سوريا: التضليل الإعلامي



يقولالعقيد محمد سمراوي رئيس المباحث السابق في جهاز المخابرات الجزائرية، وصاحب كتاب:"سنوات الدم الجزائري سيرة حرب مدمرة" واللاجئ في ألمانيا، وصاحبالعبارة المشهورة التي جعلها مقدمة لكتابه:" يوجد نوعان من التاريخ: تاريخرسمي كاذب، وهو التاريخ الذي لُقنا إياها في المدارس، وتاريخ سري يتعين عليناالبحث عنه وفيه تكمن الأسباب الحقيقة للأحداث، وهو تاريخ مخجل حقا" وهذا هوواقع كل الحكومات المجرمة في كل البلدان الإسلامية، فإن واقعها كله كذب في كذبودجل في دجل، وإجرام في إجرام، وخلف الكواليس واقع آخر يكشف عن عمالة وتعاون معالغرب ضد كل ما يمت إلى الإسلام بصلة.

وهذاالإعلام هو الذي يحكمنا منذ عشرات السنوات، ويعمل على تغيب عقل الإنسان المسلموجعله منساقا خلف ترويجه الرسمي وتصديق كل تلفيقاته، ولكن كان للنت الأثر الأكبرفي فتح مساحات كبيرة للحرية، بعيدا عن الإعلام الرسمي، والعمل على كشف كل هذهالأكاذيب، مما جعل الشباب يستيقظ على هذه الواقع المخجل لكل الحكومات التي تتربععلى عروش الدول الإسلامية، مما قاد إلى إسقاط نظامين مجرمين وهد أركانهم في كل منتونس ومصر؛ على أيديهم بعد توفيق الله لهم بالنصر وتحقيق غاياتهم، وبعد أن رفعواجدران الخوف عن صدورهم، والرمي بها خلف ظهورهم والتصدي للموت بصدور عارية.

والأمرنفسه يحدث اليوم على الساحة السورية ويكشف عن مدى الكذب الذي تقوم به تلك الحكومةالمجرمة المتحكمة بالشعب السوري طيلة عقود من الزمن، فمنذ بداية الدعوة إلىالمظاهرات وهم يحاولون أن يزيفوا ما يجري داخل البلد، وفي يوم السابع من آذار اصدربشار الأسد مرسوما بالإفراج عن جميع المعتقلين، ولكن جاء اعتقال أطفال درعا الذينكتبوا على جدرانها بان يرحل المجرم بشار، أوقف هذا المرسوم وتم إطلاق سراح المعتقلهيثم المالح والذي يبلغ من العمر ثمانون عاماً، وإطلاق سراح المجرمين المعتقلين فيقضايا وجرائم مدينة، والسكوت عن بقية المعتقلين السياسيين!!

وبعدحدوث عدة مظاهرات داخل دمشق ترافقت مع أحداث تونس والجزائر، ومحاولة النظام السوريقمعها، تمكنت دعوة الشباب السوري من النجاح في التظاهر في سوقي الحميدية والحريقةفي الخامس عشر من آذار، وخرج عشرات الشبان، ولكن من دون لافتات لأنها كانت جرأةكبيرة أن يخرج سوري مطالبا بأي إصلاح، وهو ما دفع النظام المجرم إلى أن يؤكد أنهلم تخرج أي مظاهرات وإنما هي صور لأناس يتجولون في سوق الحميدية تم تسريع صورهمفقط، وتناقلتها القنوات الفضائية، والدليل أنهم لا يحملون أي لافتات، ومن القناةالإخبارية السورية وفي مساء اليوم نفسه جاء الخبر التالي: أن مجموعة من الشبانوالشابات تحركوا في سوق الحميدية وهم يناشدون الناس بان يتحركوا، ولما لم يستجبلهم احد اختفوا وسط الزحام!!"

ووسط سقوط عشرات القتلى على يد النظام المجرم مدىالشهر الماضي، بقي الإعلام السوري مصرا على أن يعيش في واد آخر بعيدا عما يجريداخل الأرض السورية، وحتى الجمعة العظيمة البارحة والتي بثت تفاصيلها قناة الجزيرةوالقنوات الأخرى، يخرج النائب السوري خالد عبود، وإن بدت نبرته ليست بنفس الوقاحةالتي كان يخرج بها بداية الثورة، ليؤكد أن هذه الصور ليست حقيقية، وأن قناةالجزيرة قناة متآمرة، وكان جواب مذيع الجزيرة أن طلب منه أن يسمح للقناة بإدخال مراسليهالسوريا وبعدها يتوقف شهود العيان، ولكن بقي مصراً على أن يسمعنا الصوت القبيح لهذاالإعلام الرسمي المجرم ويسكت الذين ينقلون الحدث بكل أمانة، والذي أكد عليه مذيعالجزيرة أن الناس تسمع للطرفين، وهي الحكم في تصديق ما يجري، ولكن الملفت في كلامعبود أنه بدا هذه المرة أكثر وداعة من السابق!!

