الوصية الثالثة:

في ظل علو العالم الغربي وخاصة أمريكا، وتفوقهم الاقتصادي والعسكري، تلهث معظم دول العالم للالتحاق بركبهم، والاعتماد عليهم، فلا تكونَنَّ من هؤلاء! بل لا بد أن يكون لك تميزك الخاص، واستقلالك المتفرد، ولا يعني ذلك عدم إقامة علاقات معهم، ولكن لا تكن هذه العلاقات علاقة تابع بمتبوع، إنما علاقة الند بالند، والنظير بالنظير، وأنتم لستم قليلين، إنما أنتم بالله كثير، بل أكثر منهم وأعز إن شاء الله، ولا مانع من السعي لدخول الاتحاد الأوربي لتحقيق طفرات اقتصادية وسياسية وحقوقية وغير ذلك، ولكن لا بد أن تنظر بعين الخبير إلى الثمن المدفوع، فلو كان من دينك أو حريتك أو استقلالية بلادك فلا تقبل أبدًا، وإن خفتم عالة فسوف يغنيكم الله من فضله..

ولا تنسَ أن أمريكا والاتحاد الأوربي وغيرهم من أهل الدنيا لا يبحثون إلا عن مصالحهم، ويوم كانت مصالحهم في إسقاط الخلافة العثمانية العظيمة سعوا إلى ذلك بكل طاقاتهم، واشتركت إنجلترا وفرنسا وأمريكا وروسيا في تفكيك الكيان الكبير، واجتهدوا لمسخه ومحوه من الوجود، ولكن أبى الله إلا أن يخرجك أنت وإخوانك الشرفاء إلى الدنيا مرة ثانية، لتعلنوا بفخر أن الإسلام لا يموت أبدًا، وإن نسي بعض الأتراك هذا التاريخ فالغرب لم ينسه أبدًا، ويظهر ذلك في أقوالهم وأفعالهم، فضع عينيك في رأسك، والتفت إلى ما يحاك لك، ولا تضع بيضك كله في سلة أمريكا أو الاتحاد الأوربي، بل وسِّع علاقاتك، وعمِّق جذورك، وابحث عن البدائل العالمية المفيدة، وقبل ذلك وأهم اعتمد على قوتك الداخلية في تركيا، وعلى قوة إخوانك المسلمين في الأقطار الإسلامية المختلفة.

ودعني أهمس في أذنك وأقول لك: إن خبرتي بتاريخ الأمم تشير إلى أن نجم أمريكا في أفول، وأنها لا تسير إلى قوة بل إلى ضعف، وأن الزمن زمن تغيير، وسيشهد المستقبل القريب اختلافًا كبيرًا في موازين القوى العالمية، فلا بد أن يكون لك مكان على ظهر هذا الكوكب، وخاصة أنت، فأنت لست مسلمًا فحسب، ولكنك صاحب ميراث عظيم، فأنت حفيد قوم كانوا يحكمون نصف العالم، وسيعيد الله بإذن الله الحكم من جديد، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.






الوصية الرابعة:

لا بد للقائد المسلم من الاهتمام بقضايا أمته الإسلامية حتى وإن لم تكن تحت سيطرته المباشرة، فهو لا يهدأ له بال لرؤية انتهاكات حقوق المسلمين في أي مكان، فلا تتركن قضية من قضايا المسلمين إلا ويكون لك دور فيها، وفي مقدمة هذه القضايا قضية فلسطين، فهي قضية فارقة، فمن جاهد في سبيلها أعزه الله، ومن أهملها أو خانها أذله الله، وفلسطين هي شرف المسلمين، ونحن قوم قد نعيش بلا طعام أو شراب، ولكننا لا نعيش بلا شرف، فلا يغمضَنَّ لك جفن وهذه الأرض المباركة محتلة، إنما عليك بالعمل الدءوب حتى تعيد الأمور إلى نصابها، ولتراجع جيدًا قصة جدك العظيم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، الذي ضحى بملكه لكي لا يشارك في جريمة بيع فلسطين، فسِرْ على نفس الدرب مهما كانت الأثمان، ولتُعْلِ شأن الجهاد في بلدك، ولتحفز الشعب على تقبُّل تبعات مقاومة المشروع الصهيوني، مع علمي الكامل بتاريخ العلاقات التركية الصهيونية، ومع تفهمي لخطواتك المتدرجة، ومع إدراكي لوجود قوى تركية كبيرة تعارض مسارك، لكن -في النهاية- لن تعفيك الأمة من دورك في هذه القضية المصيرية، فلا تخذلن الشعوب المسلمة، ولا تقبلن برعونة صهيونية، أو تصلب يهودي، واعلم أن فلسطين أحد أكبر بواباتك إلى الجنة، كما أنها أحد أكبر بواباتك لقلوب المسلمين.

