بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نحقق عزة المسلم في زمن كله انكسارات ؟
لا شك أن العزة معنى ينشده كل سوي من بني البشر ،
وقد تمدح الناس بها وبالسعي لتحصيلها منذ القدم،
وكثير منا يحفظ قول المتنبي :

عِشْ عَزِيزاً أَوْ متْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ * بَيْنَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُـودِ

وقوله:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيْـهِ * مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّـتٍ إِيْـلاَمُ


ومن منا لم يسمع أبيات أبي فراس :

ونحن أناس لا توسط بيننــا * لنا الصدر دون العالمين أوالقبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا فِي المَعالِي نُفُوسنَا * وَمَنْ خَطَبَ الحَسْناء لَمْ يُغْلِهَا المَهْرُ
أعزُّ بني الدنيا وأعلى ذوي العُلا * وأكرم من فوق التراب ولا فخر

فما هي هذه العزة ، وبماذا تكون ؟

وهل لأهل الباطل عزة ؟ وهل ثمة عزة غير شرعية ؟

ولماذا ينسى بعض أهل الحق عزتهم فيخنس أمام بعض أهل الباطل ؟

أما العزة في اللغة فمأخوذة من العز ، وهو : ضد الذل ،

تقول منه عز يعز عزاً فهو عزيز ، أي : قوي ، والعزيز من صفات الله تعالى ،

قال الزجاج : الممتنع فلا يغلبه شيء ،

وقال غيره : هو القوي الغالب على كل شيء .

ومن أسمائه : العزيز ، وهو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده :
{تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
آل عمران : من الآية26

والعزة التي نتحدث عنها :

هي حالة نفسية تصاحبها قوة معنوية ، وتنبثق منهما أقوال وأفعال تدل على الشعور بالفخر والاستعلاء والاستقلال عن الكافرين وصدق الانتماء لهذا الدين مع تواضع ورحمة بالمؤمنين .

والأمة اليوم أحوج ما تكون إلى الالتزام بالعزة والأخذ بمقوماتها على مستوى الحكومات والشعوب والأفراد ،
والاعتزاز بالدين من أقوى ما نواجه به أعداءنا في زمن تداعت فيه الأمم علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ،
فهلم إلى طريق العزة والمجد والخلود .



مقومات العزة :
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}
فاطر : من الآية10

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
المنافقون : من الآية 8

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
آل عمران : من الآية26

1- الإيمان المطلق بأن الله هو العزيز، وأنه هو وحده مصدر العزة وواهبها ،
وأنه لا أحد يملك العزة أو يهبها سواه .

2- اليقين بأن عزة الظالمين إلى زوال ،

وأنهم لايملكون دوامها فضلاً عن أن يهبوها غيرهم :

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً}
مريم:81، 82

{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}
النساء : من الآية139

وعندما أثبت بعض الضالين لنفسه عزة زائفة :
{يقولون لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ }

قال الله تعالى :
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لايعلمون }
المنافقون: من الآية8

ولما اختل مفهوم العزة الحقيقية عند قوم شعيب، فقالوا :
{قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ( 91 )
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }( 92 )
هود


3- صدق الانتماء لهذا الدين، وإن صاحبه هو العزيز، وغيره هو الذليل، كما قال الله :

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
المنافقون: من الآية8

{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
آل عمران : 139

أما الكافر وإن كان عزيزاً في الدنيا فمآله :
{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدخان : 49
{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} السجدة : 18


4- عدم الانخداع بما عليه الكفار من قوة مادية أو عسكرية ، فإنها لاتعني في موازين العزة الحقيقية شيئاً ،

{لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
آل عمران : 196، 197

وعز الآخرة وبؤسها لايقارن بما يكون في الدنيا، لا في حجمه أو نوعه أو مدته ،

ولا مرحباً بعز محدود يعقبه ذل ممدود، ومع هذا فإن الدنيا دار مدافعة يرفع الله فيها أقوماً ويخفض آخرين ،
ومن سنته أن جعل أيامها دولاً، ثم إن العاقبة للتقوى .

5- الاستقلال عن الأعداء، والاستغناء عنهم ، وعدم الاعتماد عليهم في شتى شؤون الحياة ،
وهذا لايتعارض مع الإفادة مما عندهم من تقدم مادي من أجل تسخيره لخدمة هذا الدين ،
وتقوية المؤمنين ، دون ذل أو خضوع أو تنازل .

لاتسقني ماء الحياة بـذلة * بل فاسقني بالعز كأس الحنظل :

{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}
النساء : من الآية 141

6- الأخذ بمقومات العزة، والالتزام بها .

7- إقامة المنابر التي تبث في الأمة روح العزة والكرامة والاستعلاء ، والاستغناء عن الآخرين ،
وتحميها من المؤثرات الوافدة بشتى صنوفها وأشكالها وأخص الإعلامية منها .


يتبع