ومناهزل ما سمعت من تصريحات أذناب هذا النظام المجرم حديث لأحدهم على خلفية حديث عنالاعتقالات التي تجري بحق المتظاهرين، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلينأيام حافظ وابنه المجرم بشار، وهو يتحدث بأنه لا يوجد معتقلين في سوريا، وأن هناكعشر معتقلين وسيتم الإفراج عنهم قريبا، مضيفا بان المتظاهرين يطالبون بان يتمالإفراج عن المعتقلين الذي تم القبض عليهم للاتجار بالمخدرات واغتصاب الأطفال وهذاأمر لا يمكن تحقيقه أبدا، ورد عليه المذيع بان لا احد من المتظاهرين طالب بهذاوإنما هم يطالبون بالإفراج عن المعتقلين السياسيين!!

وعندماظهر الفيديو الذي صور للأمن في قرية البيضاء وهم يهينون كرامة الناس، بعد أن قيدتأيديهم إلى الخلف وتم وضعهم على الأرض ويطلب بعضهم من بعض أن يصعدوا فوق ظهورالمقيدين الذين تم وصفهم بالخونة، وضرب رؤوسهم بالأرض، أمام زوجاتهم وأبنائهم؛ قامالنظام المحرم بإنكار أن يكون هذا الفلم جرى في سوريا وإنما هو للبشمركة فيالعراق، ولكن الفيديو كان واضحا بأن الذي كان على رأس هؤلاء المجرمين رئيس جهازالاستخبارات في بانياس، والذي اجبر النظام المجرم إلى الإعلان عن عزل الرائد"امجد عباس" تمهيدا للتحقيق معه وإحالته إلى القضاء كما جاء في بيانللمرصد السوري لحقوق الإنسان، ولكن الحكومة السورية أكدت عدم صحة هذا الخبر ونفتاعتقاله وأكدت انه تم نقله إلى محافظة طرطوس، وهو نفس الأمر الذي جرى بحق العقيد "عاطفنجيب" رئيس الاستخبارات في درعا، والذي أكد النائب عن درعا "يوسف أبورومية" من أن هذا العقيد هو وراء الدماء التي سقطت في درعا، وطالب بشار الأسدفي تسجيل له في السابع عشر من الشهر الماضي ومن داخل مجلس الشعب بان يتم محاسبته؛ولكن تم تحويله إلى محافظة إدلب، بدون أي اعتبار لما سقط من دماء الشهداء في درعاوبقية المدن السورية!!

وطيلةالثورة السورية كان الإعلام الرسمي السوري الكاذب يجابه مطالب شعبه الداعية إلىالإصلاح باتهامهم بأنهم صهاينة وأنهم يتلقون الرسائل من اليهود، ولما فشل في هذهالخديعة، تم اتهامهم بأنهم من الإخوان المسلمين، وأنهم من أتباع خدام ثانية، ومرةبأنهم من تيار المستقيل، وآخر مهازلهم اتهام المتظاهرين بأنهم سلفية ويدعون إلىإنشاء ولايات إسلامية، ولكن كانت الأخبار لهم بالمرصاد لتؤكد كذب إعلامهم الرسمي، إذفي محافظة حمص حاول أحد الأشخاص الملتحين أن ينسل بين المتظاهرين داعيا إياهم إلىالجهاد ضد هذا النظام وحمل السلاح بوجهه، ولكن الشعب السوري الواعي الذي أصر علىسلمية ثورته، طلب منه أن يسكت وحاول أن يهرب منهم، وأثناء هروبه سقط جواله الشخصي،وثم العثور على الكثير من صور هذا الملتحي صاحب العضلات المفتولة، والتي أثبتت انهعنصر مخابرات جهز لمثل هذه الأعمال، مؤكدة أكاذيب هذا النظام المجرم، ودجل إعلامهالرسمي!!

