فجرت الهدية التي قدمها الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى الرئيس اللبناني ميشال سليمان في قصر بعبدا أمس الأول، سيلا من الأسئلة لدى المهتمين والمواطنين على السواء، وهي عبارة عن جهاز «نانو سكوب» تنتجه إيران، وتقوم بصناعته ايضا ست دول أخرى في العالم فقط. وكان نجاد اهدى جهازاً مماثلاً الى امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهو يستخدم عادة في الأبحاث العلمية.
فما هو «النانو سكوب»؟ وأين سيستخدمه لبنان، وكيف؟ ومن هي المؤسسة التي ستتولى تشغيله؟ وماذا يمكن ان يستفيد لبنان من هكذا جهاز متطور وعالي التقنية والدقة؟
باختصار، يقول مرجع علمي معني لـ»السفير» أن جهاز «النانو سكوب» هو «ميكروسكوب» متطور جدا وعالي الدقة، وهو كاشف ضوئي (سكانر) في الوقت نفسه، وفي إمكانه مسح مضمون المواد المصنعة الصلبة لاكتشاف اخطائها الصناعية. ويعتبر «نانو سكوب» من منتجات علم «النانوتكنولوجيا» الذي يتعامل مع المواد على مقياس «النانو»، وهو جزء من البليون من المتر. ويختلف عن الميكروسكوب التقليدي، في أنه يستعمل الذرات بديلاً من الضوء، كي «يرى» تركيب المادة التي يتفحصّها.
يضيف المرجع: هناك حاجة كبيرة لضمان جودة الانتاج الصناعي وكفاءة التجهيزات الطبية والمتعلقة بتقنيات المواد غالية الثمن، والتي تصل إلى لبنان من دون التدقيق في جودتها. ويمكن للبنان استخدام هذا الجهاز في هذا المجال، وفي مراكز البحوث المختصة بصناعة المعلوماتية وعلوم المواد الجديدة، ولكن لا علاقة للجهاز بالطب بصورة مباشرة كما أشيع.
وعلم أن مجلس الوزراء سيعمد الى قبول هذه الهبة ـ الهدية في اول جلسة له، ويحولها إلى الجامعة اللبنانية، بعدما رسا عليها الاختيار، لأسباب لم تكن علمية بحتة، باعتبار أن الطلاب لا يستفيدون مبدئيا من هكذا جهاز. ويقول مختصون في هذا المجال انه كان الأحرى وضع هذا الجهاز في تصرف المؤسسة المعنية، وهي مجلس البحوث العلمية.
وكشف مصدر مطلع ان الجهاز عُرض قبل فترة على مجلس البحوث، ولقي ترحيبا بالغا. وأعد الخبراء في المجلس برنامج عمل مفصلا له للاستفادة منه الى أبعد الحدود، إلا أن المجلس فوجئ بقرار تحويل هذا الجهاز الى الجامعة اللبنانية. وتمنى المرجع العلمي وضع برنامج العمل المطلوب للجهاز لتحقيق الغاية المنشودة منه، والاستفادة من الخدمات التي يقدمها عمليا ونظريا.
تقنية النانو
تعني كلمة «نانو» باللغة اليونانية «قزم» والـ«نانو تكنولوجي» هو المقياس الذي يستخدمه العلماء عند قياس الذرة والالكترونيات، التي تدور حول نواتها.
والمؤسّس الفعلي لهذا العلم، هو عالم الرياضيات الاميركي أريك دريكسلر، حيث وضع كتاباً اسمه «محرّكات التكوين»، بسّط فيه الأفكار، ووضع الأساس لعلم «نانو تكنولوجي». ومقياس «النانو» هو جزء من المليار من المتر، و «النانو متر» هو جزء من مليون من الميليمتر. وتجدر الإشارة الى ان قطر شعرة الإنسان هي ثمانية آلاف نانومتر، و«النانو ثانية» هي جزء من مليار من الثانية. وهكذا، وعند هذا المستوى من التقنية والتقدم العلمي، فإن جميع القوانين الفيزيائية والكيميائية العادية، لن يبقى لها وجود، وسيصبح كل شيء مصنع على ضوء ثورة «النانو»، اصغر واخف وأقوى وأقدرعلى القيام بالمهمات المناطة به.
ويرى الخبراء انه على ضوء تقنية «النانو» الحديثة والمذهلة، سينعكس الأثر على كل الاستعمالات، خاصة الطبية منها وبشكل كبير جدا، وسيشهد التقدم العلمي في المجالات الصحية وغيرها من المجالات، طفرة لن يتخيلها العقل. وكان أول تطبيق لهذا العلم (النانو تكنولوجيا) في مجال الكمبيوتر، على الأقراص الصلبة. ففي عام 1988، توصل العالم (فير) الفرنسي والعالم (غرونبرغ) الألماني عبر بحوث مستقلة، لاكتشاف نظرية عن المقاومة، التي تظهر عند التعامل مع التيار الكهربائي والحقل المغناطيسي، على مستوى الذرات، وسمياها «المقاومة المغناطيسية العملاقة»، وتم تطبيقها عمليا في تخزين المعلومات على الأقراص الصلبة.
