"تقدمنا في السن جعلنا نراجع الأطباء باستمرار، ماذا نفعل؟ لقد بات ذلك يثقل كاهلنا لذا قمنا بالاستعانة بابننا مادياً" هذا ما قالته السيدة ص.ش وهي تنتظر دورها في عيادة طبيب معروف بمدينة دمشق، لتعكس معاناتها و"معاناة الكثير من المرضى الذين باتوا يدفعون ضريبة تقدمهم في السن في جيوب بعض الأطباء" بحسب تعبيرها.


رغم تأكيد نقابة الأطباء التزام الأطباء بالتسعيرة المحددة من قبل وزارة الصحة ودعوتهم لرفعها إنصافاً لهم، وتأكيد وزارة الصحة بوجود نسبة التزام معقولة ما زالت ترد لسيريانيوز شكاوى تتعلق برفع التسعيرة من قبل أطباء.

أجور عالية
أثناء انتظارها بعيادة الطبيب قالت ص.ش "لم نعد وزوجي قادرين على تحمل تكاليف الأطباء، فأنا مصابة بضغط الدم والسكري، ويعاني زوجي أيضاً من السكري، هذا ما يضطرنا لإجراء المعاينة كل شهر".
وعن الأجور التي يدفعونها للطبيب قالت ص.ش إن "معاينة الطبيب ع .د تصل إلى 1500ليرة والمراجعة ألف ليرة، لكن هذا يفوق طاقتنا إلا أننا مضطرين لذلك".
أما ل.م فتعاني من مرض في القلب، وقد راجعت عدة أطباء ووصفوا لها أدوية سببت لها سمنة وإدرار مبالغ فيه إلى أن نصحوها بالطبيب أ.ن، فقالت" قام الطبيب بمعاينتي، وأجرى صورة إيكو وطلب مني ألفي ليرة، ودفعتها فنحن لا نفاصل الأطباء على أسعارهم".

الطبيب يستحق
وعن وضع زوجها الصحي قالت ل.م "يعاني زوجي من ألم بقدمه، ونصحه الأقارب بمراجعة الطبيب ش.أ الذي أعطاه دوراً بعد ثلاثة أشهر، وطلب حينها تخطيط أعصاب لزوجي مقابل 10 آلاف ليرة ".
ولكن سكرتيرة الطبيب قطعت الحديث لتقول"العيادة دائماً تعج بالمرضى الذين يأتون من مختلف المحافظات بناء على نصح أقاربهم، والطبيب هنا متقن لعمله وبذل جهداً حتى وصل إلى هذه المرحلة، فباعتقادي يستحق أن يطلب تسعيرة أعلى من المحدد له، ومن لم يعجبه ذلك بإمكانه مراجعة أطباء آخرين وهم كثر".

معيار غير عادل
ما يعانيه هؤلاء المرضى لم ينفه أحد الأطباء الذين التقيناهم فقال "هناك بعض الأطباء يطلبون أجوراً أعلى من المحدد لهم في قرار وزارة الصحة، ولكن ذلك مرتبط بمستوى خبرتهم والشهادات التي حصلوا عليها".
ولفت الطبيب الذي لم يرغب الكشف عن اسمه إلى أن "المعيار المعتمد من قبل الوزارة غير عادل، فهو يقسم الأطباء إلى طبيب أجره 500ليرة وسنوات ممارسته للمهنة أقل من عشر سنوات، وطبيب أجره 700 ليرة ممارس للمهنة لما يجاوز العشر سنوات".
وحذر الطبيب من ما سماه" الحملة التي تشنها الصحافة على الأطباء" فقال" لا أرى مبرراً من التهجم المستمر على الأطباء السوريين، رغم أن لدينا خبرات وكفاءات مهمة، ولكن باستمرار هذه الحملة سيفقد الناس ثقتهم بنا وبتنا نلحظ ذلك من خلال توجه المرضى لعيادات خارج القطر لتلقي الخدمة بأجور مضاعفة عشرات المرات".

