جاء في حكم وقصص الصين القديمة أن ملكا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له‏: امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا علي قدميك‏
فرح الرجل وشرع يزرع الأرض مسرعا ومهرولا في جنون‏..‏ سار مسافة طويلة فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها‏..‏ ولكنه غير رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد
سار مسافات أطول وأطول وفكر في أن يعود للملك مكتفيا بما وصل إليه‏..‏ لكنه تردد مرة أخرى وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد والمزيد‏..‏ ظل الرجل يسير ويسير.. ولم يعد أبدا‏‏
فقد ضل طريقه وضاع في الحياة، ويقال إنه وقع صريعا من جراء الإنهاك والتعب
لم يمتلك شيئا ولم يشعر بالاكتفاء والسعادة لأنه لم يعرف حد الكفاية أو القناعة

*******
ويحكى أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة لدى أحكم رجل في العالم‏ وعندما وصل انصت الحكيم بانتباه إلى الشاب ثم قال له:‏ الوقت لا يتسع الآن
وطلب منه أن يقوم بجولة داخل القصر ويعود لمقابلته بعد ساعتين ..‏ وأضاف الحكيم وهو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتين من الزيت:‏ أمسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك وحاذر أن ينسكب منها الزيت
أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط مثبتا عينيه على الملعقة‏..‏ ثم رجع لمقابلة الحكيم الذي سأله‏‏: هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام؟‏..‏ والحديقة الجميلة؟‏..‏ وهل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي؟‏
ارتبك الفتى واعترف له بأنه لم ير شيئا، فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت من الملعقة
فقال الحكيم:‏‏ ارجع وتعرف على معالم القصر
عاد الفتى يتجول في القصر منتبها هذه المرة إلى الروائع الفنية المعلقة على الجدران‏..‏ شاهد الحديقة والزهور الجميلة‏..‏ وعندما رجع إلى الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأى‏
فسأله الحكيم:‏ ولكن أين قطرتي الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟‏..‏ نظر الفتى إلى الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا‏..‏ فقال له الحكيم‏:‏ تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها إليك.. سر السعادة هو أن ترى روائع الدنيا وتستمتع بها دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت‏
فهم الفتى مغزى القصة فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء، وقطرتا الزيت هما الستر والصحة‏..‏ فهما التوليفة الناجحة ضد التعاسة
*******
يقول إدوارد دي بونو
:
أفضل تعريف للتعاسة هو انها تمثل الفجوة بين قدراتنا وتوقعاتنا‏