'خلايا ارهابية' لعمال بسطاء و'ضباط' ملتحون و'جواسيس' يبيعون الصور 'للخارج'




خلافا للدراما السورية المتميزة تبدو مسرحيات التلفزيون الرسمي هزيلة في الشكل والمضمون والإخراج وتحكي عن عدم التوافق بين أصحاب الروايات من قادة الاستخبارات، وبين من ينتج لهم هذه المسرحيات فنيا لتكون فشلا يضاف إلى الحالة العامة من الفشل الإعلامي التي تميز بها التلفزيون الرسمي منذ عقود.
آخر المسرحيات عن 'خلية إرهابية' مؤلفة من ثلاثة عمال بسطاء ذكر قائدهم انه يعمل في المنطقة الصناعية في حوش بلاس.. وأول سؤال يخطر للجميع من الذي سيوكل قيادة خلايا إلى عمال بسطاء غالبا ما تكون حياتهم ككل عمال سورية 14 ساعة عمل أو تزيد يوميا من أجل تأمين ما يكفي للقمة العيش.
بعيدا عن نسبة قائد الخلية النائب جمال الجراح إلى طرابلس وصعوبة الاتصال به لأن 'الواسطة' يعمل في البقاع، بينما الجراح من طرابلس ويقيم فيها، أريد التعليق على بعض الكلمات التي وردت في اعترافات الخلية فهم يتحدثون عما طلب منهم من 'التحريض' و'العمليات التخريبية' و'زرع الفتنة ' و'التجنيد'، وأنا أعجب كيف يعترف مرتكب بجريمة قائلا: 'طلب مني التخريب وسألت كيف سنخرب وما عنا سلاح'! .. يبدو من الاعتراف أن ضباط الأمن الذين يصدرون هذه المصطلحات 'التخريب والتحريض وإثارة الفتن' للتلفزيون الرسمي لتتصدر أخباره هم من صدرها للمعترفين أنفسهم لكن يبقى عنصر الكوميديا الأكبر في هذه المسرحية هو كلمة 'مباشر'، التي أضيفت إلى المسرحية حين عرضها بينما تظهر فيها قطعات المونتاج والتحرير الفيلمي بوضوح والسؤال المهم ما الداعي لكونها مباشرة مثلا، طالما أن ما فيها قطعي في الإدانة لهذه الدرجة التي يعترف فيها بالتخريب والتفجير؟
المسرحية التي سبقتها حملت عنوان 'الملثمين' هروبا من مصطلح 'المندسين' الذي تم اجتراره بما فيه الكفاية في الاعلام الرسمي واكتشف النظام مؤخرا أنه ليس صناعة سورية، وإنما هو مستورد من مصطلحات أنظمة بن علي ومبارك والقذافي فحاول الهروب منه ربما هربا من الشؤم الذي حاق بتلك الأنظمة! .. في تفاصيل هذه المسرحية أريد أن أكشف حقيقة تنشر للمرة الأولى ويثبتها مقطع الفيديو الموجود أن ظلال هؤلاء الملثمين كانت تمثل بالقياس الدقيق حوالي 86% من الطول الحقيقي للشخص وهذه الظلال بهذا الطول لا يمكن أن توجد في مثل هذا الوقت من نيسان/ ابريل إلا في ساعتين من النهار في العاشرة والنصف صباحا والثالثة عصرا تقريبا.
التلفزيون السوري بث هذه المقاطع في الساعة الواحدة وعشرين دقيقة تماما من يوم الجمعة وغاب عن ذهنه أن الظل ما بين صلاة الجمعة والواحدة والنصف ظهرا لا يزيد عن 40% من حجم الشخص الحقيقي وهذه الظلال القصيرة تظهر في تسجيلات أخرى من نفس اليوم للمحتجين في درعا على التلفزيون السوري نفسه. توقيت بث الصور يثبت استحالة كونها التقطت عصرا لأنها بثت قبل ذلك بساعة ونصف الساعة وهو ما يعني أن مسرح التمثيل كان في العاشرة والنصف صباحا في وقت لم يكن فيه المتظاهرون قد خرجوا لصلاة الجمعة بعد فضلا أن يكونوا تظاهروا عقبها!.
طبعا أضيف إلى التعليق على هذه المسرحية تفاصيل أخرى أهمها أنها التقطت بكاميرا احترافية مثبتة وكانت تعطي مسارات أفقية محددة لا تخرج عنها لتظهر لنا على من يطلق الملثمون النار مثلا؟.. والسؤال الأهم لماذا لم يترك المصور الاحترافي ضبط إعدادات الكاميرا ليبلّغ الأمن عن هؤلاء بدل تصويرهم فحسب؟.
المسرحية السابقة لها في التوقيت هي صور الضباط وعناصر الجيش القتلى والمصابين في كمين بانياس على التلفزيون السوري، التي أظهرت أشخاصا بلحى طويلة يستحيل وجودها في الجيش الذي يلزم عناصره بحلق صباحي يومي للحى، وفي حال لم يكن هؤلاء الملتحون من الضحايا المدنيين فإن أكثر ما يمكن قوله عنهم بأنهم 'شبيحة النظام' الذين يشتهرون بتربية لحاهم وحلق رؤوسهم فلعلها رسالة من التلاحم والوفاء بين النظام وشبيحته.
