقيعات به إليكم.
وأما ذكرتم من أمر صالح مولى أمير المؤمنين وتغيرنا له فهو الأخ وابن العم، وما أردنا من ذلك ما تكرهون؛ فإن وعدكم أن يعطيكم أرزاق ستة أشهر فقد رفعنا إلى أمير المؤمنين رقاعًا، نسأله مثل الذي سألتم. وأما ما قلتم من ترك الاعتراض على أمير المؤمنين وتفريض الأمر إليه، فنحن سامعون مطيعون لأمير المؤمنين، والأمور مفوضة إلى الله وهو مولانا ونحن عبيده وما نعترض عليه في شىء من الأمور أصلًا وأما ما ذكرتم أنا نريد بأمير المؤمنين سوءًا، فمن أراد ذلك فجعل الله دائرة السوء عليه، وأخزاه في دنياه وآخرته. أبقاكم الله وحفظكم، وأتم نعمته عليكم! فلما قرأ الكتابات عليهم، قالوا لأبي القاسم: هذا المساء قد أقبل، ننظر في أمرنا الليلة، ونعود بالغداة لنعرفك رأينا، فافترقوا، وانصرف أبو القاسم إلى أمير المؤمنين.
ثم أصبح القوم من غداة يوم الجمعة، فلما كان في آخر الساعة الأولى، ركب موسى بن بغا من دار أمير المؤمنين، وركب الناس معه وهم قدر ألف وخمسمائة رجل؛ حتى خرج من باب الحير الذي يلي القطائع من الجوسق والكرخ، فعسكر هناك، وخرج أبو القاسم أخوالمهتدي، ومعه الكرخي، حتى صار إلى القوم، وهم زهاء خمسمائة فارس وثلاثة آلاف راجل؛ وقد كان أبو القاسم انصرف في الليل ومعه التوقيعات؛ فلما صار بينهم أخرج كتابًا من المهتدي نسخته شبيه بالكتاب الذي في درجة التوقيعات. فلما قرأ الكتاب ضجوا، واختلفت أقاويلهم، وكثر من يلحق بهم من رجالة الموالي من ناحية سامرا في الحير فلم يزل أبو القاسم ينتظر أن ينصرف من عندهم بجواب يحصله يؤديه إلى أميرالمؤمنين، فلم يتهيأ ذلك إلى الساعة الرابعة وانصرفوا، فطائفة يقولون: نريد أن يعز الله أمير المؤمنين، وزيوفر علينا أرزاقنا؛ فإنا قد هلكنا بتأخيرها عنا. وطائفة يقولون: لا نرضى حتى يولى علينا أمير المؤمنين إخوانه، فيكون واحدٌ بالكرخ، وآخر بالدور، وآخر بسامرا، ولا نريد أحدًا من الموالي يكون علينا رأسًا. وطائفة تقول: نريد أن يظهر صالح بن وصيف - وهي الأقل.
فلما طال الكلام بهذا منهم، انصرف أبو القاسم إلى المهتدى بجملة من الخبر، وبدأ بموسى في الموضع الذي هو معسكر فيه؛ فانصرف بانصرافه، فلما صلى المهتدي الجمعة صيّر الجيش إلى محمد بن بغا، وأمره بالمصير إلى القوم مع أخيه أبي القاسم، فركب معه محمد بن بغا في زهاء خمسمائة فارس، ورجع موسى إلى الموضع الذي كان فيه بالغداة، ومضى أبو القاسم ومحمد بن بغا حتى خالطا الجميع به، فقال أبو القاسم لهم: إن أمير المؤمنين يقول: قد أخرجت التوقعات لكم بجميع ما سألتم، ولم يبق لكم مما تحبون شيء إلا وأمير المؤمنين يبلغ في الغاية؛ وهذا أمان لصالح بن وصيف بالظهور. وقرأ عليهم أمانًا لصالح، بأن موسى وبابكباك سألا أمير المؤمنين أعزه ذلك، فأجابهما إليه، وأكده بغاية التأكيد، ثم قال: فعلام: اجتماعكم! فأكثروا الكلام؛ فكان الذي حصله عند انصرافه أن قالوا: نريد أن يكون موسى في مرتبة بغا الكبير، وصالح في مرتبة وصيف أيام بغا، وبايكباك في مرتبته الأولى، ويكون الجيش في يد من هو في يده؛ إلى أن يظهر صالح بن وصيف، فيوضع لهم العطاء، وتنتجز لهم الأرزاق بما في التوقعات، فقال: نعم.
