24:

روم لاندو
[ 1 ]
".. لم ينسب محمد [صلى الله عليه وسلم] في أيّما يوم من الأيام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية. على العكس، لقد كان حريصًا على النص على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لإبلاغ الوحي للناس"(1).
[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] تقيًّا بالفطرة، وكان من غير ريب مهيّأ لحمل رسالة الإسلام التي تلقاها.. وبالإضافة إلى طبيعته الروحية، كان في سرّه وجهره رجلاً عمليًا عرف مواطن الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي، وأدرك أن الإصلاحات الضرورية ينبغي أن تقدم إلى البدو الذين لا يعرفون انضباطًا وإلى المدنيين الوثنيين، وفي آن معًا، على نحو تدريجي. وفي الوقت نفسه كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يملك إيمانًا لا يلين بفكرة الإله الواحد.. وعزمًا راسخًا على استئصال كل أثر من آثار عبادة الأصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب"(2).
[ 3 ]
"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هائلة. كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية (وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده الشخصي، إن الإخلاص الذي تكشف عنه محمد [صلى الله عليه وسلم] في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد [صلى الله عليه وسلم] بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، في كل عام، أتباعًا جددًا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً"(3).
[ 4 ]
"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هي القضاء على النظام القبلي القوي الذي كان مسؤولاً عن اندلاع نار الحرب، على نحو موصول تقريبًا، بين العرب، والاستعاضة عنه بولاء لله يسمو على جميع الروابط الأسرية والأحقاد الصغيرة. كان عليه أن يعطي الناس قانونًا كليًا يستطيع حتى العرب المتمردون قبوله والإذعان له، وكان عليه أن يفرض الانضباط على مجتمع عاش على العنف القبلي والثأر الدموي لضروب من المظالم بعضها واقعي وبعضها متوهم. كان عليه أن يحلّ الإنسانية محل الوحشية، والنظام محل الفوضى، والعدالة محلة القوة الخالصة"(4).
[ 5 ]
"عندما توفي محمد [صلى الله عليه وسلم] عام 632م كان في نجاح الإسلام ما زكى إيمان خديجة [رضي الله عنها] بالوحي الذي تلقاه زوجها، وكانت العقيدة التوحيدية الجديدة في سبيلها إلى القيام بفتح روحي ومادي لا يضارعه أي فتح في التاريخ البشري"(5).

---------------------------
(1) الإسلام والعرب ، ص 32 .
(2) نفسه ، ص 33 .
(3) نفسه ، ص 33 – 34 .
(4) نفسه ، ص 34 .
(5) نفسه ، ص 35 .


لايتنر(1)
[ 1 ]
"بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد [صلى الله عليه وسلم] ليس اقتباسًا بل قد (أوحي إليه به) ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، والإيمان القلوب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد [صلى الله عليه وسلم] وأنه قد أوحي إليه"(2).
[ 2 ]
"إن الديانة النصرانية التي ودّ محمد [صلى الله عليه وسلم] إعادتها لأصلها النقي كما بشر بها المسيح [عليه السلام] تخالف التعاليم السّرية التي أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التي أدخلها عليها شيع النصارى.. ولقد كانت آمال محمد [صلى الله عليه وسلم] وأمانيه أن لا تخصص بركة دين إبراهيم [عليه السلام] لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعًا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى في التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الإخاء المعمول به في دين الإسلام"(3).
[ 3 ]
".. لما بلغ [صلى الله عليه وسلم] السنة الخامسة والعشرين من العمر تزوج امرأة عمرها (أربعون عامًا، وهذه تشابه امرأة عمرها خمسون عامًا في أوربا، وهي أول من آمن برسالته المقدسة.. وبقيت خديجة (رضي الله عنها) معه عشرين عامًا لم يتزوج عليها قط حتى ماتت (رضي الله عنها). ولما بلغ من العمر خمسًا وخمسين سنة صار يتزوج الواحدة بعد الأخرى. لكن ليس من الاستقامة والصدق أن ننسب ما لا يليق لرجل عظيم صرف كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف فلا ريب أن لزواجه بسن الكبر أسبابًا حقيقية غير التي يتشدق بها كتاب النصارى بهذا الخصوص، وما هي تلك الأسباب يا ترى ؟ ولا ريب هي شفقته على نساء أصحابه الذين قتلوا.."(4).
[ 4 ]
".. مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان [صلى الله عليه وسلم] كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذاك الوحي من وجود"(5).
[ 5 ]
".. إني لأجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى المسيح [عليه السلام] احترامًا عظيمًا وذلك باحترامهم محمدًا [صلى الله عليه وسلم]، ولا ريب في أن المسيحي المعترف برسالة محمد [صلى الله عليه وسلم] وبالحق الذي جاء به هو المسيحي الصادق"(6).

---------------------------
(1) لايتنر Lightner
باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها.
(2) دين الإسلام ، ص 4 – 5 .
(3) نفسه ، ص 5 .
(4) نفسه ، ص 12 – 13 .
(5) نفسه ، ص 132 – 133 .
(6) نفسه ، ص 6 .