على ضفاف النيل...بقلم محمد عبد الوهاب جسري

اقتربت سعاد من سرير أمها المريضة والدموع تفيض من عينيها قائلة:

_ أمي، سامحيني، سأغيب عنك بعض الوقت

_ لا تذهبي يا ابنتي، أخشى أنك لن تعودي....

_ سأذهب يا أمي، منذ قليل سمعتُ مناشدات لتقديم المعونات الطبية لشبابنا في "ميدان التحرير".

_ وماذا أنتِ فاعلة يا ابنتي، أنتِ لا تملكين أكثر من ثمن الخبز.

_ انتهبي إلى نفسك إلى حين عودتي ولا تقلقي عليّ إن تأخرت، لا تتوقفي عن إرسال دعواتك لنا....

خرجتْ سعاد تبحث عن صديقتها سميحة علها ترافقها في رحلتها إلى المجهول....

ها هي تراها من بعيد فتتغير ملامح وجهها، ترتسم الابتسامة البريئة للقاءها بجارتها في مقعد الدراسة لمدة ست سنوات متواصلة.

_ نويتُ التوجه إلى "ميدان التحرير" فقد تعرضوا البارحة لهجوم همجي، وأمضوا الليل سهراً في حماية أنفسهم واسعاف الجرحى، وقد أرسلوا نداءً، هم بحاجة إلى معونات لتقديم مواد طبية. هل تذهبين معي ؟

_ لستِ بحاجة لأن تسأليني، فهناك الأخوة والزملاء والجيران....

_ سنبحث أولا عن من يشتري مني هذه، وأشارت إلى اسوراة رقيقة تزين معصمها، ثم سنشتري بعض المواد الطبية والغذائية....

دخلت سميحة إلى غرفتها، وأخرجت شيئاً من مدخراتها فهي أيضاً تريد أن تشارك في دعم الشباب الذي يتعرض إلى هجمات همجية من الرعاع أمام عين قوى الدولة كلها.

سارت الفتاتان بخطى حثيثة تغمرهما نشوة الشعور بتأدية الواجب الوطني، رغم أن المسافة طويلة، ولا توجد وسائل مواصلات فقد سارتا ساعتان إلى أن وصلتا إلى منطقة قريبة من ميدان التحرير، حيث بدت عليهما علامات الفرح، بدأتا تزودان لمحاولة الدخول...

لم تكلل جهودهما بالنجاح خلال ساعتين من المحاولة تعرضتا فيهما للكثير من المخاطر.

بدأت عيناهما تتحيران تبحثان عن أمل، حين اقترب منهما رجل يظهر بمظهر محترم، على ما يبدو كان يراقبهما منذ فترة، وبكل لباقة شكر لهما جهودهما وطلب من سعاد أن تشير له إلى أخيها إن كانت تراه بين الشباب المتظاهرين ليوصل له الأمانة بنفسه، أعطته الأكياس وشكرته...

ابتعد الرجل عدة خطوات ولازال يسمع كلماتها وهي تدعو له عندما التفت اليها ضاحكاً وهو يرمي ما أخذه منها في نهر النيل قائلاً: أرسلتها له... أخبريه أن عليه يذهب لاستلامها. 13:35 Feb.03.2011