فلا صُرْمُه يبدوا وفى اليأس راحة * ولا وصلُه يَصفُو لنا فنكارمه [82]
ونظير ذلك من القرآن ما حكى الله تعالى عن إبراهيم الخليل من قوله: { اعبدوا الله واتقوه، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا } إلى قوله: { فما كان جواب قومه }.
وقوله عز وجل: { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز، وبرزوا لله جميعا }.
ومثله قوله: { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين }.
ومثله قوله: { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث }.
ومثله قوله: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم. فمن تاب من بعد ظلمه }.
ومنهم من لا يعد الاعتراض والرجوع [83] من هذا الباب. ومنهم من يفرده عنه، كقول زهير:
قِفْ بالديار التي لم يعفُها القِدم * نعمْ، وغيّرها الأرواحُ والدِّيَمُ
وكقول الأعرابي:
أليس قليلا نظرةٌ إن نظرتُها * إليكِ، وكلا ليس منكِ قليلُ
وكقول ابن هَرْمة:
ليت حظي كلحظة العين منها * وكثيرٌ منها القليلُ المهَنّا





ومن الرجوع قول القائل:
بكل تداوينا فلم يُشفَ ما بنا * على أن قرب الدار خير من البعد [84]
وقال الأعشى:
صَرَمتُ ولم أصرِمكم وكصارمٍ * أخٌ قد طوى كَشحًا وأبَّ ليذهبا
وكقول بشار:
لي حيلة فيمن ينمـ * مُ وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو * ل فحيلتي فيه قليله
وقال آخر:
وما بي انتصار إن عدا الدهر ظالما * عليَّ، بلى إن كان من عندك النصر





وباب آخر من البديع يسمى: التذييل، وهو ضرب من التأكيد، وهو ضد ما قدمنا ذكره من الإشارة، [85] كقول أبي دواد:
إذا ما عقدنا له ذمة * شددنا العِناج وعقد الكَرَبْ [86]
وأخذه الحطيئة فقال:
[ قومٌ إذا عقدوا عقدا لجارهم * شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا [87]
وكقول الآخر ]:
فدعوا نزالِ فكنتُ أول نازل * وعلامَ أركبُه إذا لم أنزلِ؟ [88]
وكقول جرير:
لقد كنت فيها يا فرزدقُ تابعا * وريشُ الذُّنابي تابعٌ للقوادم
ومثله قوله عز وجل: { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا.
يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم، إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين }، إلى قوله: { كانوا خاطئين }.
وباب من البديع يسمى الاستطراد. [89] فمن ذلك ما كتب إلي الحسن بن عبد الله قال: أنشدني أبو بكر بن دريد، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، لحسان بن ثابت رضي الله عنه:
إن كنتِ كاذبةَ الذي حدثتِني * فنجوتِ منجى الحارث بن هشام [90]
ترك الاحبة أن يقاتل دونهم * ونجا برأس طِمِرّة ولجام [91]
وكقول السموأل:
وإنا لقوم لا نرى القتل سُبّة * إذا ما رأته عامرٌ وسَلول
وكقول الآخر:
خليليّ من كعب أعينا أخاكما * على دهره، إن الكريم معينُ
ولا تبخلا بخل ابن قَزْعَةَ، إنه * مخافة أن يُرجى نداه حزينُ
وكقول الآخر:
فما ذرَّ قرنُ الشمسِ حتى كأننا * من العِيّ نحكي أحمد بن هشام
وكقول زهير:
إن البخيل ملوم حيث كان ولـ * كنّ الجواد على علاته هَرِمُ
وفيما كتب إلي الحسن بن عبد الله، قال: أخبرني محمد بن يحيى [ قال ]: حدثني محمد بن على الأنباري، قال: سمعت البحتري يقول: أنشدني أبو تمام لنفسه:
وسابحٍ هَطِلٍ التَّعْداءِ هَتّانِ * على الجِراء أمينٍ غيرِ خَوّان
أظمى الفصوص ولم تظمأ قوائمه * فخَلِّ عينيك في ريان ظمآن
ولو تراه مُشيحا والحصى فِلَق * بين السنابك من مثنى ووُحدان
أيقنتَ - إن لم تثبت - أن حافره * من صخر تدمرَ أو من وجه عثمان [92]
وقال لي: ما هذا من الشعر؟ قلت لا أدري، قال: هذا المستطرد أو قال الاستطراد. قلت: وما معنى ذلك؟ قال: يُري أنه يصف الفرس، ويريد هجاء عثمان.
وقال البحتري:
ما إن يعافُ قَذًى ولو أوردتَه * يوما خلائق حَمدَويهِ الأحولِ
قال: فقيل للبحتري: إنك أخذت هذا من أبي تمام، فقال: ما يعاب علي أن آخذ منه وأتبعه فيما يقول.
ومن هذا الباب قول أبي تمام:
صُبَّ الفراقُ علينا صُبَّ من كَثَبٍ * عليه إسحاقُ يوم الروع منتقما [93]
ومنه قول السري الرفّاء:
نزع الوشاة لنا بسهم قطيعةٍ * يُرمى بسهم الحينِ من يرمي به
ليت الزمان أصاب حب قلوبهم * بقَنا ابن عبد الله أو بحرابه
ونظيره من القرآن: { أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون، ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون } كأنه كان المراد من أن يجري بالقول الأول إلى الإخبار عن أن كل شئ يسجد لله عز وجل، وإن كان ابتداء الكلام في أمر خاص.