تاجر ورجل أعمال عصامي يعتز بالجانب الحضاري للتاجر في بلاد الشام، ولكنه إعلامي من طراز فريد لا يقبل المهادنة وأنصاف الحلول، وإن كان لا يحب السياسة كما يعترف. في طريقته الإعلامية شيء من المغامرة، لكنه يقول ويؤكد أن الشهيد محمد البوعزيزي كسر جدار الخوف عنده وعند الملايين في الشارع العربي، ولا يمكن أن نعود إلى الوراء، إلى عصر العبودية.
الشعب يطالب بالحرية والكرامة وإنهاء الاستبداد، ولا يمكن الرجوع عن هذه المطالب المبدئية السامية. الأستاذ عبود هو أول إعلامي يدلي برأيه لقراء 'القدس العربي' في أحوال الثورة العربية التي تتخذ أشكالا متعددة، لكن الهدف واحد. سيرى القارئ أن درجة حرارة الحوار عالية، لأن الجراح كبيرة والآمال أكبر.

* مشروع محطة فضائية، كيف جاء التفكير بقناة المشرق 'أورينت' هذا المشروع الإعلامي؟
* 'الحقيقة أهم دافع للمشروع الإعلامي هو وجود المال والقدرة على الاستثمار فيه. وقد رأيت، بعد أن نزلت قيمة الاستثمار الفضائي، أن إنشاء مؤسسة إعلامية فضائية ممكنة لرجل أعمال من الطبقة ما فوق الوسط، بعد أن كان حكرا على ميزانيات دول. وهذا أصبح يشجع كثيرا من المستثمرين للدخول في مجال الإعلام. طبعا، الجانب الثاني هو الجانب الحي في طبيعتي، هذا الجانب الذي رفض أن يموت. أنا خريج إعلام وصحافة، وإن كانت الدنيا أخذتني على مدار 16 سنة في مجال 'البزنس' وإدارة الأعمال والتجارة والاستثمار حتى في المجال الصناعي والزراعي. لكن هذا الصحافي ظل ساكنا في داخلي وظل الهاجس الأساسي له، الهم العام وما يحدث حولنا في المنطقة. من هذا المنطلق نبعت فكرة أن يكون لي مشروع إعلامي. وهناك أيضا سبب آخر هو إحساسي بغياب الصوت السوري الحيّ، لأن وسائل الإعلام الحكومية للأسف كانت تصور الأمر كما لو أن الشعب السوري والناس في سورية مجندون على خط النار ولا يجيدون لغة غير ثقافة القتال والإشكاليات مع الجوار وغير الجوار. فأنا بدأت من منطلق: نعم نحن شعب مقاوم، لكن أيضا لديه طموحات، مظلوم ولديه أرض محتلة من قبل دولة معادية، إلا أنه شعب حي، شعب يجيد الفن والرقص، ويجيد الرسم ويحيا حياة كاملة. وهؤلاء الناس ليسوا فقط'''كما يريد التلفزيون السوري أن يصور- يلبسون بدلة العسكرية والفتوة وكأننا نحيا في خندق النار من الصباح إلى الصباح. من هنا نبعت فكرة أن أعمل مشروعا إعلاميا يصل للآخرين الذين هم الشعب السوري في كمه الحضاري، الموجود بجودته من 8000 سنة وليس فقط هذا الشعب الذي لا يجيد من الحياة إلا الخطاب'.
* ما هي المعوقات التي وجدتها في البداية، خاصة مع وجود منافسة قوية في الساحة الإعلامية؟ هل عملت حسابا للمعوقات؟
* 'عملت حساب المعوقات، أولا: هي عدم وجود كوادر إعلامية سورية تلفزيونية متخصصة، بكل بساطة، لأنه لم يكن في جامعاتنا كليات تخرج إعلاميين، كانت النظرية قائمة على التجييش الثوري داخل الإعلام وتحويله من إعلامي مهني إلى منظّر، هذه هي المشكلة الأساسية. أيضا عدم وجود قناة تلفزيونية سورية جعل هناك ندرة في الكوادر المتخصصة، سواء من الناحية الإعلامية وحتى من الناحية الفنية، هذه كانت أكبر مشكلة واجهتنا في البداية، لكن انتصرنا عليها بالتدريب وبروح الشباب السوري الذي كان يريد دائما أن يتعلم ويستفيد، جعلنا نقطع هذه المشكلة بسرعة، وإن كنا ما زلنا نعاني منها'.