فانصرف القوم، فلما صاروا على قدر خمسمائة ذراع اختلفوا، فقال قوم: قد رضينا، وقال قوم: لم نرض، وانصرف رسل المهتدي إليه: إن القوم قد تفرقوا؛ وهم على أن ينصرفوا، فانصرف موسى عند ذلك، وتفرق الناس إلى مواضعهم من الكرخ والدور وسامرا. فلما كان غداة يوم السبت، ركب ولد وصيف وجماعة من مواليهم وغلمانهم، وتنادى الناس: السلاح! وانتهب دواب العامة الرجالة؛ رجالة أصحاب صالح بن وصيف. ومضوا فعسكروا بسامرا في طرف وادي إسحاق بن إبراهيم، عند مسجد لجين أن ولد المتوكل وركب أبو القاسم عند ذلك يريد دار المهتدي، فمر بهم في طريقه، فتعلقوا به وبمن كان معه من حشمه وغلمانه، فقالوا له: تؤدي إلى أمير المؤمنين عنا رسالة؟ فقال لهم: قولوا، فخلطوا ولم يتحصل من قولهم شيئًا إلا: إنا نريد صالحًا، فمضى حتى أدى إلى أمير المؤمنين ذلك وإلى موسى، وجماعة القواد حضور.
فذكر عمن حضر المجلس أن موسى بن بغا، قال: يطلبون صالحًا مني؛ كأني أنا أخفيته وهو عندي! فإن كان عندهم فينبغي لهم أن يظهروه. وتأكد عندهم الخبر باجتماع القوم، وتجلب الناس إليهم، وتهايجوا من دار أمير المؤمنين؛ فركبوا في السلاح، وأخذوا في الحير حتى اجتمعوا ما بين الدكة وظهر المسجد الجامع؛ فاتصل الخبر بالأتراك ومن كان ضوى إليهم، فانصرفوا ركضًا وعدوًا لا يلوى فارس على راجل، ولا كبير على صغير حتى دخلوا الدروب والأزقة، ولحقوا بمنازلهم، وزحف موسى وأصحابه جميعًا، فلم يبق بسامرا قائد يركب إلى دار أمير المؤمنين إلا ركب معه، ولزموا الحير حتى خرجوا مما يلي الحائطين. ثم خرجوا؛ فأما مفلح وواجن ومن انضم إليهما فسلكوا شارع بغداد حتى بلغوا سوق الغنم، ثم عطفوا إلى شارع أبي أحمد، حتى لحقوا بجيش موسى. وأما موسى وجماعة القواد الذين كانوا معه مثل ياجور وساتكين ويارجوخ وعيسى الكرخي، فإنهم سلكوا على سمت شارع أبي أحمد، حتى صاروا إلى الوادي، وانصرفوا إلى الجوسق؛ فكان تقدير الجيش الذين كانوا مع موسى في هذا اليوم - وهو يوم السبت - أربعة آلاف فارس في السلاح والقسي الموترة والدروع والجواشن والرماح والطبرزينات. وكان أكثر القواد الذين كانوا بالكرخ يطلبون صالحًا مع موسى في هذا الجيش يريدون محاربة من يطلب صالحًا.
