ماهية التكامل الاقتصادي العربي ....






مفهوم التكامل الاقتصادي العربي:


ينصب مفهوم التكامل الاقتصادي العربي في إعادة دمج الوحدات الاقتصادية العربية ( الأقطار العربية ) مع بعضها مقابل إنهاء تبعيتها للاقتصاد الرأسمالي بهدف تكوين وحدة اقتصادية كبيرة, تشكل القاعدة المادية الأساسية على طريق إقامة الدّول العربية الواحدة باعتبار أن هذه الصيغة تمثل الطريق الأفضل نحو الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية العربية, باتجاه تعجيل التنمية الاقتصادية لصالح الجماهير العربية.



لما كانت الوحدات الاقتصادية العربية تعاني من انفصالها عن بعضها مقابل ارتباطها وتكاملها بالاقتصاد الرأسمالي, فإن التكامل الاقتصادي, باعتباره المسألة المركزية في صيغة التحرر الوطني متمثلة بالتحرر الاقتصادي, يعني تحقيق هدفين مترابطين في آن واحد هما:



ــ إنهاء تبعية القواعد الاقتصادية العربية للاقتصاد الرّأسمالي و التي اقترنت بتجزئة الوطن العربي .


ــ إعادة دمج هذه القواعد مع بعضها لتكوين وحدة اقتصادية فيما بينها باتجاه تعجيل تنميتها والقضاء على مشكلة التخلف الاقتصادي لصالح رفع مستوى معيشة السكان في الوطن العربي .



دوافع التكامل الاقتصادي العربي :


تتمثل دوافع التكامل الاقتصادي العربي في الواقع الحالي بالظروف الغير طبيعية من اقتصادية و غير اقتصادية التي تحيط الأمة العربية و تشكل العوامل الدّافعة لها نحو رفض هذا الواقع بكل مظاهره السلبية.


فبالنسبة إلى الدّوافع و الأهداف الاقتصادية لاحظنا أنّ المنطقة العربية تشكل وحدة متكاملة في مواردها الاقتصادية ــ البشرية و المادية ــ إلاّ أنّها لا زالت تعاني من مشكلة التخلف و التبعية التي تظهر بوضوح بارتباط اقتصادات الأقطار العربية كلا حدة مع الاقتصاد الرأسمالي بشكل أقوى من ارتباطها مع بعضها.

كما أن عملية التنمية الاقتصادية القطرية تعاني من مشاكل و معوقات عديدة تؤدي إلى بطئها و ضعف قدرتها في تقليص اعتمادها على القطاع الاقتصادي الخاضع للاحتكارات الإمبريالية في الحصول على الموارد المالية.

كذلك فإنّ الأقطار العربية الأخرى غير المنتجة للنفط تعاني من ارتباط اقتصاداتها بشكل أو بآخر باقتصادات الدّول الرّأسمالية.


و من هنا يلاحظ أن هذه الدّوافع أو الأهداف الاقتصادية تفرض على الوطن العربي القضاء على مشكلة التخلف من خلال تعجيل التنمية الاقتصادية العربية و تحقيق زيادات عالية في الدّخول الفردية كخطوة أساسية نحو تقليص الفجوة التخلفية بين الاقتصاد العربي و الاقتصاد العالمي المتقدّم .


كذلك فإنّ هذه الدّوافع أو الأهداف الاقتصادية تتركز في إنهاء التبعية الاقتصادية و ذلك بتطوير الهياكل الإنتاجية العربية المعتمدة أساسا على إنتاج عدد محدود من المنتجات لصالح الاقتصاد الرّأسمالي, بالعمل على تنويع هذه المنتجات و تطوير الهياكل الاقتصادية كخطوة نحو تقليل الاعتماد على قطاع المواد الأولية الخاضع للاحتكارات الرأسمالية و تمهيدا لتوفير الإمكانات اللاّزمة لإخضاع هذا القطاع المحتكر إلى الاقتصاد العربي و تحرير الثروات القومية.


أمّا بالنسبة للدّوافع و الأهداف غير الاقتصادية, فإنّ الدوافع العسكرية تبرز بحدّة في الوطن العربي نتيجة المخاطر العديدة التي تتعرّض لها الأقطار العربية كلا على حدّة في نضالها ضدّ المعسكر الاستعماري , و تفرض هذه الدّوافع نفسها في إقامة التكامل الاقتصادي العربي من خلال العجز الواضح لكل قطر عربي لوحده في مواجهة التحديات الاستعمارية , و تعتبر قضية فلسطين من أكثر القضايا العربية التي أكدت فيها التجارب عجز الأقطار العربية نتيجة انعزاليتها , ليس فقط في استرداد الأراضي التي اغتصبت بعد عام 1948 , بل حتى في المحافظة على البقية الباقية من أرض فلسطين .

إذن هناك دوافع قوية بهدف إقامة تكامل عسكري عربي يستند إلى تكامل اقتصادي عربي متين باعتباره الوسيلة الأساسية ليس في الحفاظ على ما تبقى من الأرض و الكرامة العربية بل كذلك في استرداد ما اغتصب منها في العقود الماضية و كسب احترام الأمم الأخرى , نظرا لأنّ منطق القوة هو الذي فرض وجوده دائما في الصراع القائم بين الحق العربي و بين الاغتصاب الذي مارسه الاستعمار و الكيان الصهيوني .


من الدّوافع غير الاقتصادية الأخرى في إقامة التكامل الاقتصادي العربي هي الدّوافع السياسية , فإذا علمنا أن هدف التكامل هو تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية كخطوة أساسية نحو تحقيق الوحدة السياسية , أدركنا ضرورة رفض واقع التجزئة الحالي باتجاه إقامة الدّولة العربية الواحدة .