أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ** وقد حيل بين العير والنزوان
وقيل إن محمد بن بغا لم يحدثوا في أمره يوم حبس شيئًا، وطالبوه بالأموال، فدفع إليهم نيفًا وعشرين ألف دينار، ثم قتلوه بعد؛ يعجبوا بطنه، وعصروا حلقه، وألقي في بئر من القناة، فلم يزل هنالك حتى أخرجه الموالي بعد أسرهم المهتدي بيوم، فدفن.
وكانت خلافة المهتدي كلها إلى أن انقضى أمره أحد عشر شهرًا وخمسة وعشرين يومًا، وعمره ثمان وثلاثون سنة. وكان رحب الجبهة، أجلح، جهم الوجه، أشهل، عظيم البطن، عريض المنكبين، قصيرًا، طويل اللحية. وكان ولد بالقاطول.
ذكر أخبار صاحب الزنج مع جعلان
وفي هذه السنة وافى جعلان البصرة لحرب صاحب الزنج.
ذكر الخبر عما كان في أمرهما هنالك
ذكر أن جعلان لما صار إلى البصرة زحف بعسكره منها، حتى صار بينه وبين عسكر صاحب الزنج فرسخ، فخندق على نفسه ومن معه، فأقام ستة أشهر في خندقه، فوجه الزيني وبريه وبنو هاشم ومن خف لحرب الخبيث من أهل البصرة في اليوم الذي تواعدهم جعلان للقائه، فلما التقوا لم يكن بينهم إلا الرمي بالحجارة والنشاب، ولم يجد جعلان إلى لقائه سبيلًا لضيق الموضع بما فيه من النخل والدغل عن مجال الخيل، وأصحابه أكثرهم فرسان.
فذكر عن محمد بن الحسن أن صاحب الزنج قال: لما طال مقام جعلان في خندقه، رأيت أن أخفي له من أصحابي جماعة يأخذون عليه مسالك الخندق، ويبيتونه فيه، ففعل ذلك، وبيته في خندقه، فقتل جماة من رجاله، وريع الباقون روعًا شديدًا. فترك جعلان عشكره ذلك، وانصرف إلى البصرة؛ وقد كان الزيني قبل بيات الخبيث جعلان جمع مقاتلة البلالية والسعدية، ثم وجه لهم من ناحية نهر نافذ وناحية هزاردر، فواقعوه من وجهين، ولقيهم الزنج، فلم يثبتوا لهم، وقهرهم الزنج، فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، وانصرفوا مفلولين، وانحاز جعلان إلى البصرة، فأقام بها وظهر عجزه للسلطان.
وفيها صرف جعلان عن حرب الخبيث، وأمر سعيد الحاجب بالشخوص إليها لحربه.
وفيها تحول صاحب الزنج من السبخة التي كان ينزلها إلى الجانب الغربي من النهر المعروف بأبي الخصيب.
وفيها أخذ صاحب الزنج - فيما ذكر - أربعة وعشرين مركبًا من مراكب البحر، كانت اجتمعت تريد البصرة، فلما انتهى إلى أصحابها خبره وخبر من معه من الزنج وقطعهم السبيل، اجتمعت آراؤهم على أن يشدوا مراكبهم بعضها إلى بعض؛ حتى تصير كالجزيرة، يتصل أولها بآخرها، ثم يسيروا بها في دجلة. فاتصل به خبرها، فندب إليها أصحابه، وحرضهم عليها، وقال لهم: هذه الغنيمة الباردة.
قال أبو الحسن: فسمعت صاحب الزنج يقول: لما بلغني قرب المراكب مني نهضت للصلاة، وأخذت في الدعاء والتضرع، فخوطبت بأن قيل لي: قد أطلك فتح عظيم، والتفت فلم ألبث أن طلعت المراكب، فنهض أصحابي إليها في الجريبيات؛ فلم يلبثوا أن حووها وقتلوا مقاتلتها، وسبوا ما فيها من الرقيق، وغنموا منها أموالًا ظامًا لا تحصى ولا يعرف قدرها، فأنهب ذلك أصحابه ثلاثة أيام، ثم أمر بما بقي فحيز له.
