في وسط المدينة القديمة وبين حاراتها المترامية الأطراف، وإلى الشرق من "الجامع الكبير" يمتد سوق الحدادين، في حجارته القديمة قدم المدينة، ودكاكينه التي تربطه بالماضي، وتثبت للمار أن لهذا السوق حكاية لا يعرفها أحد سواها، يبدأ بسوق "السكيفاتية" وينتهي "بسيباط" يفصله عن أحد الأزقة التي تتوغل إلى داخل المدينة القديمة.



موقع eIdleb التقى السيد "مصطفى سماق" ليحدثنا عن أهمية السوق وإلى أي عهد يعود والذي يقول: «سوق الحدادين من أشهر أسواق أريحا القديمة، يلتصق بالجامع الكبير من الشرق، ويمتد باتجاه شمالي جنوبي، يزيد عمره على /600/ عام، يعود تاريخ بنائه إلى "العهد الأيوبي"، فالأيوبيون عندما شرعوا بتنظيم مدينة "أريحا" عمدوا أن يجعلوا كل مهنة في سوق مخصص، فكان سوق الحدادين إضافة إلى عدد كبير من الأسواق بجانبه، كسوق "الإسكافية" وسوق "التجار" وغيرها، ترتكز هذه الأسواق جميعها إلى الشرق من "الجامع الكبير" باعتباره مركز المدينة، أهتم العثمانيون به كثيراً من حيث التنظيم والأشراف، ولم يحدثوا فيه أي تغير، فلا يزال السوق على حاله الأولى التي نشأ عليها، تعرض السوق في فترة متأخرة لبعض الاعتداءات البشرية في جزئه الشمالي، حيث تم هدم بعض دكاكينه من قبل بعض الأشخاص وأعيد بناؤها ففقدت صفتها الأثرية السابقة».

ويضيف السيد "سماق": «سوق الحدادين سوق منظم ضم في السابق العديد من العاملين والحدادين، وكان لهم



مرجع في المهنة يطلق عليه "المعلم"، يعود إليه أهل السوق والمهنة في الاستشارة والرأي في أمور مهنتهم، لما لديه من خبرة كبيرة ومهارة عالية في هذه المهنة، كما يعودون إليه في فضّ النزاعات والخلافات إن وجدت، ويختص سوق الحدادين بالحدادة العربية بكافة أنواعها والتي تشمل "الأدوات الزراعية والصناعية والمهنية"».

كما كانت لنا وقفة مع السيد "رشدي بعيج" أحد الحدادين في السوق، والذي حكا لنا ما يعرف عن هذا السوق قائلاً: «صلتي بهذا السوق لم تنقطع منذ كنت طفلاً، فأنا لا أعرف مكاناً أكثر من سوق الحدادين، الذي يعتبر من أشهر المعالم في هذه المدينة، وربما يعود تاريخه إلى بناء مدينة "أريحا"، فأنا ورثت دكاني في هذا السوق عن عمي، الذي ورثه عن جده، شهد هذا السوق في فترة من الفترات حركة صناعية كبيرة، لأنه لم يكن له أي منافس في صناعة الأدوات الزراعية، وبقي يلعب هذا الدور المهم حتى نهاية الثمانينيات، بعد أن دخلت الآلة في العملية الصناعية، فاقتصر



دور السوق على صناعة بعض الأدوات الزراعية اليدوية».

أما السيد "عادل الحداد" فيقول: «اسمي واسم عائلتي مرتبط بهذا السوق، وجاءت هذه التسمية منذ القديم، لان أحد أجدادي القدماء كان يعمل بالحدادة، وجدي الذي سُميت عائلتنا باسمه هو الجد الرابع أو الخامس، وبذلك يكون عمر السوق على ما أعرف يزيد على /300/ عام، وتأتي أهميته من وقوعه في وسط المدينة القديمة وهو من المعالم المهمة».

كما التقينا الحداد السيد "مهيب تريسي" الذي يقول: «منذ وعيت على الوجود وأنا أعرف سوق الحدادين، وكثيراً ما كان يُحدثني والدي أثناء عملنا في دكان الحدادة عن هذا السوق، وأن هذا السوق ربما يزيد عمره على مئات السنين، على حسب ما روى له والده، جرى بعض التطور على طريقة العمل في السوق من حيث إدخال بعض الآلات الحديثة في العمل، ودخول الآلات الحديثة في الصناعة حد كثيراً من عمل السوق».

ويقول السيد "مجد تريسي" صاحب أحد الدكاكين في السوق: «لم يقتصر دور



سوق الحدادين على صناعة الأدوات الزراعية وأدوات البناء، فكان يختص بناحية أخرى وهي صناعة "الهراوات" وهي عصي ومقابض الأدوات الزراعية والبنائية التي تصنع بالسوق، حيث نقوم بجلب الأخشاب من الغابات والأحراش القريبة، ونقوم بتصنيعها على مقاسات "الفؤوس والمعاول"، وأما "الهراوات" الملتوية فنقوم بتكويرها، و"التكوير" هو تعريضها للنار حتى تلين ونتمكن من جعلها مستقيمة».