قبل ذلك تظهر مسرحية المهندس المصري، التي يمكن الحديث فيها عن عنصر مثقف خلافا للعمال البسطاء في مسرحية 'الخلية'، ولكن أكثر ما يضحك فيها أن تهمة المصري هي التصوير وبيع الصور للخارج وأنه زار المسجد الأقصى في ظل اتفاقية كامب ديفيد.
معروف أن الكثير من الهواة والمحترفين في التصوير في العالم يقومون بتصوير الأحداث ثم يعرضونها على الوكالات والصحف ومحطات التلفزة لتشتري منها ما يناسبها وهذا أحد أساسيات عمل التصوير الصحافي، التي لم يسمع بها مثقفو الاستخبارات الفاشلون ثقافيا ومسرحيا ثم اختتمت هذه المسرحية بالفشل الأكبر في قراءة مصر ما بعد الثورة التي أحرجت النظام بالاضطرار للإفراج عمن وصف بالجاسوس العميل الذي لا تقل عقوبته المخففة في القانون السوري عادة عن السجن 15 عاما.
محطة أخرى هي حديث السيدة بثينة شعبان في بداية الاحتجاجات في اللاذقية عن تورط بعض المنظمات الفلسطينية في الاحتجاجات.. عقب الاتهام ذكر أنور رجا المسؤول الإعلامي في الجبهة الشعبية القيادة العامة 'وهو مقرب من النظام السوري' على قناة الحوار أنه طلب بيان الأمر من المستشارة شعبان، التي أحالته بدورها لضابط الأمن مصدر الخبر، ثم تبين أن سبب الاتهام هو وجود أحد المواطنين السوريين من ساكني المخيمات الفلسطينية في الاحتجاجات، ومعروف أن السوريين صاروا يزاحمون الفلسطينيين في مخيماتهم بسبب قلة ذات اليد وفقر الحال، ثم لكم أن تتصوروا أن هذه الحقيقة الخطيرة انتقلت من الأمن ليصرح بها كاتهام للفلسطينيين على لسان مسؤول بحجم مستشارة الرئيس.
طبعا لم يكن اتهام الفلسطينيين سابقة صحافية فقد سبق للإخبارية السورية أن اتهمت في بداية الاحتجاجات كلا من عبد الحليم خدام ورئبال رفعت الأسد والإخوان المسلمين وشعبة الاستخبارات الإسرائيلية والأمير السعودي بندر بن سلطان في حزمة واحدة، يبدو من المضحك البحث عن واسطة لجمعها في عقد واحد إلا في إعلام لا يراعي إخراج المسرحيات فيه أيا من المسلمات العقلية.
أما قناة الدنيا فقد أخذت على عاتقها مهمة أخرى تبدو أشبه بحلقات المفتش كولومبو التي تصاحبها موسيقى الغموض التصويرية وسيطول الحديث عن تفنيدها، لكن إحدى أطرف نكتها هو ادعاؤها أن مشهد اختطاف الفتاة المحجبة من تظاهرة صغيرة في منطقة قريبة من سوق الحميدية وسط دمشق هو تمثيلي بطريقة تشعرك بأن من صاغ الفكرة 'البوليسية' للدنيا يعيش في نيكاراغوا أو بوركينا فاسو ويجهل أن منطقة مكتظة كهذه من وسط دمشق يصعب التنفس فيها بدون إذن المخابرات، فضلا عن أن تكون مسرحا لتمثيل مشهد من هذا النوع في وضح النهار.
كل هذه المسرحيات الفاشلة التي يقدمها الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تأتي في غياب أي كاميرا صحافية لأي محطة أو وكالة أنباء غير سورية وتظهر المأساة الكبرى في تولي هذا الإعلام النقل الحصري للحقائق. بينما تتولى أجهزة الأمن إيقاف المارة وتفتيش جوالاتهم بحثا عن أي حقيقة قد تسربت إلى عدساتها.
أخيرا أقول ان أكبر مشكلة للإعلام الرسمي أنه يتجه في خطابه إلى إقناع الخارج بما يحصل في الداخل من جرائم ودماء .. ويغفل أن من يتابعونه في الداخل من طلاب الحرية هم أدرى الناس بحقيقة ما يحصل على الأرض ولن يكذبوا رؤى أعينهم لهذه المسرحيات ولن يزيدهم هذا الزور والافتراء إلا إصرارا على مطالبهم ومواصلة في احتجاجاتهم .. لذلك فالمأمول من النظام وإعلامه توجيه الخطاب للداخل بدل الخارج بكلمات من المصالحة والعزاء والبدء بتنفيذ مطالب المتظاهرين مع الاعتذار عن دمائهم ومحاسبة من أجرم بحقها أو سيبقى للنظام وإعلامه أن ينتظروا نهاية هذه المسرحيات بطريقة قد لا تتناسب مع إخراجاتهم الفاشلة.