ذكر الخبر عن دخول الزنج الأبلة
ولخمس بقين من رجب من هذه السنة، دخل الزنج الأبُلّة، فقتلوا بها خلقًا كثيرًا وأحرقوها.
ذكر الخبر عنها وعن سبب الوصول إليها
ذكر أن صاحب الزنج لما تنحى جعلان عن خندقه بشاطئ عثمان الذي كان فيه، وانحاز إلى البصرة ألح بالسرايا على أهل الأبله، فجعل يحاربهم من ناحية شاطئ عثمان بالرجالة، وبما خف له من السفن من ناحية دجلة، وجعلت سراياه تضرب إلى ناحية نهر معقل.
فذكر عن صاحب الزنج، أنه قال: ميلت بين عبادان والأبلة، فملت إلى التوجه إلى عبادان، وندبت الرجالة لذلك، فقيل لي: إن أقرب العدو دارًا، وأولاه بألا تتشاغل بغيره عنه أهل الأبلة، فرددت الجيش الذي كنت سيرت نحو عبادان إلى الأبلة. فلم يزالوا يحاربون أهل الأبلة إلى ليلة الأربعاء لخمس بقين من رجب سنة وست وخمسين ومائتين. فلما كان في هذه الليلة اقتحمها الزنج مما يلي دجلة ونهر الأبلة، فقتل بها أبو الأحوص وابنه، وأضرمت نارًا، وكانت مبنية بالساج محفوفة بناء متكاثفًا. فأسرعت فيها النار، ونشأت ريحٌ عاصف، فأطارت شرر ذلك الحريق حتى وصلت بشاطئ عثمان، فاحترق. وقتل بالأبلة خلقٌ كثير، وغرق خلق كثير، وحويت الأسلاب، فكان ما احترق من الأمتعة أكثر مما انتهب.
وقتل في هذه الليلة عبد الله بن حميد الطوسي وابنٌ له؛ كانا في شذاة بنهر معقل مع نصير المعروف بأبي حمزة.
ذكر خبر استيلاء صاحب الزنج على عبادان
وفيها استسلم أهل عبادان لصاحب الزنج فسلموا إليه حصنهم.
ذكر الخبر عن السبب الذي دعاهم إلى ذلك
ذكر أن السبب في ذلك أن الخبيث لما فل أصحابه من الزنج بأهل الأبلة ما فعلوا، ضعفت قلوبهم وخافوهم على أنفسهم وحرمهم، فأعطوا بأيديهم، وسلموا إليه بلدهم، فدخلها أصحابه، فأخذوا من كان فيها من العبيد، وحملوا ما كان فيها من السلاح إليه؛ ففرقه عليهم.
ذكر خبر دخول أصحاب صاحب الزنج الأهواز
وفيها دخل أصحابه الأهواز وأسروا إبراهيم بن المدير.
ذكر الخبر عن سبب ذلك
وكان الخبيث لما أوقع أصحابه بالأبلة، وفعلوا بها ما فعلوا، واستسلم له أهل عبادان، فأخذ مماليكهم، فضمهم إلى أصحابه من الزنج، وفرق بينهم ما أخذ من السلاح الذي كان بها، طمع في الأهواز، فاستنهض أصحابه نحو جبى، فلم يلبث لهم أهلها، وهربوا منهم، فدخلوا فقتلوا وأحرقوا، ونهبوا وأخربوا ما وراءها؛ حتى وافوا الأهواز، وبها يومئذ سعيد بن يكسين والٍ وإليه حربها، وإبراهيم بن محمد بن المدبر وإليه الخراج والضياع؛ فهرب الناس منهم أيضًا فلم يقاتلهم كثير أحد، وانحاز سعيد ابن تكسين فيمن كان معه من الجند، وثبت إبراهيم بن المدبر فيمن كان معه من غلمانه وخدمه فدخلوا المدينة، فاحتووها، وأسروا إبراهيم بن محمد بعد أن ضرب ضربة على وجهه، وحووا كل ما كان يملك من مال وأثاث ورقيق؛ وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشلاة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ست وخمسين ومائتين.