وقد ذكر عن بعض من تخير أمرهم؛ أن أكثر من كان راكبًا مع موسى كان هواه مع صالح، ولم يكن للكرخيين والدوريين في هذا اليوم حركة؛ فلما وصل القوم إلى الجوسق كان أول ما ظهر منهم النداء بأن من لم يحضر دار أمير المؤمنين في غداة يوم الأحد من قواد صالح وأهله وغلمانه وأصحابه أسقط اسمه، وخرب منزله، وضرب وقيد وحذر إلى المطبق؛ ومن وجد بعد ثالثة من هذه الطبقة ظاهرًا بعد استتار، فقد حل به مثل ذلك، ومن أخذ دابة لعامي أو تعرض له في طريق؛ فقد حلت به العقوبة الموجعة.
وبات الناس ليلة الأحد لثمان خلون من صفر على ذلك؛ فلما كان غداة يوم الاثنين انتهى إلى المهتدي أن مساورا الشاري صار إلى بلد، فقتل بها وحرق، فنادى في مجلسه بالنفير، وأمر موسى ومفلحًا وبايكباك بالخروج، وأخرج موسى مضاربه؛ فلما كان يوم الأربعاء لإحدى عشرة مضت من صفر بطل أمر موسى ومحمد بن بغا ومفلح في الخروج، وقالوا: لا يبرح أحدٌ منا حتى ينقطع أمرنا وأمر صالح؛ وهم مجمعون على ذلك، يخافون من صالح أن يخلفهم بمكروه.
وذكر عن بعض الموالي أنه قال: رأيت بعض بني وصيف - وهو الذي كان جمع تلك الجموع - يلعب مع موسى وبايكباك بالصوالجة في ميدان بغا الصغير يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر. ثم جد هؤلاء في طلب صالح بن وصيف، فهجم بسببه على جماعة ممن كان متصلًا به قبل ذلك. وممن اتهموه أنه آواه، منهم إبراهيم بن سعدان النحوي وإبراهيم الطالبي وهارون بن عبد الرحمن بن الأزهر الشيعي وأبو الأحوص بن أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة وأبو يكر ختن أبي حرملة الحجام وشارية المغنية والسرخسي صاحب شرطة الخاصة وجماعة غيرهم.
فذكر عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مصعب بن زريق، قال: حدثني صاحب ربع القبة - وهو ربع تلقاء دار صالح بن وصيف - قال: بينا نحن قعود يوم الأحد، إذا غلام قد خرج من زقاق، وأراه مذعورًا، فأنكرناه، فأردنا مسألته عن شأنه؛ ففاتنا؛ فلم يلبث أن أقبل عيار من موالي صالح بن وصيف يعرف بروزبه، ومعه ثلاثة نفر أو أربعة، فدخلوا الزقاق، فأنكرناهم، فلم يلبثوا أن خرجوا صالح بن وصيف، فسألنا عن الخبر، فإذا الغلام قد دخل دارًا في الزقاق يطلب ماءً ليشربه. فسمع الخبر قائلًا يقول بالفارسية: أيها الأمير تنح، فإن غلامًا قد جاء يطلب ماء؛ فسمع الغلام ذلك، وكان بينه وبين هذا العبار معرفة، فجاء فأخبره، فجمع العيار ثلاثة أناسي، وهم عليه فأخرجه.
وذكر عن العيار الذي هجم عليه، أنه قال: قال لي الغلام ما قال، فأقبلت ومعي ثلاثة نفر، فإذا بصالح بن وصيف بيده مرآة ومشط، وهو يسرح لحيته، فلما رآني بادر فدخل بيتًا، فخفت أن يكون قصد لأخذ سيف أو سلاح، فتلومت ثم نظرت إليه؛ فإذا هو لجأ إلى زاوية، فدخلت إليه فاستخرجته فلم يزدني على المتضرع شيئًا. قال: فلما تضرع إلي قلت: ليس إلى تركك سبيل؛ ولكني أمر بك على أبواب إخوتك وأصحابك وقوادك وصنائعك؛ فإن اعترض لي منهم اثنان أطلقتك في أيديهم. قال: فأخرجته فما لقيت إلا من هو عوني على مكروهه.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)