وكان مصير قرمط إلى سواد الكوفة قبل قتل صاحب الزنج؛ وذلك أن بعض أصحابنا ذكر عن سلف زكرويه أنه قال: قال لي قرمط: صرت إلى صاحب الزنج، ووصلت إليه، وقلت له: إني على مذهب، وورائي مائة ألف سيف؛ فناظرني، فإن اتفقنا على المذهب ملت بمن معي إليك، وإن تكن الأخرى انصرفت عنك.
وقلت له: تعطيني الأمان؟ ففعل.
قال: فناظرته إلى الظهر، فتبين لي في آخر مناظرتي إياه أنه على خلاف أمري، وقام إلى الصلاة، فانسللت، فمضيت خارجًا من مدينته، وصرت إلى سواد الكوفة.
ذكر خبر غزو الروم ووفاة يازمان في هذه الغزوة

ولخمس بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة، دخل أحمد العجيفي مدينة طرسوس، وغزا مع يازمان غزاة الصائفة، فبلغ سلندو.
وفي هذه الغزاة مات يازمان، وكان سبب موته أن شظية من حجر منجنيق أصاب أضلاعه وهو مقيم على حصن سلندو؛ فارتحل المعسكر؛ وقد كانوا أشرفوا على فتحه، فتوفي في الطريق من غده يوم الجمعة، لأربع عشرة ليلة خلت من رجب، وحمل إلى طرسوس على أكتاف الرجال فدفن هناك.
وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد الهاشمي.
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من أمر السلطان بالنداء بمدينة السلام؛ ألا يقعد على الطريق ولا في مسجد الجامع قاص ولا صاحب نجوم ولا زاجر؛ وحلف والوراقون ألا يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة.
وفيها خلع جعفر المفوض من العهد لثمان بقين من المحرم.
وفي ذلك اليوم بويع للمعتضد بأنه ولى العهد من بعد المعتمد، وأنشئت الكتب بخلع جعفر وتوليه المعتضد، ونفذت إلى البلدان، وخطب يوم الجمعة للمعتضد بولاية العهد، وأنشئت عن المعتضد كتب إلى العمال والولاة؛ بأن أمير المؤمنين قد ولاه العهد، وجعل إليه ما كان الموفق يليه من الأمر والنهي والولاية والعزل.
وفيها قبض على جرادة، كاتب أبي الصقر لخمس خلون من شهر ربيع الأول، وكان الموفق وجهه إلى رافع بن هرثمة، فقدم مدينة السلام قبل أن يقبض علية بأيام.
وفيها انصرف أبو طلحة منصور بن مسلم من شهرزور لست بقين من جمادى الأولى - وكانت ضمت إليه - فقبض عليه وعلى كاتبه عقامة، وأودعا السجن؛ وذلك لأربع بقين من جمادى الأولى.
ذكر خبر الفتنة بطرسوس

وفيها كانت الملحمة بطرسوس بين محمد بن موسى ومكنون غلام راغب مولى الموفق؛ في يوم السبت لتسع بقين من جمادى الأولى؛ وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن طغج بن جف، لقي راغبًا بحلب، فأعلمه أن خمارويه بن أحمد يحب لقاءه، ووعده عنه بما يحب؛ فخرج راغب من حلب ماضيًا إلى مصر في خمسة غلمان له، وأنفذ خادمه مكنونًا مع الجيش الذي كان معه وأمواله وسلاحه إلى طرسوس.
فكتب طغج إلى محمد بن موسى الأعرج يعلمه أنه قد أنفذ راغبًا، وأن كل ما معه من مال وسلاح وغلمان مع غلامه مكنون، قد صار إلى طرسوس، وأنه ينبغي له أن يقبض عليه ساعة يدخل وعلى ما معه.
فلما دخل مكنون طرسوس وثب به الأعرج، فقبض عليه ووكل بما معه، فوثب أهل طرسوس على الأعرج، فحالوا بينه وبين المكنون، وقبضوا على الأعرج فحبسوه في يد مكنون، وعلموا أن الحيلة قد وقعت براغب؛ فكتبوا إلى خمارويه بن أحمد يعلمونه بما فعل الاعرج، وأنهم قد وكلوا به، وقالوا: أطلق راغبًا لينفذ إلينا حتى نطلق الاعرج، فأطلق خمارويه راغبًا، وأنفذه إلى طرسوس، وأنفذ معه أحمد بن طغان واليًا على الثغور، وعزل عنهم الأعرج، فلما وصل راغب إلى طرسوس أطلق محمد بن موسى الأعرج، ودخل طرسوس أحمد بن طغان واليًا عليها وعلى الثغور ومعه راغب، يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من شعبان.
خبر وفاة المعتمد

وفيها توفي المعتمد ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب، وكان شرب على الشط في الحسنى يوم الأحد شرابًا كثيرًا، وتعشى فأكثر، فمات ليلًا، فكانت خلافته ثلاثًا وعشرين سنة وستة أيام - فيما ذكر.
خلافة المعتضد

