ما هو الفارق الذي جعل بن علي يرحل سريعا، وجعل مبارك يعاند، رغم أنك إذا قارنت الخراب الذي جلبه مبارك لمصر بالخراب الذي جلبه بن علي، فسوف تتوصل بسهولة إلى أن خراب مبارك يساوي أضعاف خراب بن علي. فقد دمر مصر تماما؛ دمر روحها.. دمر موقعها في محيطها.. دمر مؤسساتها وبنيتها.. ودمر احترامها لذاتها واحترام العالم لها.
الفارق أن بن علي لص يدرك أنه لص، لذا فقد امتلك حسا واقعيا جعله يدرك أن لحظة الهروب قد حانت. أما مبارك فيظن أنه إله. لقد أنتجه نظام ينتج آلهة لا زعماء وقادة. ومن له الحق في أن يطلب من إله أن يرحل؟ هو ليس موظفا عند الشعب. الشعب شلة موظفين عنده، وهو من يستطيع أن يطرد هذه الشلة لا العكس.
وما دام إلها، فإن كل ما تصنعه يداه جيد، حتى لو رأى المصريون أنه ليس كذلك. ألا ترى كيف أن إله العهد القديم وقف ونظر إلى صنع يديه بعد أن صنعه فأعجبه جدا: (ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدا)! كذلك هو الحال مع مبارك، فهو يعتقد أن كل ما صنعته يداه حسن جدا. بل إنه منذهل كيف أن بعض المصريين لا يرون أنه حسن جدا. وهنا المشكلة الحقيقية. فثمة شخص يقود عصابة لصوص مع ذلك فهو يظن نفسه إلها. لذا فهو مستعد لأن يحرق مصر كلها قبل أن يرحل.
ولأن هذا هو الواقع، فمهمة ثورة مصر أصعب بكثير من مهمة ثورة تونس. إذ عليها أن تلغي نظاما إلهيا وأن تحل محله نظاما بشريا. أما ما هو مطلوب في تونس فهو الإصلاح والتعديل لا أكثر.
من أجل هذا ستأخذ الثورة المصرية وقتا أطول بكثير من الثورة التونسية. لا أقصد ذهاب مبارك، فهو في أغلب الظن سيذهب في خلال. بل أقصد مهمة خلق نظام بشري يعتاد عليه المصريون، الذين عاشوا لأكثر من ستين عاما في ظل نظام من الفراعنة الآلهة.