خطبة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى؛ خير الملل ملة إبراهيم، وأحسن السنن سنة النبي محمد ؛ خير الأمور أوساطها، وشر الأمور محدثاتها؛ ما قل وكفى خير مما كثر وألهى؛ خير الغنى غنى النفس، وخير ما أُلقي في القلب اليقينُ؛ الخمر جماع الإثم، النساء حِبَالة الشيطان، الشباب شُعبة من الجنون؛ حب الكفاية مفتاح المَعجَزة؛ مِن الناس من لا يأتي الجماعة إلا دبرا، ولا يذكر الله إلا هُجرا؛ أعظم الخطايا اللسان الكذوب؛ سباب المؤمن فسق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية؛ مَن يَتَأَلَّ على الله يكذبه؛ [161] من يغفر يغفر له، مكتوب في ديوان المحسنين: من عفا عفي عنه. الشقي من شَقِيَ في بطن أمه، والسعيد من وُعظ بغيره، الأمور بعواقبها. ملاك العمل خواتيمه، أشرف الموت الشهادة؛ من يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرف البلاء ينكره.
خطبة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
قال الراوي: لما حضرته الوفاة قال لولي له: من بالباب؟ فقال: نفر من قريش يتباشرون بموتك! فقال: ويحك، ولم؟ ثم أذن للناس، فحمد الله وأثنى عليه فأوجز، ثم قال:
أيها الناس، إنا قد أصبحنا في دهر عنود وزمن شديد، يعد فيه المحسن مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا؛ لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا. فالناس على أربعة أصناف:
منهم من لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلال حده ونضيض وفره.
ومنهم المصلت لسيفه، [162] والمجلب برجله، [163] والمعلن بشره، قد أشرط نفسه، [164] وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب [165] يقوده أو منبر يفرعه، [166] وبئس المتجر أن تراها لنفسك ثمنا، ومما لك عند الله عوضا.
ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا؛ قد طامن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه، وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية.
ومنهم من أقعده عن الملك ضئولة في نفسه وانقطاع سببه، فقصر به الحال عن حال، فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس الزهاد، وليس من ذلك في مراح ولا مَغدًى.
وبَقي رجالٌ أغض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادٍّ، [167] وخائف منقمع، [168] وساكت مكعوم، [169] وداع مخلص، وموجع ثكلان، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة، في بحر أجاج، أفواههم دامية، وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا.
فلتكن الدنيا في عيونكم أقل من حتاتة القرظ، [170] وقراضة الجلم، [171] واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، فارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من كان أشغف بها منكم
خطبة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
أيها الناس، إنكم ميتون، ثم إنكم مبعوثون، ثم إنكم محاسبون؛ فلعمري لئن كنتم صادقين لقد قصرتم، ولئن كنتم كاذبين لقد هلكتم.
يا أيها الناس، إنه من يقدر له رزق برأس جبل أو بحضيض أرض يأته، فأجملوا في الطلب. [172]
خطبة للحجاج بن يوسف
حمد الله وأثنى عليه، [173] ثم قال:
يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق والنفاق، ومساوي الأخلاق، وبني اللكيعة، وعبيد العصا، وأولاد الإماء، والفقع بالقرقر؛ [174] إني سمعت تكبيرا لا يراد به الله وإنما يراد به الشيطان، وإنما مثلي ومثلكم ما قاله ابن براقة الهمداني:
وكنتُ إذا قوم غزوني غزوتُهم * فهل أنا في ذا، يا لهمدان، ظالمُ
متى تجمعِ القلبَ الذكي وصارِما * وأنفا حميا، تجتنبك المظالمُ
أما والله لا تَقرعُ عصًا عصًا إلا جعلتُها كأمس الدابر.
خطبة لقس بن ساعدة الإيادي
أخبرني محمد بن على الأنصاري بن محمد بن عامر، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن داود بن عبد الرحمن العمري، قال: حدثنا الأنصاري علي بن محمد الحنظلي - من ولد حنظلة الغسيل - حدثنا جعفر بن محمد، عن محمد بن حسان، [175] عن محمد بن حجاج اللخمي، [176] عن مجالد، [177] عن الشعبي، عن ابن عباس، قال:
لما وفد وفد عبد القيس على رسول الله قال: أيكم يعرف قُسّ بن ساعدة؟ قالوا: كلنا نعرفه يا رسول الله. [178]
قال: لست أنساه بعكاظ، إذ وقف على بعير له أحمر، فقال: أيها الناس اجتمعوا، وإذا اجتمعتم فاسمعوا، وإذا سمعتم فعوا، وإذا وعيتم فقولوا، وإذا قلتم فاصدقوا؛ من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت.
أما بعد، فإن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لا تغور، أَقسَم بالله قُسٌّ قسما حقا لا كاذبا فيه ولا آثما، لئن كان في الأرض رضًا ليكونن سخطا، إن لله تعالى دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، وقد أتاكم أوانه، ولحقتكم مدته.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)