يـا أم الشهيـــد ... خلّــي لنــا .... دمعتيـــن !!
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن
ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب
لأمه: الوداع !
ما قال للأحباب... للأصحاب ...
موعدنا غداً !
ولم يضع رسالة... كعادة المسافرين
تقول: إني عائدٌ... وتسكت الظنون
ولم يخطّ كلمةً...
تضيء ليل أمه التي...
تخاطب السماء والأشياء،
تقول: يا وسادة السرير!
يا حقيبة الثياب !
يا ليل .. يا نجوم .. يا سحاب! :
أما رأيتم شارداً... عيناه نجمتان؟
يداه سلتان من ريحان
وصدره وسادة النجوم والقمر
وشعره أرجوحةٌ للريح والزهر!
أما رأيتم شارداً
مسافراً لا يحسن السفر!
راح بلا زواًّدة ...
من يطعم الفتى إن جاع في طريقه؟
من يرحم الغريب؟
قلبي عليه ... من غوائل الدروب ...
قلبي عليك يا فتى ... يا ولداه
قولوا لها، يا ليل .. يا نجوم ..
يا دروب .. يا سحاب ..
قولوا لها :
لن تحملي الجواب
فالجرح فوق الدمع ... فوق الحزن والعذاب!
لن تحملي... لن تصبري كثيرا
لأنه...
لأنه مات، ولم يزل صغيرا
يا أمه !
لا تقلعي الدموع من جذورها!
للدمع يا والدتي جذور ...
تخاطب المساء كل يوم ...
تقول: يا قافلة المساء!
من أين تعبرين؟
غصًّت دروب الموت... حين سدّها المسافرون
سدّت دروب الحزن... لو وقفت لحظتين
لحظتين!
لتمسحي الجبين والعينين
وتحملي من دمعنا تذكار
لمن قضوا من قبلنا... أحبابنا المهاجرين
يا أمه ! لا تقلعي الدموع من جذورها
خلّي ببئر القلب دمعتين !
فقد يموت في غد أبوه ... أو أخوه
أو صديقه أنا ....
خلي لنا...
للميتين في غد لو دمعتين ... دمعتين ...!
من روائع ما سطر ... محمود درويش
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)