المواصلات هي العصب الحساس في كيان الامم وهي همزة الوصل للعلاقات العامة بجميع انواعها وفروعها .. وبها يجري التفاهم بين الاخذ والعطاء وبين الرفض والقبول ، وهي الوسيلة التي تربط افراد المجتمع ببعضهم وتربطهم بالمجتمعات الاخرى . والمواصلات بمفهومها العام هي المواصلة والارتباط بين الاطراف ، فالكلام والاشارة باليد او بالراس او بالعين وكذلك الاشارة بالرايات والاعلام والدخان ، ماهي الا وسائل للتعبير عن حاجة معينة وما اكثر حاجاتنا الى الاتصال ، فكلما تطورت العلوم والتكنلوجيا ، كلما تطورت وسائل المواصلات تبعا لذلك .. وقد استخدم الانسان قديما وسائل بدائية كالدخان والصراخ والطبول وبعدها سعاة المشاة والراكبين والحمام الزاجل .. ومن ثم التلغراف والتلفون والجهاز اللاسلكي ..
الاشارة الاولى
بدأت الاذاعة اللاسلكية مع اول عاصفة كهربائية هبت في فجر تكوين العالم ، وكان وميض اول برق كهربائي ، مركزا لاذاعة لاسلكية سارت امواجها في الفضاء فوق الجبال والبحار مخترقة الغابات والفيافي في كل الارجاء ، ولم يعرف الانسان ذلك الامرالطبيعي الا من زمن قريب .. حيث جاهد في اكتشافه وبحثه ابطال عديدون ومن امم مختلفة وفي ازمنة متفاوتة .. تحاكي قصصهم اشيق القصص وتاخذ حوادثهم بالالباب وتمس المشاعر .. فتستفز الروح حماسة وتثير في النفس اعجابا وتاملا ..
لم يولد علم الطبيعة الذي منه تفرع اللاسلكي مرة واحدة ، بل تكون تكونا بطيئا متغذيا بما كان يضيفه اليه العلماء عاما بعد عام .. وكان الامر كذلك حتى جاء اكتشاف ميخائيل فرداي سنة 1831 في التاثير الكهربائي - المغناطيسي ، وكان فرداي قد عرف مما كتبه وليم جلبرت سنة 1600 ان الكهرباء والمغناطيس مختلفان وليسا شيء واحد ، ويعتبر مانشره وليم جلبرت من تجارب حول المغانيط الطبيعية بتقريره المنشور ( المغناطيس ) اول تقرير علمي عن المغناطيسية الارضية وعلى اكثر تقدير حيث ازدادت المعرفة بشان المجالات وتفسير نظرية الدايبولات وكذلك توضيح الاسس والعلاقات للطاقة الكهرومغناطيسية طيلة السنوات اللاحقة وكانت الكهرباء معروفة انذاك والبطارية التي اخترعها فولطا الايطالي سنة 1799 مستعملة وهي التي نتجت عن ابحاث كلفاني سنة 1790 ، وكان ارستد هانز كرستيان العالم الدنيماركي قد اجرى تجاربه الاولى سنة 1819 عن علاقة الكهرباء بالمغناطيس واعلن اكتشافه عن تاثير التيار الكهربائي في الابرة المغناطيسية عند وضعها في مجاله المغناطيسي فتنحرف عنه فكان هذا الدليل الاول على ( الريب ) الذي استمر لاامد طويل بشان علاقة الكهربائية بالمغناطيسية .. وفي السنة التالية بين ( امبير ) ان التيارات الكهربائية تؤثر بعضها في بعض اذا ماوضعت الاسلاك التي تحملها في اوضاع متوازيه . وقد اكتشف كذلك ( اراجو ) عن الفعل المغناطيسي للتيار الكهربائي في الابر المعدنية ‘ وكان (سترجن ) قد كشف المغناطيس الكهربائي سنة 1825 ، ثم اضاف جوزيف هنري الامريكي سنة 1831 الى هذا الاكتشاف بعض التحسين في تركيبه ادت لاحقا الى امكان استعماله في التلغراف بطريقة افضل من التي كانت معروفة في ذلك الوقت مما حسن الارسال والاستقبال التلغرافي ( السلكي) وعلى مسافات ابعد .
وقد كانت تجارب جوزف هنري المشار اليها انفا تشابه في كثير من الاحيان تجارب فرداي حتى ان بعضها كانت تمثل نموذجا لعمل التلغراف اللاسلكي عندما ظهر لاحقا ، فقد كان فرداي في تجاربه يفرغ شرر زجاجة ليدن ثم يلتقط امواجها باسلاك غير متصلة بها ، وتبعد بنحو 50 مترا عنها . ومن الجدير بالذكر اخواني الهواة ان دانيال صنع بطارية عام 1836 وكانت تفوق بطارية فولتا من حيث قوة التيار وانتظامه مما حسن التجارب التي اجريت لاحقا من قبل العلماء .
