كنت بإستمرار
تطلق علي كلاب خيالك
لتنهش صورتي
بانياب سوء ظنك

كنت باستمرار
تصلبني بعتاب عينيك
لجرم اجهله
وتثبتني بالشوك

فوق حقل من الصبار
كنت باستمرار
تعذبني لذنوب سرية
لا اعرفها انا ولا انت
وتدعي انك تفعل ذلك
لان وجهي حين يتوهج بالألم
يضيء

وكنت باستمرار
أتابع ركضي في وعر الحياة اليومية
أخفي وجهي خلف قناع المجاملة
كل لا يروا أبخرة نيراني الدفينة
المنبعثة عبر شقوق عيني وأنفي
وبقية منافذ الجمجمة المعلبة بالعذاب

وأخفيت سري باتقان
ولعبت دوري باتقان
مزيفة الفرح كضيفة في عرس ثري
ضاجة كطبل
وأعماقي خرساء كموجات الاعماق

وتمزقني اللعبة
وأشعر بالضآلة والخسة
وبوخزات مبهمة ساخرة
وبأحداق مسحورة تطل عليّ
من السقف حين اخلو الى نفسي
ترمقني بنظرات الاحتقار المستخف
ويخيل إليّ وأنا أنظر الى المرآة
أنها تعطي وجه المرآة
أم وجهي

ويأتيني صوتك بلا حنان
مثل صفير القطار
يرحل في براري لا متناهية
محروقة الحشائش
بلا محطات
ولا ركاب
ولا توقف ولا هدف

وظللت أنشدك اشعاري بحرارة
كطائر يتخبط في دمائه رقصة اخيرة

بحت احشائي
وانا اصرخ بك : ايها الناعم كملمس أفعى
الحار كنسيم الجحيم
المثير كأعماق البحار
لا تخلعني فأنا جلدك
ولكنك أضرمت بي النار
دون أن تدري
أنني كنت من بعضك

ومرت أيام
وصار الصمت
هو التعبير الوحيد الممكن عن الصدق
وصار الانتحار
هو الازدهار الوحيد المتبقى
وصار الجرح
بشفتيه الداميتين
الابتسامة الوحيدة المتبقية لي

وكنت اعرف
كثيرة هيي الايدي
التي ستصفق ذات يوم
اذا سقطت
الايدي نفسها التي طالما لاحقتني
محاولة عبثا إلقاء القبض
على زئبق حقيقي
الايدي نفسها التي طالما صفقت لي
ورسمت لي باصابعها شارات النصر مهنئة

لكن حبك كان يلتهمني دونما رحمة
مثل عنكبوت سوداء جهنمية

حتى جاءت الحرب
وهجرتني الى يختك الذهبي في (( الكوت دازور ))
وعشت طيلة شهور وحيدة وجائعة
في مدينة يسكنها الرعب والجرحى والذباب
ومشيت وحيدة وجائعة
على أرصفة مفروشة بالامعاء الممزقة
لأسرق الخبز والماء
ومت وحيدة عدة مرات
دون ان يأتي صوتك ليسأل
كيف صحتك ؟ كيف موتك ؟
أين انت ؟ أين قبرك ؟

خرجت من الحرب امراة اخرى
غادرت موتي امراة اخرى
وخلفتك هناك على تل البقايا
مع كومة من القذائف الفارغة
تصفر ريح الليل عبرها لقد طهرتني النار منك والجوع غسيل دماغي
من عذابك

الجوع بلا ضمير
الجوع ضمير غير مستتر
الجوع ليس صلة وصل
الجوع حرف جر الى المتفجرات
الجوع أداة رفض لكان وأخواتها
الجوع يكره حروف التسويف
والسين ،،، وسوف
الجوع مسح عني ما كان معك
وما سوف يكون لو

وانت
كيف صحتك ؟ كيف موتك ؟
كيف احتضارك اليومي البعيد
في منفى رفاهيتك وبطرك؟

يا من كنت أتجول في عالمك
مذعورة من ألغامك
حاملة باستمرار علما ابيض
ألوح به

أمام حواجز شكوكك
مختبئة دائما خلف متراس من اكياس الرمل
وانا اخاطبك
خوفا من رصاصك المنهمر
آه
كيف حولتك الحرب في قلبي
إلى حجمك الحقيقي
طفلة مبتلة !!!!



من كلمات الرائعة غادة السمان