للشيخ علي الطنطاوي







وهي قصة الفيلسوف الألماني ( كانت ) الذي كان كثير الانزعاج من صوت ديك جاره
وكان هذا الديك يصيح ويقطع على هذا الفيلسوف أفكاره , فلما ضاق به بعث خادمه
ليشتريه ويذبحه ويطعمه من لحمه , ودعا إلى ذلك صديقا له , وقعدا ينتظران الغذاء
ويحدثه عن هذا الديك وما كان يلقى منه من إزعاج , وما وجد بعده من لذة وراحة
حتى أصبح يفكر في أمان ويشتغل في هذوء , فلم يقلقه صوته , ولم يزعجه صياحه .


ودخل الخادم بالطعام , وقال معتذرا : إن الجار أبى أن يبيع ديكه فاشترى غيره من
السوق , فانتبه ( كانت ) فإذا الديك لا يزال يصيح !!






يعلق الشيخ الطنطاوي على هذه القصة قائلا :
فكرت في هذا الفيلسوف فرأيته قد شقي
بهذا الديك لأنه كان يصيح , وسعد به وهو لا يزال يصيح , ما تبدل الواقع , ما تبدل
إلا نفسه , فنفسه هي التي أشقته لا الديك, ونفسه التي أسعدته , وقلت ما دامت السعادة
في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا ؟ وما دامت قريبة فلماذا نبعدها عنا ؟
إننا نريد أن نذبح الديك لنستريح من صوته , ولو ذبحناه لوجدنا في مكانه مائة ديك
لأن الأرض مملوءة بالديكة .
فلماذا لا نرفع الديكة من رؤوسنا إذا لم يمكن أن نرفعها من الأرض ؟
لماذا لا نسد آذاننا عنها إذا لم نقدر أن نسد
أفواهها عنا ؟
لماذا لا تصرف حسك عن كل مكروه ؟
لماذا لا نقوي نفوسنا حتى نتخذ منها سورا
دون الآلام ؟
كل يبكي ماضيه ويحن إليه , فلماذا لا نفكر في ا

لحاضر قبل أن يصبح ماضيا ؟!