««صديقة الدرب»»
ثلاثة رجال كانوا يبحثون عنها، كل منهم لا يعرف شيئاً عن الآخر. قدموا بلاغاتهم إلى أجهزة الأمن، وبلاغ كل منهم يكاد يكون صورة كربونية عن الآخر…
تزوجوها ولم يمض شهر على هذا الزواج واختفت الزوجة في ظروف غامضة ومعها مبلغ من المال! الأزواج الثلاثة ظنوا أن زوجتهم تعرضت لحادث مؤسف، أو كانت ضحية للخطف بعد سرقة المنزل. ولكن لم يخطر لأي منهم أنها خدعتهم جميعاً وهربت بأموالهم بحثاً عن مغامرة جديدة! وللمرة الأولى اجتمع الثلاثة مع سحر في مكتب رئيس المباحث بعد العثور عليها… وتوالت المفاجآت.
كانت تتمتع بذكاء فطري وقدرة فائقة على التغلغل داخل العقول، وببساطة يمكنها أن تجبرك على تصديقها. براءة عينيها ومنطقها القوي في الحديث ساعداها على إقناع الآخرين بصدق حديثها رغم أنها تتنفس الكذب، ولا أحد يعرف بالتحديد حقيقتها. في ثلاثة أشهر فقط نجحت سحر في الجمع بين ثلاثة أزواج دفعة واحدة! كل زوج استمرت معه شهراً واحداً قبل أن تهرب ومعها أمواله تاركة وراءها العشرات من علامات الاستفهام… لم يخطر ببال أي زوج من الثلاثة أن زوجته المختفية محترفة للجمع بين الأزواج والتلاعب بهم كيفما تشاء. وتروي سطور المحاضر التي حررها الأزواج الثلاثة حكاياتهم مع سحر، وشتان الفارق بين المشهد الأول الذي كان يسطر قلق الأزواج على زوجتهم وبين المشهد الأخير الذي صدم مشاعرهم عندما تم القبض عليها! لم تستطع سحر أن ترفع رأسها لتواجه حسن وفرج وإبراهيم، ولسان حال كل منهم يصرخ: لماذا؟ وكيف؟ ولكن سحر لم تستطع هي نفسها أن تجيب عن هذا السؤال، واكتفت باعترافاتها بالجمع بين الأزواج وتزوير المحررات الرسمية وسرقة أزواجها.
البلاغ الأول
البلاغ الأول كان في أحد مراكز شرطة مدينة ساحلية، مقدمه صاحب محل أجهزة كهربائية. كان التوتر يكسو ملامحه عندما روى لضابط المباحث أنه تعرف الى فتاة ظروفها قاسية، تركت أسرتها بسبب تعذيب زوج والدتها، ولم تكن تملك مكاناً تقيم فيه. رق قلب إبراهيم صاحب محل الأجهزة الكهربائية للفتاة وعرض عليها أن تعمل عنده، ووفر لها مكاناً لتقيم فيه، ولم تمض أسابيع على التحاقها بالعمل عنده حتى بدأت الفتاة تغزل حوله شباكها، واستطاعت أن تنجح في إقناعه بالزواج منها رغم أنه متزوج وله ثلاثة أبناء. يؤكد الزوج الأول أنه عاش مع سحر أجمل أيام حياته، فعوضته عن سنوات طويلة من الحرمان بعدما أصبحت الحياة بينه وزوجته الأولى روتينية، رتيبة، مملة، وجعلت سحر من منزله الثاني الجنة المنشودة. لم يبخل عليها بشيء، كل طلباتها كانت كالأوامر بالنسبة اليه، بل فكر إبراهيم جدياً في تطليق زوجته الأولى حتى يتفرغ تماماً لسحر، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة. وامتلكت سحر بأسلوبها المعسول عقله وقلبه، وشعر أنه لا يستطيع أن يتحمل غيابها عنه لحظة واحدة!
بغريزتها الأنثوية أدركت أن الرجل يعاني حرماناً عاطفياً حاداً، وتمكنت من ملء هذا الفراغ، وفي أيام قليلة امتلكت كل شيء. ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فبعد مرور شهر واحد من الزواج عاد إبراهيم من إحدى رحلات العمل وهو محمل بالهدايا، فتح باب شقته ونادى على سحر، خفق قلبه بقوة لأنه لم يجدها كعادتها أمامه، واكتشف أنها ليست موجودة. لمح الزوج بعثرة في بعض محتويات المنزل، واختفاء الأموال التي كان يحتفظ بها في خزانته وكذلك بعض الأغراض الثمينة. ولم يلحظ أن زوجته جمعت كل مقتنياتها قبل أن تغادر المكان، وظن للوهلة الأولى أنها تعرضت لحادث سطو وتم خطفها فسارع الى إبلاغ الشرطة.
