وكقول عنترة:
فازْوَرَّ مِن وقع القَنا بلَبانه * وشكا إلي بعبرة وتحمحُمِ
وكقول أبي تمام:
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه * لخر يلثم منه موطئ القدم
وكقول البحتري:
ولو أن مشتاقا تكلف فوق ما * في وسعه، لمشى إليك المنبر
ومن هذا الجنس في القرآن: { يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد }.
وقوله: { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا }.
وقوله: { تكاد تميز من الغيظ }.





ومما يعدونه من البديع المماثلة، وهو ضرب من الاستعارة [ سماه قدامة التمثيل، وهو على العكس من الإرداف، لأن الإرداف مبني على الإسهاب والبسط، وهو مبني على الإيجاز والجمع ].
وذلك أن يقصد الإشارة إلى معنى، فيضع ألفاظا تدل عليه، وذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الإشارة إليه.
نظيره من المنثور أن يزيد بن الوليد بلغه أن مروان بن محمد يتلكأ عن بيعته، فكتب إليه: "أما بعد، فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فاعتمد على أيتهما شئت".
وكنحو ما كتب به الحجاج إلى المهلب: "فإن أنت فعلت ذاك، وإلا أشرعت إليك الرمح." فأجابه المهلب: "فإن أشرع الأمير الرمح، قلبت إليه ظهر المجن".
وكقول زهير:
ومن بعض أطراف الزجاج فإنه * يطيع العوالي ركبت كل لهذم [46]
وكقول امرئ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي * بسهميك في أعشار قلب مقتل [47]
وكقول عمرو بن معدي كرب:
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم * نطقتُ ولكن الرماح أجَرَّتِ [48]
وكقول القائل:
بني عمنا لا تذكروا الشعر بعد ما * دفنتم بصحراء الغمير القوافيا [49]
وكقول الآخر:
أقول وقد شدوا لساني بنِسعة * أمعشر تيم أطلِقوا عن لسانيا [50]
ومن هذا الباب في القرآن قوله: { فما أصبرهم على النار }.
وكقوله: { وثيابك فطهر }. قال الأصمعي: أراد البدن، قال: وتقول العرب: "فدًى لك ثوباي". يريد نفسه. وأنشد:
ألا أبلغ حفص رسولا * فِدًى لك من أخي ثقةٍ إزاري





ويرون من البديع أيضا ما يسمونه المطابقة، وأكثرهم على أن معناها أن يذكر الشئ وضده، كالليل والنهار، والسواد والبياض، وإليه ذهب الخليل بن أحمد والأصمعي، ومن المتأخرين عبد الله بن المعتز.
وذكر ابن المعتز من نظائره من المنثور ما قاله بعضهم: "أتيناك لتسلك بنا سبيل التوسع، فأدخلتنا في ضيق الضمان".
ونظيره من القرآن: { ولكم في القصاص حياة }.
وقوله: { يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى }.
وقوله: { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل }. ومثله كثير جدا.
وكقول النبي للأنصار: "إنكم تكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع".
وقال آخرون: بل المطابقة أن يشترك معنيان بلفظة واحدة، وإليه ذهب قدامة بن جعفر الكاتب.
فمن ذلك قول الأفوه الأودي:
وأقطع الهَوجَل مستأنسا * بهوجل مستأنسٍ عَنتَريس [51]
عنى بالهوجل الأول الأرض، وبالثاني الناقة. [52]
ومثله قول زياد الأعجم:
ونُبِّئتُهم يَستنصرون بكاهل * وللؤم فيهم كاهلٌ وسَنام
ومثله قول أبي دواد:
عهدت لها منزلا داثرا * وآلا على الماء يحملن آلا
فالآل الأول: أعمدة الخيام تنصب على البئر للسقي، والآل الثاني: السراب. [53]
وليس عنده قول من قال: المطابقة إنما تكون باجتماع الشئ وضده بشئ.
ومن المعنى الأول قول الشاعر:
أهين لهم نفسي لأكرمها بهم * ولن تكرم النفس التي لا تهينها
ومثله قول امرئ القيس:
وتَردي على صم صِلاب مَلاطِسٍ * شديداتِ عَقدٍ ليناتِ مِتانِ [54]
وكقول النابغة:
ولا يحسبون الخير لا شر بعده * ولا يحسبون الشر ضربة لازب [55]
وكقول زهير، وقد جمع فيه طباقين:
بعزمة مأمور مطيع وآمر * مطاع فلا يُلفَى لحزمهم مِثلُ
وكقول الفرزدق:
والشيب ينهض في الشباب كأنه * ليل يصيح بجانبيه نهار
ومما قيل فيه ثلاث تطبيقات قول جرير:
وباسط خير فيكم بيمينه * وقابض شر عنكم بشماليا
وكقول رجل من بلعنبر: [56]
يجزون مِن ظُلم أهل الظلم مغفرةً * ومن إساءة أهل السوء إحسانا
وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه تمثل بقول القائل:
فلا الجود يُفني المال والجد مقبل * ولا البخل يُبقي المال والجد مدبر
وكقول الآخر:
فسِري كإعلاني وتلك سجيتي * وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا
وكقول قيس بن الخطيم:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما * يرجى الفتى كيما يضر وينفعا
وكقول السموأل:
وما ضرنا أنا قليل وجارنا * عزيز وجار الأكثرين ذليل
فهذا باب يرونه من البديع.