بقلم: سارة السويعد


قلوب مغلقة، أنفاس محكمة، ووجوه تلمح في أعينها حرارة محرقة، تجدهم بجسومهم إناثاً وذكوراً في زوايا هذا الكون الفسيح، على رأس الأبرة يعيشون وقد ضاقت بهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم.
يتخطفون من ترمقه أعينهم، يعيشون كالرعاع بل هم الرعاع لا أحد سواهم شقي، ولا من دونهم قد ابتلي محقاً لبركة العمر والعمل.
أنَّى التفتّ يمنة أو يسرة وجدت صنفاً منهم؛ لا يروق لهم نجاح، ولا ينافسون في شرف.
يشتكون الضعف وقلة الحيلة، ولوكان لديهم قليل من الحكمة والهمة لكانوا أسوداً، ولكن ضعيف الهمة ومقصر العبادة يستهويه النقص.
ما أبخس عيش المضطرب!! وما أسقم حياة الذباب حين تسقط على السيئ والقبيح، ووالله ما أقسى أنفاس متتبع الناس وأحوالهم، وقد غاب عن القلوب معنى قوله تعالى: (وأصلح بالهم). [محمد: 2].
إن هدوء البال وراحته مطلب نفيس يأنس به من وعى نمط حياة يرسمها، وتدرج في خطوات يرتقيها له بعد، وهم كأمثال جبال تهامة لا يثنيه عنها أحد، ولا يهديه إلاّ الله، وكفى به سبحانه.
عن أبي قتادة بن رِبْعِيٍّ الأنصاري -رضي الله عنه- أنه كان يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُرَّ عليه بجنازة فقال: (مُستريح ومُستَراح منه)، قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: (العبد المؤمن يستريح من أذى الدنيا، ونصَبها إلى رحمة الله عز وجل، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب).
صدقت رسولنا وق***نا، إن المستريح هو من تخلّص من حقوق العباد واستعدّ ليوم المعاد.
المستريح هو من يرحل من هذه الدار وقد كان في دنياه من عُمّار بيت الله.
المستريح من عباد الله هو من يرحل من هذه الدار بعد أن أسّس بيتًا قائمًا على التقوى، وخلّف وراءه صدقة جارية أو علمًا يُنتفع به، أو ولدًا صالحًا يدعو له.
المستريح هو من كان خير الناس للناس، فعاش سعيدًا ومات حميدًا.
المستريح هو من حفظ السمع والبصر والفؤاد عن كل ما يغضب رب العباد. المستريح هو من يحلّق في هذه الحياة بجناحين: جناح الخوف وجناح الرجاء والطمع في ثواب الله.
المستريح هو من جعل الآخرة همّه، وعاش في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل، وأخذ من صحته لسقمه، ومن حياته لموته، واغتنم شبابه قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وفراغه قبل شغله وغناه قبل فقره.
هو باختصار من يعمل بأوامر الله على نور من الله يرجو ثواب الله، ومَن يتقِي محارم الله على نور من الله يخشى عقاب الله..... فهل أنت كذلك؟!
أما المستراح منهم فهم أصناف شتى، وهم سبب كل بلاء وشرارة كل مصيبة.
هم المترفون الذين يفسدون في الأرض ولايصلحون،قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
هم العصاة الذين انقطعت بمعاصيهم الخيرات ونُزعت البركات وأجدبت الديار وتأخرت الأمطار، هم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا من دعاة تحرير المرأة ومن مروّجي الرذيلة ومحاربي الفضيلة. هم المجرمون الذين يعيثون في الأرض فسادًا قتلاً للآمنين وترويعًا للمؤمنين، هم تجار المخدرات ومروّجو المسكرات والمفرّقون للأسر والجماعات، هم الذين أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات، هم المضيعون لأنفسهم بالتجرّؤ على حدود الله.
أولئك وأمثالهم تستريح منهم البلاد والعباد والشجر والدواب، فما نزل بلاء إلاّ بذنب، وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن الطيور في أوكارها والدواب في جحورها لتلعن عصاة بني آدم وتقول: إنما أوتينا من قبلكم. قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍٍ). [الشورى:30].
ختاماً:
انظرْ لنفسك ماذا أنت تختار؟
أتحبُّ أن تستريح أم يُستراح منك؟
أتحبّ أن يبكيك من يعرفك ومن لا يعرفك؟
أم تودُّ أن يبخل حتى محبوك بدمعة على فراقك!