مقالة نشرت عام 1920 ..مع صور نادرة للمدينة
نشرت جريدة " العاصمة " الدمشقية بقلم رئيس تحريرها محب الدين الخطيب بعد خروج العثمانيين و قبيل إعلان قيام المملكة السورية و تنصيب الامير فيصل بن الحسين ملكا عليها في 8أذار 1920 مقالة تستنهض همم السوريين لبناء دولتهم , و أداء واجبهم .
نص المقالة
رأيت أمس فيما يرى النائم كأني مستند إلى صخرة صماء من سفح قاسيون ، وكأني في النصف الثاني من ليلة غرّاء قمراء.
فنظرت فإذا الجبل قد انتفض عند ذروته، وإذا للجبل روح نورانية رأيتها تبدو وتعلو من باطن الذروة بشكل شاب طويل نبيل، إلى أن صار بجملته على قمتها، فجثا على إحدى ركبتيه، وأخذ يتأمل في مدينتنا الجميلة " دمشق " وهي راقدة في تلك الليلة الغرّاء بين الأدواح الزهراء، و الرياض الفيحاء، و الغياض الكثاء.
و البدر يسترها بغلالة من نوره الفضي، ويحرسها من أعالي السماء .
ثم سمعته يقول لها: يا بديعة الشرق ، وعروس بلاد بني سام ، و ألماسة ربوع الشام ، الزمان قد استدار مرة أخرى .
إن الشمس من دأبها أن تذيب بلظاها أدمغة النائمين، وتكفّ أذاها عن الناهضين النشيطين المستيقظين .
أتعلمين أيتها الجميلة الراقدة لدى باكورة الأزهار، الملتفة بغلالة الأنوار، أنك أقدم بلدة معمورة عَلىَ وجه الأرض، وأنك لما كنت ملجأ النبيين و مثابة الناهضين و المصلحين.
كانت هذه المدائن القوية الغنية التي نراها الآن لا تزال مندرجة بين طيات الغيب و مستترة تحت ذيول العدم .
أراكِ سكرتِ بخمرة جمالك إلى جانب أنهارك السبعة التي يلذ لك سماع خرير مياهها.
محبك الناضج يخاطبك الآن من أعلى ذروة قاسيون، الذي مازال واقفاً في حراستك من قبل أن توجد هذه الجداول ومن قبل أن تتمكن هذه الأنهار من شق مجاريها إلى بساتينك و منازلك و الضواحي المحيط بك .
أبناءك، أبناء الأمجاد الرفيعة الذين رأيت آباءهم يعمرون ربوعك في عهد إبراهيم الخليل و عمر بن عبد العزيز و صلاح الدين الأيوبي.
لقد كان آباؤهم رجالاً فاجعليهم رجالاً، و سرعان ما يكونون كذلك إذا استطعت أن تستلي السخائم من نفوسهم و الأحقاد من صدورهم و الغلّ من قلوبهم، وأن تجعليهم جسماً واحداً، و أن توجهي مواهبهم و مداركهم و كل قواهم العقلية و الجسمية نحو الواجب ...
أرى بنيك يهرعون إليك بما جبلوا عليه من الحب لك و التعلق بك .
إنهم لم ينتظروا رؤية ذراعيك الجميلين ممدودين نحوهم ليجمعوا ما تفرق من أحزابهم و جماعاتهم، وهاهم يتراكضون جميعاً نحو جهة واحدة، وهي الجهة التي فيها أمهم بديعة الشرق و عروس بلاد بني سام و ألماسة ربوع الشام .
لقد أحسوا كما أحست أمهم بأن الزمان قد استدار، فهم يستعدون لأن يكونوا من أبناء هذا الزمان، كما كان آباؤهم زينة الدنيا في كل زمان .
وبينما تلك الروح النورانية، روح الأجداد التي تحوم حول قاسيون في كل ليلة تخاطب دمشق على مستمع من بنيها وهي فرحة مسرورة بانتباه عروس بلاد بني سام واتحاد سكانها، استيقظتُ ورنات صوتها الجميل تتردد في أذني و ألفاظ خطابها الجليل تدور على لساني .
متـــــــــى
الزفاف ياعروس الربيع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)