البلاغ الثاني
البلاغ الثاني قدمه محاسب شاب يدعى حسن أكد أنه تعرف الى شابة في بداية العقد الثالث من عمرها أثناء وجوده في مقهى. تجاذب معها أطراف الحديث، وروت له أنها حصلت على طلاقها من عجوز تزوجته لمدة شهر وعذبها، وبكت سحر وهي تؤكد لحسن أنها ضحية والدها الطماع الذي باعها لهذا الرجل في صفقة زواج غير متكافئ! تعاطف معها حسن، وتوالت لقاءاتهما، وسرعان ما سقط في حبها حتى أذنيه، ولم يعد يستطع الاستغناء عنها. فكانت سحر تجيد تماماً الإيقاع بالرجال، ولم يكن عند المحاسب الشاب أي خبرة في الحياة تحميه منها!
صارحها برغبته في الزواج منها رغم ظروفها الغامضة، وتمكن من إقناع أسرته، بل فرض رأيه عليهم وصمم على الارتباط بها وسط اعتراضات مستمرة من والديه، واشترى لها شقة في منطقة شعبية وتم الزواج. عاش معها أجمل أيام حياته، لكن هذه السعادة لم تستمر إلا ثلاثين يوماً، وأفاق من الحلم الجميل ليجد أمامه كابوساً مريعاً، فقد اختفت سحر وكأنها سراب، وأخذت معها تحويشة عمره التي كان يحتفظ بها في درج مكتبه! ظن حسن أنه يحلم، وراح يبحث عنها في كل مكان والدموع لا تجف من عينيه، ولم يجد في النهاية أمامه سوى إبلاغ الشرطة باختفاء زوجته ورافضاً أن يتهمها بسرقته.
البلاغ الثالث
لم يكن بلاغ فرج يختلف كثيراً عن سابقيه، ولكن ظروف الزوج نفسه كانت مختلفة، فهو قارب الستين، يعمل في مجال التجارة، وفوجئ في أحد الأيام بشابة تطلب أن تتحدث إليه على انفراد، واستطاعت سحر خلال هذا اللقاء أن تستحوذ على عقل فرج بأسلوبها المعسول. طلبت منه أن يساعدها في البحث عن عمل. قصت عليه حكاية وهمية لأسرتها التي طردتها بدافع الفقر، فتعاطف معها ومنحها مبلغاً من المال، وأرسلها إلى أحد محلاته لتعمل فيه. ولكنه ظل يفكر فيها، وأدركت سحر أنها نجحت في مهمتها، وأخذت تستغل ولع العجوز بها، ولم تمض أسابيع حتى فاتحها برغبته في الزواج منها، خصوصاً أنه يعيش وحيداً بعد موت زوجته. وافقت سحر على الفور، وأمضى الرجل معها أجمل ثلاثين يوماً في حياته…
وتكرر السيناريو: هربت العروس في شهر العسل وسرقت أمواله. فأبلغ الشرطة واتهمها صراحة بسرقته، وبدأت أجهزة الأمن رحلة البحث عنها، وكانت نهاية «صائدة الأزواج» أسرع مما تخيلت. أخطرت المباحث مصلحة الأحوال المدنية وإدارة الجوازات بكل بيانات سحر، وبالفعل كانت الزوجة الهاربة تستعد لاستخراج بطاقة جديدة ببيانات مزورة، وأدرك الضابط أن الصيد سقط في الفخ!
طلب منها أن تنتظره برهة، وكلف أحد مساعديه مراقبتها ومنعها من الخروج في الوقت الذي تم استدعاء رجال المباحث ليلقوا القبض على الزوجة الهاربة قبل تسللها من باب مصلحة الأحوال المدنية.
في مديرية الأمن كان المشهد مثيراً: الأزواج الثلاثة تعرفوا عليها في صوت واحد، وصمتت سحر وأكدت أن كل اتهاماتهم صحيحة، فهي بالفعل جمعت بين ثلاثة أزواج في وقت واحد، وقامت بالتزوير في الأوراق الرسمية. وفي جملة مقتضبة أكدت أنها تعاني بعض الظروف الاجتماعية التي دفعتها لارتكاب هذه الجرائم وقررت النيابة حبسها.
يَا سُـــورْيَا لاَ تنْحَنِيِ .. .. أَنَا لاَ أُذَلُ وَلاَ أُهَــــاَنْ
خَلِّي جَبِينَكِ عَاَلِيـــــاً .. .. مَادُمْتِ صَاحِبَةُ الْمَكَانْ
للاستفسار او مساعدة راسلوني على هاد الايميل
[email protected]
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)