ولما كان من أمره ما كان بالأهواز بعد الذي كان منه بالأبلة، رعب أهل البصرة رعبًا شديدًا، فانتقل كثير من أهلها عنها، وتفرقوا في بلدان شتى، وكثرت الأراجيف من عوامها.
وفي ذي الحجة من هذه السنة وجه صاحب الزنج إلى شاهين بن بسطام جيشًا عليهم يحيى بن محمد البحراني لحربه؛ فلم ينل يحيى من شاهين ما أمل وانصرف عنه.
وفي رجب من هذه السنة وافى البصرة سعيد بن صالح المعروف بالحاجب من قبل السلطان لحرب صاحب الزنج.
وفيها كانت بين موسى بن بغا الذين كان توجهوا معه إلى ناحية الجبل مخالفين لمحمد بن الواثق وبين مساور بن عبد الحميد الشاري وقعة بناحية خانقين ومساور في جمع كثير وموسى وأصحابه في مائتين، فهزموا مساورًا وقتلوا من أصحابه جماعة كثيرة.
خلافة المعتمد على الله
وفيها بويع أحمد بن أبي جعفر المعروف بابن فتيان، وسمى المعتمد على الله، وذلك يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقيت من رجب.
وفيها بعث إلى موسى بن بغا وهو بخانقين بموت محمد بن الواثق وبيعة المعتمد، فوافى سامرا لعشر بقين من رجب.
وفيها بعث إلى موسى بن بغا وهو بخانقين بموت محمد بن الواثق وبيعة المعتمد، فوافى سامرا لعشر بقين من رجب.
ولليلتين خلتا من شعبان، ولي الوزارة عبيد الله بن يحيى بن خاقان.
وفيها ظهر بالكوفة علي بن زيد الطالبي، فوجه إليه الشاه بن ميكال في عسكر كثيف، فلقيه علي بن زيد في أصحابه، فهزمه وقتل جماعة كثيرة من أصحابه، ونجا الشاه.
وفيها وثب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي؛ وهو من أهل فارس، ورجلٌ من أكرادها يقال له أحمد بن الليث بالحرث بن سيما الشرابي عامل فارس، فحارباه، فقتل الحارث، وغلب محمد بن واصل على فارس.
وفيها وجه مفلح لحرب مساور الشاري وكنجور لحرب علي بن زيد الطالبي بالكوفة.
وفيها غلب جيش الحسن بن زيد الطالبي على الري، في شهر رمضان منها.
وفيها شخص موسى بن بغا - لإحدى عشرة ليلةً خلت من شوال منها - من سامرا إلى الري، وشيعه المعتمد.
وفيها كانت بين أماجور وابن لعيسى بن الشيخ على باب دمشق وقعة، فسمعت من ذكر أنه حضر أماجور، وقد خرج في اليوم الذي كانت فيه هذه الوقعة من مدينة دمشق مرتادًا لنفسه عسكرًا وابن عسكر عيسى بن الشيخ وقائد لعيسى يقال له أبو الصهباء في عسكر لعما بالقرب من مدينة دمشق، فاتصل بهما خبر خروج أماجور، وأنه خرج في نفر من أصحابه يسير، فطمعا فيه، فزحفا بمن معهما إليه، ولا يعلم أماجور بزحوفهما إليه حتى لقياه، والتحمت الحرب بين الفريقين، فقتل أبو الصهباء، وهزم الجمع الذي كان معه ومع ابن عيسى؛ ولقد سمعت من يذكر أن عيسى وأبا الصهباء كانا يومئذ في زهاء عشرين ألفًا من رجالهما، وأن أماجور في مقدار مائتين إلى أربعمائة.
وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة منها قدم أبو أحمد بن المتوكل من مكة إلى سامرا.
وفيها وجه إلى عيسى بن الشيخ إسماعيل بن عبد الله المرزوي المعروف بأبي النصر ومحمد بن عبيد الله الكريزي القاضي والحسين الخادم المعروف بعرق الموت، بولاية أرمينية، على أن ينصرف عن الشأم آمنًا؛ فقبل ذلك وشخص عن الشأم إليها.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بن أحمد بن عيسى بن أبي جعفر المنصور.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 10 (0 من الأعضاء و 10 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)