لا بد ان الكثيرين في الوطن العربي قد نسوا، في غمرة الثورات الشعبية المتصاعدة، المؤتمر السنوي لوزراء الداخلية العرب الذي يحرص الجميع على المشاركة في دوراته في المقر الدائم في تونس. لا مانع ان نذّكر به، ونكشف انه بعد بحث وتقص استمر عدة اشهر، وبعد رفض اكثر من دولة استضافته، تقرر عقده بشكل خفي في العاصمة الاردنية عمان يوم 27 نيسان (ابريل) الحالي.
هذه هي المرة الاولى، التي لا يتم الاعلان فيها عن موعد المؤتمر، ومكان انعقاده، منذ ان بدأت هذه 'السنّة' غير الحميدة قبل عشرين عاما تقريبا، الامر الذي يعكس حجم التغيير الذي بدأ يجتاح المنطقة، ليس على صعيد اقتلاع ديكتاتوريات متجذرة في عمق الفساد وتهديد اخرى فقط، وانما على صعيد هز قلاع القمع التي يتربع على عرشها وزراء الداخلية العرب.
السيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية الذي يستعد حاليا لتوديع منصبه، مع قرب انتهاء فترة وظيفته، قال ان المزاج العربي العام لا يحتمل عقد قمة عربية في الوقت الراهن، فهل يا ترى يحتمل هذا المزاج عقد مؤتمر لوزراء الداخلية العرب؟
الوزراء الذين كانوا يسيرون كالطواويس في ردهات مقر الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، وهو بالمناسبة تحفة معمارية باذخة، يتهامسون حول موعد انعقاد مؤتمرهم ومكانه خوفا من المتظاهرين الغاضبين الذين يطالبون بالحريات واحترام حقوق الانسان والتغيير الديمقراطي، حتى ان اجتماع الخبراء الذي يمهد لاجتماع الوزراء سيعقد في مكان غير معروف حتى الآن في العاصمة الاردنية للسبب نفسه، اي 'التقية' والخوف من انكشاف امرهم للمحتجين.
ولعل الحكومة الاردنية، ووزير داخليتها المضيف الذي تجرأ على استضافة هذا المؤتمر ووزرائه المكروهين في اوساط شعوبهم، او معظمهم على وجه الدقة، اختار ان يعقده في منطقة البحر الميت بعيدا عن عيون المتظاهرين.
وربما يجادل البعض بان الدول الاوروبية نفسها يوجد فيها وزراء داخلية، فلماذا هذه الكراهية من قبل الشعوب لنظرائهم العرب، فلا بد من وجود قوات لحفظ الامن والنظام ومكافحة انواع الجريمة كافة، الرد على هذا الجدل بان وزراء الداخلية في الدول الديمقراطية عامة محكومون بقوانين، وقضاء مستقل، ومحاكم عادلة، وسلطة تشريعية تمارس دورها الرقابي في ظل فصل كامل للسلطات.
وزراء الداخلية العرب 'فجروا' في التنكيل بالمواطن واضطهاده وتعذيبه، ولعل ما كشفته التحقيقات مع اللواء الحبيب العادلي وزير الداخلية المصري السابق من جرائم ونهب للمال العام، هو الدليل الابرز في هذا الصدد.
فاللواء العادلي متهم بمجزرة كنيسة القديسين في الاسكندرية التي راح ضحيتها حوالي الثلاثين انسانا بريئا، عندما زرع فيها قنبلة متفجرة ليلة رأس السنة، واتهم تنظيما فلسطينيا بالوقوف خلفها.
المواطنون التونسيون الذين عانوا كثيرا من جراء ارتباط عاصمتهم بوزراء الداخلية وقممهم ومؤتمرهم السنوي، يريدون اغلاق مقر امانتهم العامة، اي وزراء الداخلية، او تحويلها الى متحف لادوات القمع والتعذيب العربية، بما فيها التونسية في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ودولته البوليسية التي انهارت تحت مطارق الثوار وصخبها.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)