أكاذيبالنظام السوري أكثر من أن تعد وتحصى، والتي كان آخرها إعلان النظام المجرم يومالخميس الماضي عن إلغاء قانون الطوارئ والسماح بالتظاهر السلمي؛ ووسط هذه المراسيمخرج الشعب السوري مؤكدا على مطالبه بمحاسبة القتلة والإفراج عن المعتقلينالسياسيين، مدركا بأن هذا النظام المجرم ومرسوماته التي سبقت الجمعة بيوم؛ حبر علىورق، وهذا ما حصل إذ كان يوم الجمعة الذي تم تسميته بالجمعة العظيمة يوماً عظيماًأريقت فيه الدماء بشكل مخيف وسقط فيه أكثر من تسعين قتيلا، وقد فعلها النظامالسوري المجرم بشكل واضح وقام بالقتل كاشفا عن وجهه الإجرامي البشع، وذلك في اليومالتالي لمرسومي إلغاء قانون الطوارئ والسماح بالمظاهرات السلمية، مما أعطى انطباعاللعالم بأن هذا النظام نظام إجرامي لا يمكن له أبدا أن يكون مصلحا، فضلا على أنيكون نظاما صالحا لحكم هذا الشعب الأبي.



والملفتللنظر في هذه الجمعة أن شبيحة النظام التي كان يتذرع بها النظام المجرم في اتهامالمتظاهرين بأنهم هم من يقف خلفهم؛ قد اختفت، وظهر للعيان بشكل واضح أن الأمنوالجيش هم الذين يقتلون المواطنين، وهم أنفسهم المسلحين المدنيين الذين كانوايهاجمون المتظاهرين في الأسابيع السابقة، ومحافظ درعا الجديد يهدد الشعب السوريبأنه سيقصفهم بالمدافع إذا لم يعودوا إلى منازلهم، ومن لسان الشعب السوري انتهتكلماته "الله.. وسوريا.. وحرية .. وبس" وحل محلها شعارات" ارحل..ارحل" و" الشعب يريد إسقاط النظام".



الدماءالسورية ليست اقل شأنا من الدماء المصرية والتونسية وهذا ما يطالب به الشعب السوريالأبي بأن يتم تسليمه كل مجرم سفح دما حراما؛ وتقديمه إلى القصاص، وأكاذيب النظامالمجرم ومحاولته التستر على القتلة ونقلهم إلى محافظات أخرى تؤكد أن هذه النظاممجرم من أوله إلى آخره، وأن الأوهام التي يعيشها بشار المجرم وأذنابه لن تتكرر منجديد، وأن الفضائح ستستمر بحقهم حتى تعمل على تعريتهم أمام العالم أجمع، والكشف عنمدى إجرامهم، وتعطشهم للشرب من دماء الشعب السوري الذي وقف بصدر عاري أمامإجرامهم، وهو ما أكد عليه هذا المجرم في خطابه يوم الثلاثين من آذار الماضي، بقوله:" اليوم طبعا الوضع أصعب لأن انتشار الانترنت أكثر، ولأن وسائلهم احدث ولكنبنفس الوقت الوعي الشعبي الذي رأيناه في هذه المرحلة كان كافياً للرد السريع"وبالفعل فإن الوضع الآن بات صعبا لكي يتستر هذا المجرم على جرائمه بحق شعبه، كمافعل من قبله والده بائع الجولان، فالإعلام اليوم تغير بحيث لم تعد مخيلتهم تدرك بأنالتستر على الجرائم بات ضربا من خيال، بالإضافة إلى وعي الشعب الذي خرج اليوم بكلمحافظات سوريا مطالبا بأن يسلم هذا النظام المجرم نفسه للشعب ليقول كلمته بحقه.



التسترعلى الجرائم وتقطيع الأرجل وبقر البطون وشق الصدور لن يكون مسموحاً به بعد الآن،والشباب اليوم أكثر وعيا وإصرارا على سلمية مطالبه، وأذكى إدراكا وقدرة على نقلالحدث وكشف أكاذيب الإعلام الرسمي، ولن يسمح لأحد بعد اليوم أن يهين كرامتهوأدميته، ولن يسمح لأحد أن ينتهك ستره.

وسيثبت الشباب أنهم أصبحوا قادرين على تقديم تلكالأنظمة المجرمة إلى العدالة، ليقول العدل كلمته بحق كل قاتل ومفسد، وهو ما أزعجالمجرم بشار وجعله يصرخ متوجعا عندما أصابه وعي الشعب بمقتل وجعله يدرك بان هذاالشعب غير الشعب السابق الذي كان يخاف فيه الأخ من أخاه، وان الإعلام هو إعلام غيرإعلام الماضي.



الفضائحبحق الأنظمة المستبدة ستترى؛ فضيحة إثر أخرى إلى أن تسقط جميعها صرعى صريعا تحتأقدام الشعوب المسلمة، وتؤول تلك الأنظمة وإعلامها الكاذب إلى الزوال، كما كانعليه حال سيارة الإخبارية السورية التي طردها شعب بانياس وسط صراخهم كذابونكذابون، والعقبة للمتقين.



الكاتب:احمد النعيمي