بعد مرور قرابة الشهرين على علاقة الحب التي جمعتهما قرر كل من الشاب رائد والشابة فادية أن يعيشا معاً وتحت سقف واحد لكن خارج إطار الزواج الشرعي طيلة فترة تواجدهما في دمشق لإكمال دراستهما. "فادية" رأت بأن قرارها هذا يمثل حرية شخصية لا يمكن للمجتمع أو لغيره أن يحاسبها عليه مبدية ذلك بالقول: "أنا لا أعتبر أنني مخطئة في قراري لأنه نابع من حبي لرائد الذي وبكل تأكيد يشاطرني الشعور نفسه"، وحجتها الدائمة هي أننا نعيش اليوم في عالم بات يعتبر الحريات شيء مقدس.
في حين أن "رائد" اعتبر أن قرارهما بالعيش معاً قراراً منطقياً ولا يتعارض مع القيم والمفاهيم العصرية خاصةً وأنه تم بموافقة الطرفين، فيما يرى أنه ومن الخطأ مقارنة عصرنا الحالي بسابقيه لافتاً إلى أن لكل عصر قيمه وأخلاقياته.

ظاهرة
قصة "محمد" و "علياء" المشابهة للقصة سابقة الذكر مع بعض الاختلاف البسيط في الدوافع برهنت على أن قصة "رائد" و"فادية" التي لا تزال حديثة العهد إلا أنها ليست فريدة من نوعها بل كانت واحدةً من عشرات الحالات المشابهة مشكلةً لما بات يعرف شعبياً بـ"المساكنة" خارج إطار الزواج الشرعي، الأمر الذي جعل من هذه المساكنة ظاهرة آخذة في الانتشار.

أما الاختلاف في قصة "محمد" و"علياء" فيكمن في أن علياء لم تر في المساكنة حرية شخصية بقدر ما أنها مثلت فرصة لممارسة الحق الطبيعي في الحياة الزوجية التي حرمها "الظلم" منها، فهي فتاة يتيمة الأبوين عاشت ومنذ نعومة أظافرها في منزل عمها وزوجته الذان كانا يرفضان جميع "العرسان" الذين يتقدمون لخطبتها فيما قاربت سن "العنوسة" في سبيل بقائها "خادمةً" في بيت أبيها وزوجته على حد تعبيرها، الشيء الذي دفعها إلى هذا الطريق مؤكدةً أنها لم تكن ترغب أن تمارس حقها هذا خارج الإطار الشرعي والإجتماعي.

"محمد" بدوره أكد أنه يكن لـ"علياء" حباً كبيراً في قلبه وهو على استعدادٍ تام للزواج منها مشيراً إلى أنه عرض عليها الهروب معه ليتسنى لهم الزواج بعيداً عن الظروف التي حالت دون تحقيق ذلك إلا أنها رفضت الفكرة رفضاً قطعياً.

حالات وتبعات
هذه الظاهرة وإن كانت قليلة الحدوث فإن تاريخها يشهد بأن أغلب الحلات وإن لم نقل جلها قد فشلت وانتهت بغير ما ابتدت، كحالة "رامية" التي اكتشفت مدى الخطأ الكبير الذي ارتكبته بحق نفسها وحق عائلتها بعد مرور أربع سنوات "فقط" من المساكنة التي جمعتها مع صديقها "علاء" الذي أنكر كل وعوده السابقة لها بالزواج بعد إنهاء دراسته، ما دفعها للجوء إلى عملية ترقيع لغشاء البكارة لتغطية فعلتها واستعداداً لعقد قرانها على أحد أقاربها.

رامية ومن خلال قصتها التي ترويها بشكل لا تنقصه "الحرقة" ترى أن ظاهرة "المساكنة" بتبعاتها وتأثيراتها أضافت إشكالاً جديداً تمثل بخداع الطرف "الضعيف" على حد تعبيرها، والذي ترى بأنه لم يكن له أي ذنب فيما جرى، حيث ترى الفتاة نفسها في كثير من الحالات مجبرةً على القيام بعملية "الترقيع"، وهو ما يجعل من هذه العملية ظاهرة أشد خطورة من سابقتها.