شركات التأمين تربح
ولشركات التأمين نصيب في معادلة الطبيب والتسعيرة فقد رأي أحد الأطباء أن هذه الشركات هي السبب في تراجع وزير الصحة منذ أشهر عن قراره برفع تسعيرة الأطباء إلى ألف ليرة.
فيقول طبيب رفض الكشف عن اسمه" باعتقادي أن شركات التأمين السبب وراء إلغاء القرار القاضي برفع التسعيرة كونها تتولى دفع أجور الموظفين المؤمنين ومن مصلحتها أن يكون المبلغ منخفضاً، لأنها عبارة عن شركات ربحية يتركز عملها في الاستثمار بالمجال الطبي ".
ولفت الطبيب إلى أنه "إلى الآن لم يشترك مع أي شركة تأمين كون لا ثقة لديه بهذه الشركات" مستشهداً بزميل له لم يحصل على أجره من الشركة منذ ثلاثة أشهر،
لافتاً إلى أن "هذه الشركات تعمل بالاعتماد على بيئة الانترنت حيث تتواصل مع الأطباء من خلالها، وهي بيئة ضعيفة في بلدنا وغير مفعلة بشكل جيد فضلاً عن أنها تستهلك وقت الطبيب، لذا هناك أطباء بغنى عنها"

التزام بأجر غير منصف
"التزام الأطباء بالتسعيرة المحددة لهم يصل إلى 99.9%" هذا ما قاله رئيس فرع نقابة أطباء دمشق الدكتور يوسف أسعد لوصف نسبة الالتزام العالية بالتسعيرة مبيناً أن "هذه التسعيرة منخفضة وغير منصفة للأطباء" بحسب رأيه الشخصي.
وقال أسعد"برأي يجب أن يتم تعديل هذه التسعيرة، فالطبيب لا يمارس أكثر من ثلاثين عاماً في المهنة، ويقضي باقي الوقت في الدراسة ومتابعة تحصيله العلمي، فضلاً عن التكاليف التي يتحملها جراء شراء المراجع والسفر لمتابعة التحصيل العلمي، فجملة هذه الأمور تقتضي إعادة النظر في التسعيرة الحالية".
وأضاف أسعد"يعمل الأطباء وفقاً للقرار التنظيمي 79/ت الصادر عن وزارة الصحة بعام 2004 والمعمول به عام 2005الذي يضم تعرفة الأجور والمعاينات والأعمال الطبية والجراحية التي يقوم بها الأطباء".
ولفت أسعد أن "هناك الكثير من العمليات التي دخلت سورية بعد عام 2006 فضلاً عن دخول أجهزة طبية حديثة لم يحدد لها تسعيرة إلى الآن، ولكن يصدر أحياناً بعض الملحقات".
وأبدى أسعد استغراباً من تصرفات بعض المواطنين، فقال"هناك مرضى يذهبون إلى مشفى معروفة بارتفاع أسعارها أو يراجعون طبيباً عيادته مزدحمة باستمرار، ومن ثم يشتكون على هذه المشفى وذلك الطبيب بسبب غلاء الأسعار، فهذا أمر غير منطقي".
ولفت أسعد إلى أن "هناك مشافي شبه مجانية ومستوصفات مجانية وفيها خيرة الأطباء لكن لا أحد يقترب من "البلاش"، فضلاً عن دخول التأمين إلى القطاع العام وبعض شركات القطاع الخاص التي ستندرج لاحقاً جميعا ضمن شركات التأمين فهذا سيجعل الالتزام بالتسعيرة ملزماً".
ودعا أسعد إلى تعديل التسعيرة المعتمدة فقال"برأيي الشخصي يجب أن تعدل، فالبروفسور المصنف كأستاذ يجب أن تزيد تعرفته، ومن يمارس الطب منذ ثلاثين عاماً يجب أن تزداد تعرفته أيضاً، وهناك أطباء حازوا على بورد أمريكي وبورد كندي فهل يعقل أن يعاملوا كغيرهم!، ولكننا نسعى الآن إلى تعديل القانون بحسب الشهادات والممارسة والدرجة العلمية".