واضح انك عنيد!

* هذه الانطلاقة القوية والتي كانت موفقة، بعدها فجأة ظهرت صعوبات، وقد تحدث عنها الإعلام، هل يمكن أن نسمعها منك؟
* 'نعم سأتحدث لك بصراحة لأن هذا الزمن زمن الحرية، أرجو من'الجمهور أن يعذرني عن لقاءاتي الصحافية السابقة، فأنا مثلهم شخص يخاف أيضا، لديه ما يخاف عليه، لديه نفسه، وأنا أيضا ابن الخوف، تربيت في تربة الخوف، لم يأتني هذا الإحساس بالحرية إلا بعد أن حرق محمد بوعزيزي نفسه، هذا هو الذي أعطاني روح الحرية وكسر كل جدران الخوف بداخلي، والله العظيم هذا هو أنا اليوم. الذي حدث أنه مع انطلاق قناة المشرق الفضائية في 2/2 /2009 وخلال أقل من شهرين استطاعت أن تصل إلى قلوب الناس في سورية، بكل بساطة، لأنها الصوت الوحيد المختلف وليس لأنها شاشة رائعة، لأنه كانت لدينا مشاكل سواء أكاديميا أو فنيا، لأن الكادر السوري غير كاف، ولا يمكن أن تأتي بكوادر من الغير لئلا تظهر القناة بنفس غير سوري. بالتالي الناس تريد أن ترى نفسها على شاشة إعلامها، تريد أن ترى أبناءها يعملون في إعلامها. الذي حدث أننا قمنا بمجموعة من البرامج المنوعة التي صورت الشرائح السورية بمختلف طوائفها وقومياتها وانتماءاتها حتى في مهنها، وكشفنا عن الآخر، لأن الثقافة الأولى انك عندما لا تعرفين ما هو داخل بيت جارك فإنك ستخشينه دائما، نحن فتحنا البيوت على بعضها، جعلنا جميع الطوائف تعرف ماذا تفعل كل طائفة ليس هناك شيء مخفي، ومن هنا تولّد حب لهذه القناة، لأن سورية في عهدة البعث تم إلغاء الخصوصيات للمجموعات البشرية ومحاولة جعلها نسخة واحدة«'أن يكون المواطن سوريا وبعثيا هذا الشيء ترفضه النفس البشرية، لأن النفس البشرية لها خصوصيتها حتى يمكن أن تقول الزوجة لزوجها: أولادي أحسن من أولاد أخيك. هنالك خصوصية أو روح التفوق، يجب أن لا تلغى ولا يمكن أن تلغى أساسا لأنها قاعدة بشرية. لكن أن نحيا جميعا في هذه اللغة، ليس هناك مشكلة، على أن لا تكون لغة قتل ودم ولغة رفض الآخر. رفض الآخر يأتي على طريقة كما قال الكاتب المصري لطفي السيد (من جهل شيئا عاداه). رفض الآخر يكون عندما تجهله، هذه النقطة التي حاولنا أن نفتح البيوت على بعضها، تقبلها الشعب السوري، شاهدها الجميع، ثم بدأت المضايقات تحدث من المتنفذين في سورية، طبعا بالأول قدم لي كما يسمى العسل، استقبلتني في سورية بعض الجهات استقبال الأبطال والفاتحين وكأني طارق بن زياد، عملوا معي مقابلات بالإذاعة السورية، وبعض الصحف كتبت: هذا الرجل المهاجر الذي'يعشق الوطن. هذا كلام صحيح، أنا أعشق وطني، لكن ليس على طريقتهم! وضعوا أغاني 'ايد اللي تعمر الله يحميها'، وكأنهم