يروى أن تاجرا عراقياًقدم إلى مدينة الرسول الله (ص)، بعدْل من الخُمُر، فباعها كلها إلا السود، فلم يجدلها طالبا، فكسدت عليه وضاق صدره فقيل لـه: ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي، وهو منمجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة، فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد،فأتاه وقص عليه القصة. فقال له: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذهالحال؟. فقال له التاجر: أنا رجل غريب وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرّع إليه. فقال له الدارمي: "ما تجعل لي على أن أحتال لك حيلة قد تبيعها كلها على حكمك؟" فأجابه التاجر العراقي: "ما شئتَ". فخرج الدارمي من المسجد، وعمد إلى ثياب نسكهفألقاها عنه، وأعاد لباسه الأول، وقال شعراً ورفعه إلى صديق له من المغنيين، فغنىبه وكان الشعر:
قل


للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بزاهدمتعبد
قد كان شّمر للصلاة ثيابه
حتّى خطرت له بباب المسجد
ردي عليهصلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد




فشاع هذا الغناء فيالمدينة، وقالوا: قد رجع الدارمي وتعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحةبالمدينة إلا واشترت خماراً أسوداً، وباع التاجر ما كان معه، فجعل إخوان الدارمي منالنساك يلقون الدارمي، فيقولون له: ماذا صنعت؟. فيقول: ستعلمون بنبأه بعد حين. فملاأنفذ العراقي ما كان معه رجع الدارمي إلى نسكه ولبس ثيابه"