شكاوى قليلة جداً
وفيما يخص عدد الشكاوى التي وردت للنقابة وتتعلق برفع التسعيرة قال أسعد "خلال العام الحالي لم تردنا أكثر من 65 شكوى، ولكن نادراًً ما نتلقى شكاوى تتعلق برفع التسعيرة، فأغلب الشكاوى لسيدات قمن بعمليات تجميل، ولم تتوافق النتيجة مع ما طلبنه".
وعن آلية الشكوى والعقوبات الناجمة عنها، أوضح أسعد"إن أراد الموطن تقديم شكوى ما، فإنه يتقدم للنقابة بطلب مرفق بإثبات أن الطبيب تقاضى منه أجراً أعلى، فتقوم النقابة بدورها بإبلاغ الطبيب لإعادة المبلغ، وإن تكرر ذلك نقوم بتنبيهه تنبيهاً شفوياً ومن ثم خطياً، ثم نوجه له إنذاراً ومن ثم يتم اتخاذ عقوبات رادعة أكثر في حال تكررت المخالفة".
وأكد أسعد أنه"بإمكان المواطن ألا يذهب للطبيب المخالف فهناك أطباء كثر"لافتاً إلى أن "المواطن لا يميز في كثير من الأحيان بين المعاينة وما يرافقها من إجراءات أخرى كالايكو وتخطيط القلب وغيرها، فهذه الأمور لها أجر آخر مختلف عن أجر المعاينة".

لشركات التأمين دور
وزارة الصحة لم تنف عدم وجود الالتزام بالتسعيرة لدى بعض الأطباء لكنها أكدت أن هناك التزاماً جيداً من قبل أطباء.
قالت مديرة التأهيل والتطوير اديل القطيني لسيريانيوز" الالتزام موجود ولكن كلما ابتعدت عيادة الطبيب عن مركز المدينة والرقابة قل الالتزام"لافتة إلى أنه" بات من الملاحظ وضع الأطباء لائحة الأسعار في عياداتهم".
ولفتت القطيني إلى أن "دخول شركات التأمين إلى سورية سيحد كثيراً من ذلك، فالقطاع العام مسؤولة عنه الدولة، والقطاع الخاص تضمنه الشركات الحاضنة له ومن لم تضمنه مؤسسته تقوم وزارة الصحة بضمانه".
وكان وزير الصحة أصدر قراراً برفع تسعيرة الأطباء و تراجع عنه، وعن سبب التراجع قالت القطيني" يبدو أنه لم يتم التمهيد للقرار بشكل جيد، فأي زيادة في الأسعار بأي مجال سيشعر المواطن على الفور أنها تثقل كاهله".

دراسة كخطوة نحو التنظيم
[IMG]http://syria-news.com/pic/investigations/doctor_prices/****l.jpg[/IMG]وفيما يتعلق بالمعيار المعتمد حالياً لتصنيف الأطباء من حيث التسعيرة قالت القطيني "المعيار ليس منصف تماماً، ولكن فيه شئ من المنطق، و منذ عام تقريباً باشرت وزارة الصحة ببرنامج التطوير الطبي المستمر الذي يلزم الأطباء بحضور مؤتمرات وورش عمل ومحاضرات، ويحصدون من خلال ذلك نقاط تسهم بتصنيفهم، فضلاً عن الأبحاث التي يقدمونها التي تسهم بتصنيفهم أيضاً، ومشاركتهم في تطوير التعليم والنظام الصحي"لافتة إلى أن "كل طبيب ملزم بالحصول على 30 نقطة سنوياً و150 نقطة كل خمسة أعوام وستكون هذه النقاط من ضمن المعايير المعتمدة في تصنيف الأطباء".
ولفتت القطيني إلى "وجود دراسة في وزارة الصحة بالتعاون مع الجهات المختصة تم البدء فيها منذ عام تقريباً لتعديل جملة الأجور التي يتقاضاها الأطباء عن العمليات والأعمال الطبية وأجور المشافي وتصنيفها" مشيرة إلى أنه "سيكون هناك نقلة نوعية كون هناك الكثير من العمليات التي دخلت سورية، وتطورات طبية هامة غير مضمنة ضمن قرار الوزارة المعمول به منذ عام 2005 كالجراحات التنظيرية وجراحات العين(الليزر والليزك) وطفل الأنبوب وغيرها التي لا توجد ضوابط تحكمها بشكل جيد".