تباين في النظرة
علم الإجتماع ومن خلال رأي الباحث الإجتماعي "باسل برة" اعتبر أن الحكم على هذه الظاهرة مرهون بطبيعة المجتمع الذي تحدث فيه، مشيراً إلى المجتمعات الغربية التي تنظر إلى المساكنة على أنها حرية شخصية وتتباها بذلك، وهو ما يظهرها بثوب المدافع عن الإنسان وحريته في الوقت الذي تعتبر فيه المجتمعات العربية أن هذه الأفعال تتنافى مع أخلاقياتها الإجتماعية وتعاليمها الدينية، الأمر الذي يستوجب في الكثير من البلدان العربية فرض عقوبة على مرتكبيها واعتبارهم زناة.

ويكمل "برة" بالقول:"أما في حال تناولها من الناحية المنطقية فهي ظاهرة غير صحية على الإطلاق لما فيها من تدمير للأسرة التي تعتبر المؤسسة التربوية الأهم، إلى جانب إحداث نوع من التفككات في الأسر والذي ينتج عنه بالضرورة تفسخ المجتمع في حال زاد انتشارها فيه".
ويرى "برة" أنه ونظراً لطريقة التفكير لدى الشباب العربي الذي يجمع بغالبيته الساحقة بأنه لا يفكر بالزواج من فتاة سبق وأن قامت بعلاقة جنسية غير شرعية سواء بالمساكنة أو بدونها فإنه يمكن الحكم مسبقاً على هذه الحالات بالفشل.

أما من جهة الدوافع فقد أوضح "برة" أنها متتعدة ومحكومة بسلسلة من العوامل أهمها الرغبة في محاكاة المجتمعات الغربية، وهو ما برهنته قصة "رائد" و "فادية"، ومن ناحية أخرى يمكن للظروف الإجتماعية أن تلعب دوراً في تفشي هذه الظاهرة، فـ"علياء" وكمثال على هذه الحالة لم تدخل في تجربة المساكنة برغبتها بل تحت ظروف معينة.

وإلى جانب العاملين السابقين أكد "برة" على وجود عوامل أخرى لها تأثيره الكبير في انتشار هذه الظاهرة كـ"الفقر" الذي كان أبرز تلك العوامل بالإضافة إلى "نقص الوعي" لدى فئة كبيرة من الشباب وإنعدام الوازع الديني مؤكداً على أن الحل ينبع من معالجة الأسباب.

تحريم واضح
أما من ناحية الشرع فقد أوضح الشيخ "عبد المنعم السقا" الدكتور في كلية الشريعة عدم وجود أي علاقة شرعية في الإسلام تجمع بين الرجل والمرأة سوى علاقة الزواج الصحيح والتام الأركان تحت أي ظرف من الظروف، معتبراً أن هذا النوع من التواصل يعتبر "زنى" ويستوجب إيقاع الحد الشرعي على الفاعلين.

وأشار "السقا" إلى أن لجوء بعض الشباب إلى كتابة عقد بينهما وبوجود شهود لا يعتبر شرعاً ولا حتى قانوناً زواجاً شرعياً تاماً، مؤكداً على ضرورة تبادل الألفاظ في القبول والإيجاب بين الزوجين وبحضور شاهدين على الأقل حتى يكون الزواج صحيحاً ومعترفاً به مؤكداً على أن هذه الشروط جاءت لحماية الفتاة من الوقوع في حالات كالتي حدثت مع "رامية" وليس للحد من الحرية الشخصية كما يردد البعض.

"السقا" أكد على عدم مشروعية الحمل في هذه الحالات، وعلى اعتبار المولود غير شرعي ولا يمكن الاعتراف إلا في حال إقرار الأب بذلك، على ألا يذكر أنه جاء من الزنا، فيما أكد بشكل أكبر على أن باب التوبة مفتوح لمن أراد أن يصحح هذا الخطأ، لكن ذلك مرتبط بأن يبدأ بتشريع الزواج أولاً يليه الاعتراف بالمولود.