ولا تنس في خضم سخونة الأحداث في فلسطين أن هناك قضايا أخرى تحتاج إلى جهدك وفكرك، وفي مقدمتها العراق الشقيقة المجاورة لك، وكذلك أفغانستان وكشمير، وكذلك المسلمون في التركستان الشرقية، وقَدَرُك أن توجد في زمان كثرت فيه آلام المسلمين، لكن تذكر أنه على قدر الجهد يكون الأجر بإذن الله، وعلى قدر الإخلاص يكون التوفيق من الله



الوصية الخامسة:

لا تغفلن النظر الدائم في الشئون العربية، وليكن من أخص خاصتك من يتفرغ لهذا الشأن، فمكانتك في قلوب العرب كبيرة، وقيمتك محفوظة، وأنا أعلم أن هناك ميراثًا قديمًا من الكراهية بين العرب والأتراك زرعته ظروف مختلفة، ولكن آن الأوان للتخلص من هذا الميراث البغيض، ولتفرِّق في نظرتك بين الشعوب العربية وحكامها؛ فالشعوب العربية عاطفية، وتحب الإسلام بفطرتها، ويتحرك هواها مع من رفع الراية الإسلامية ودافع عنها، وتنتفض للشهامة والرجولة والمروءة، وتسعد بالخطباء الشجعان، وتسير وراء القواد الربانيين، فإذا وجدت هذه الصفات في قائدٍ رفعته إلى السماء ولو لم يكن عربيًّا، ولقد سرنا قبل ذلك خلف نور الدين وصلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس، وجميعهم ليسوا من العرب، والله لا ينظر إلى الصور والأجسام، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، فكلنا معك ما دمت مع الله، وكلنا نحبك طالما تحب كتاب الله وسنة رسوله ..

أما الحكام العرب فغالبهم يبحث عن مصالحهم الخاصة، وقد يكرهونك كثيرًا، ويبغضونك طويلاً، فإنه كلما علا نجمك خسروا، وكلما ذاع صيتك حزنوا؛ فشعوبهم المقهورة تقارنهم بك، وأين الثرى من الثريا؟! فلا يحبطنَّك تعليق من أحدهم، ولا يزعجنك مقال في إعلام بعضهم، إنما هي فقاعات لا تلبث أن تزول

{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17]،

فلا ترفعَنَّ عينك عن الأمة العربية، فهي عمقك الاستراتيجي، وسندك في مواقفك القادمة، ولتحرص على مواقف فاعلة في ميادين السياسة والاقتصاد والعلوم والإعلام، ولتعط اهتمامًا خاصًّا لدولة السودان؛ فشعبها الأصيل في حوجٍ لك، وقيادتها ليست بعيدة عن توجُّهك، ووحدتكما نفع للفريقين، وحماية للمسلمين، ونكاية للصهاينة، وخير كثير إن شاء الله. ولتهتم باللغة العربية، ولتعمل على نشرها في بلدك وفي الدنيا، فهي ليست مجرد لغة قوم من الأقوام، إنما هي لغة القرآن، فمن وعاها أدرك الكثير، ومن أتقنها فَهِم المعاني، وفتح الله له من أبواب المعرفة ما لا يدركه غيره.