وفي صبيحة هذه الليلة بويع لأبي العباس المعتضد بالله بالخلافة، فولى غلامه بدرًا الشرطة وعبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة ومحمد بن الشاد بن ميكال الحرس، وحجبة الخاصة والعامة صالحًا المعروف بالأمين، فاستخلف صالح خفيفًا السمرقندي.
ولليلتين خلتا من شعبان فيها قدم المعتضد رسول عمرو بن الليث الصفار بهدايا، وسأل ولاية خراسان، فوجه المعتضد عيسى النوشري مع الرسول، ومعه خلع ولواء عقدة له على خراسان، فوصلوا إليه في شهر رمضان من هذه السنة، وخلع عليه، ونصب اللواء في صحن داره ثلاثة أيام.
وفيها ورد الخبر بموت نصر بن أحمد، وقام بما كان إليه من العمل وراء نهر بلخ أخوه إسماعيل بن أحمد.
وفيها قدم الحسين بن عبد الله بن المعروف بابن الحصاص من مصر رسولًا لخمارويه بن أحمد بن طولون، ومعه هدايا من العين عشرون حملًا على بغال وعشرة من الخدم وصندوقان فيهما طراز وعشرون رجلًا على عشرين نجيبًا، بسروج محلاة بحلية فضة كثيرة، ومعهم حراب فضة، وعليهم أقبية الديباج والمناطق المحلاة وسبع عشرة دابة، بسروج ولجم، منها خمسة بذهب والباقي بفضة، وسبع وثلاثون دابة بجلال مشهرة، وخمسة أبغل بسروج ولجم وزرافة، يوم الاثنين لثلاث خلون من شوال، فوصل إلى المعتضد، فخلع عليه وعلى سبعة نفر معه.
وسفر ابن الحصاص في تزويج ابنة خمارويه من علي بن المعتضد، فقال المعتضد: أنا أتزوجها، فتزوجها.
وفيها ورد الخبر بأخذ أحمد بن عيسى بن الشيخ قلعة ماردين من محمد بن إسحاق بن كنداج.
وفيها مات إبراهيم بن محمد بن المدبر، وكان يلي ديوان الضياع، فولى مكانه محمد بن عبد الحميد، وكان موته يوم الأربعاء لثلاث أو أربع عشرة بقيت من شوال.
وفيها عقد لراشد مولى الموفق على الدينور، وخلع علية يوم السبت لسبع بقين من شوال، ثم خرج راشد إلى عمله يوم الخميس لعشر خلون من ذي القعدة.
وفي يوم النحر منها ركب المعتضد إلى المصلى الذي اتخذه بالقرب من الحسنى، وركب معه القواد والجيش، فصلى بالناس، فذكر عنه أنه كبر في الركعة الأولى ست تكبيرات، وفي الركعة الثانية تكبيرة واحدة، ثم صعد المنبر، فلم تسمع خطبته، وعطل المصلى العتيق فلم يصل فيه.
وفيها كتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بمحاربة رافع بن هرثمة ورافع الرى، فزحف إليه أحمد، فالتقوا يوم الخميس لسبع بقين من ذي القعدة؛ فانهزم رافع بن هرثمة، وخرج عن الرى، ودخلها ابن عبد العزيز.
وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد الهاشمي؛ وكانت آخر حجة حجها، وحج بالناس ست عشرة سنة، من سنة أربع وستين إلى هذه السنة.
ثم دخلت سنة ثمانين ومائتين

ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها

فمن ذلك ما كان من أخذ المعتضد عبد الله بن المهتدي ومحمد بن الحسن بن سهل المعروف بشيلمة - وكان شيلمة هذا مع صاحب الزنج إلى آخر أيامه.
ثم لحق بالموفق في الأمان فأمنه - وكان سبب أخذه إياهما أن بعض المستأمنة سعى به إلى المعتضد، وأعلمه أنه يدعو إلى رجل لم يوقف على اسمه، وأنه قد استفسد جماعة من الجند وغيرهم، وأخذ معه رجل صيدناني وابن أخ له في المدينة، فقرره المعتضد فلم يقر بشيء، وسأله عن الرجل الذي يدعو إليه، فلم يقر بشيء، وقال: لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، ولو عملتني كردناك لما أخبرتك به؛ فأمر بنار فأوقدت، ثم شد على خشبة من خشب الخيم، وأدير على النار حتى تقطع جلده، ثم ضربت عنقه، وصلب عند الجسر الأسفل في الجانب الغربي.
وحبس ابن المهتدي إلى أن وقف على براءته، فأطلق، وكان صلبه لسبع خلون من المحرم.
فذكر أن المعتضد قال لشيلمة: قد بلغني أنك تدعو إلى ابن المهتدي، فقال: المأثور عني غير هذا، وإني أتولى آل ابن أبي طالب - وقد كان قرر ابن أخيه فأقر - فقال له: قد أقر ابن أخيك، فقال له: هذا غلام حدث تكلم بها خوفًا من القتل، ولا يقبل قوله.
ثم أطلق ابن أخيه والصيدناني بعد مدة طويلة.