ويعمل الكمبيوتر على تحويل المجالات المغناطيسية الى تيار كهربائي، حتى يتمكن من قراءتها. والمعلومات الرقمية تحفر حفرا على المادة المخزنة عليها، على هيئة حقول مغناطيسية، وتكون على مستوى الذرة، واقل من ذلك بكثير، وفي نفس الوقت تحتاج الى آليات دقيقة جدا لقراءتها. وتتم عملية القراءة على أساس تحويل الحقول المغناطيسية الى تيار كهربائي، وبذلك يتمكن جهاز الكمبيوتر من التعرف عليها وفهمها.
وقد وضع العالمان فير وغرونبرغ نظريتهما المغناطيسية لصنع رؤوس متناهية في الصغر، وبحجم لا يزيد عن مجموعة صغيرة من الذرات، تستطيع التعامل مع الحقول المغناطيسية الفائقة الصغر. واستخدما علم «النانو تكنولوجي»، الذي يتعامل مع الأشياء في مستوى الواحد من المليون من الميليمتر، في صناعة تلك القارئات المغناطيسية.
كما استخدم العالم المصري أحمد زويل، الذي نال جائزة «نوبل» عن أبحاثه العلمية، تكنولوجيا «النانو» في ابتكاره كاميرا تستطيع أن تصور تفاعلات الذرة، خلال كسر من عشرة من النانو ثانية، فنال جائزة «نوبل» عن ابتكاره الذي يستطيع أن يصور الذرات أثناء تفاعلاتها فعلياً، وبالتالي يفتح مجالاً للتدخل والتحكّم فيها.
ويقول الخبراء انه في حال تمكّن العلماء من تصغير الأجهزة، إلى حدود فائقة الصغر، باستخدام تكنولوجيا النانو، فقد يصل الأمر إلى استخدامات مثيرة، مثل أجهزة قياس صغيرة جداً، تدخل في عروقنا لتجري فيها، وتشخّص كل ما تراه، ثم ترسل تقاريرها إلى كومبيوتر يثبت على الجسم من الخارج. وهكذا يمكن من خلال تقنية النانو تكنولوجي، صنع سفينة فضائية في حجم الذرة، يمكنها الإبحار في جسد الإنسان، لإجراء عملية جراحية، والخروج بدون جراحة. كما تستطيع الدخول في صناعات الموجات الكهرومغناطيسية، التي تتمكن بمجرد تلامسها بالجسم من إخفائه، ومن ثم لا يراها الرادار ويعلن اختفاءها. كما تتمكن من صنع سيارة في حجم الحشرة وطائرة في حجم البعوضة، وزجاج طارد للأتربة، وغير موصل للحرارة، وأيضا صناعة الأقمشة التي لا يخترقها الماء، بالرغم من سهولة خروج العرق منها.
لكن المثير جدا في الموضوع ، يبقى في تطبيقات تكنولوجيا النانو في عالم الكومبيوتر، بحيث يتم إدخال مواد بيولوجية من الكائنات الحيّة، لتندمج في الأسلاك وسائر أنواع الموصلات، ما يجعل منها عناصر ذكية قادرة على التجاوب، والتفاعل مع بقية الأجهزة التي يتألف منها الحاسوب.
ويتوقع العلماء استخدام تكنولوجيا النانو في العديد من الصناعات والاختراعات الدقيقة. وقد بلغت الصين مرحلة متقدمة في هذه التقنية حيث وصلت منتجاتها إلى عشرات المليارات من الدولارات. ومن المتوقع أن تواجه تقنية النانو، تغيرات واسعة في مجال علاج الأعصاب، والأدوية الصيدلانية، وتقنية المعلومات، والتحكم في التلوث. والمستقبل سيكون لتقنية صناعة النانو، التي يمكن أن تقود العالم إلى ثورة صناعية جديدة، اذ ان أنابيب نانو الكربون أقوى 100 مرة من الفولاذ، وأخف ست مرات منه.
وتعتزم شركه «نوكيا» للهواتف الخلوية استخدام تكنولجيا النانو في هاتف المستقبل. وقد وُلد النموذج الأول لهذا الهاتف بفضل برنامج تعاون بين «نوكيا» وجامعة كامبردج، وأطلق عليه اسم مشفر هو «مورف» (Morph) وهذا أول هاتف محمول يعتمد على سحر»النانوتكنولوجيا« أي التكنولوجيا المتناهية الصغر. ويحتضن هذا الهاتف، الذي ما يزال تصميمه نظرياً (Concept Phone)، بعض التطلعات المستقبلية، إذ يمكن طيه وجعله أطول، كما يمكن تغيير شكله الخارجي إلى أشكال تختلف تماماً في ما بينها، فضلا عن مزايا أخرى متطورة.
المهم ان ثورة «النانو» دخلت لبنان عبر الهدية الايرانية، لكن الأهم من ذلك ان تستقر هذه التكنولوجيا الحديثة في المكان المناسب حيث يمكن الاستفادة من خدماتها المتطورة والعالية الجودة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)