يقولون لي: هكذا أنت إذا كنت معنا، أما إن لم تكن... الآن سآتيكم على 'إن لم تكن'. لم يمر شهران ونصف الشهر على إطلاق تلفزيون قناة (أورينت) حتى طلب مني السيد رامي مخلوف أن أقابله في دمشق، طبعا أنا سوري وأعلم من هو رامي مخلوف، ولم أقل اني لم أصب بالذعر لأني أعرف سياسة هذا الرجل كيف. ذهبت الى سورية وقابلته في مكتبه، دام اللقاء حوالي ساعتين ونصف الساعة، ولم أدخل الاجتماع إلا ومعي رئيس التحرير والمدير الإداري العام أيضا حتى لا يكون لقاء مغلقا، خلال الساعتين ونصف الساعة سمعت كلاما من منطلق 'أنا ربكم الأعلى' إن أردت أن تحيا فستحيا معي، وإن لم تكن معي فأنت تعرف العاقبة! حتى إنه استخدم مصطلح: 'أنا زعلان على (أورينت) لأنها ستموت، يعني واضح انك أنت عنيد'!. طبعا في البداية، أنا أعرف ما كان يريد، وهو أن يكون شريكا بنسبة تزيد عن نسبتي ليتحكم في المحطة! طبعا أنا عندي وثائق، عندما يتطلب الأمر سأعرضها. بكل بساطة، عرض علي أيضا أن أكون شريكا معه في شركة إعلامية يريد أن ينشئها سماها (نينار) وهذه الشركة سوف تحتكر كل ما له علاقة بالعمل الإعلامي والتلفزيوني في سورية وأن ننشئها معا. قلت له: أنا رجل لا أعيش حاليا في سورية، أنا لي عشرين سنة في دولة الإمارات، أنا تاجر ولست محتكرا، أفكر بعقلية التاجر ولا أعرف عقلية الاحتكار. المهم وصلنا إلى طريق مسدود. بعدها بدأت الأصوات تظهر في نهاية أيار/مايو 2009، بدأت مواقع كثيرة تقذفني بالشتائم على أني قادم لأبتز الحكومة السورية، وأن لي غايات! 'كان قد أراني العسل، الآن سوف يفرجيني إذا لم أكن معه ماذا سيحدث'. المهم دخلنا في حفلات تشويه كبيرة. لكن بقيت أراهن على الوقت، أن أعمل مواد من سورية، المكاتب تخدم في الإمارات، وهم يطلبون المراسلين إلى تغطية المؤتمرات سواء في القصر الجمهوري أو غيره إلى مؤتمرات وزارة الخارجية... كل ذلك كان يقوم وأنا ليس لدي مراسل، ولكن بناء على طلبهم. وعندي الوثائق التي تؤكد أنهم كانوا يرسلون الرسائل، لم يوافقوا على مراسل ولم يرفضوا، رغم أني بعثت لهم على طلب مراسل من شهر 8/2008 لم تأتِ الموافقة ولا الرفض، كان لدينا مكتب للخدمات الإعلامية يسمى '**** بوينت'، هذا كان يخدم القناة، أما من حولها إلى مراسلين فكان بناء على طلبهم، قالوا: إلى أن يأتيك الكتاب نرجوك أن تغطي لنا الفعاليات، لدينا كتب رسمية بذلك وكما تعرفون بأنه لا يمكن أن يدخل أي مراسل إلى قاعة وزارة الخارجية أو القصر من دون موافقة. المهم زادت الضغوطات التي جاءت أولا عن طريق أصدقاء بمعنى 'تكسب، وتنحب، يصير عندك أشغال'، هكذا بدأت، ثم تطورت: إن لم تكن فسيكون.