اما تجربة فرداي التي قام بها سنة 1831 وهي بيت القصيد كما يقولون ، فقد اخذ حلقة من الحديد ولف على نصف دائرتها سلكا متصلا ببطارية فولتا ، ثم لف على النصف الثاني من نفس الحلقة سلكا اخر متصلا بكلفانومتر وكلما وصل فرداي التيار الكهربائي او قطعه .. تاثر الكلفانومتر بما يدل على ان تيارا كهربائيا قد مر في الدائرة الثانية ( الكلفانومتر) . وكانت هذه التجربة ان صح القول مفتاح الكهرباء العملية وماتبعها من تقدم علمي في الكهرباء لاحقا .
والحقيقة ان الرجل قصد من وراء هذه التجربة ان يبرهن لجمهور العلماء امكانية الحصول على تيار كهربائي من القوة المغناطيسية ودعم وجهة نظره هذه حين احدث تيارا كهربائيا بامرار قضيب مغناطيسي في ملف سلكي يتصل بكلفانومتر وحصل على نفس النتيجة السابقة .
الاخوة الهواة الاعزاء .. اذا حتمت علينا هذه المقدمة ان نبدا كلامنا لتاريخ المواصلات اللاسلكية ، فاني ابدا واياكم من حيث ماقام به من تجارب ميخائيل فرداي وجوزيف هنري لان تلك التجارب كانت اول خطوة نحو المواصلات اللاسلكية ، وان كان صاحباها لايدريان ان تلك التجارب هي الاساس في تقدم هذا الفن لما وصل اليه حاليا . ناهيك عن تطبيقها في فروع اخرى للكهرباء مما احدث ثورة في هذا المجال وحقيقة ان فرداي لم يضع نظريات لتجاربه الكهرومغناطيسية او قوانين تضبطها.. حيث كان ذلك السبب مادفع دراسة هذا الموضوع والتصدي له بعمق وشمولية واسعة العالم الرائع كلارك ماكسويل Jame Clerk Maxweel من خلال دراسته في جامعة كمبرج .. ثم بعد تخرجه منها ، وعمله استاذا فيها اكمل كتابه المدهش عام 1864 والذي عالج فيه موضوع ( التوترات والضغوط ) الحاصلة في الفضاء والتي تعرف اليوم بموجات الراديو.. وكانت النتيجة ان نفح العالم بقوانين تحدد قوة المجال المغناطيسي واثره الكهربائي وتضبط تجارب فرداي التي لم تكن تشمل غير تاثير المغناطيس في الكهرباء وان كل تغير في المجال المغناطيسي له اثر في التيار الناشىء عنه .. غير ان ماكسويل أظهر بقوانينه على ان الحالة صحيحة وكذلك العكس ايضا ، أي ان كل تغير حاصل في التيار الكهربائي له اثر ايضا في المجال المغناطيسي .. مما لم يذكره فرداي في تجاربه سابقا . وقد بين الرجل كذلك ( ماكسويل ) ان كل تغير حاصل في المجال المغناطيسي او المجال الكهربائي ينتج امواجا وعند قياس سرعتها وجد انها مساوية لسرعة الضوء ولذا استنتج عام 1867 ان الضوء امواج كهرومغناطيسية وهو مانعبر عنه اليوم بالامواج المغناطيسية التي تنشأ عن فعل كهربائي ، وكذلك بين ان الضوء كموجات يمكن ان ينحرف ويمتص وينعكس ويتركز في بؤره واضا ف ان موجات الضوء تنير جسما ما عند السقوط عليه ، بينما موجات الراديولاتفعل ذلك ، بل تغير من طبيعة الشىء الذي تتركز عليه .. استقبل العلماءفي كل مكان تنبؤات ماكسويل ببرود وحتى اللورد كلفن لم يصدق ان ماكسويل كان على حق .. هذا وكانت نظريات ماكسويل ، هي اربعة نظريات في الرياضيات البحته تنبأ بها وكتبها قبل اثباتها عمليا .. وعندما اقول عمليا اخوتي الهواة ، اقصد بذلك انه لم يكن من السهل اثبات هذه النظرية من حيث سببين رئيسيين وهما .. وجوب احداث تلك الامواج على نحو مضبوط قابل للقياس بغية ( التاكد ) من انها حدثت فعلا .. ولو ان احداث تلك الامواج كان قائما بتفريغ شرر زجاجة ليدن كما ذكرت لكم وعلى اساس تجارب اللورد كلفن سنة 1853 وجورج فتزجرلد سنة 1883 في هذا الميدان ، والامر الثاني هو وجوب التقاط تلك الامواج بعد ذلك ، بيد ان الالتقاط لم يكن سهلا الى ان جاء هرتز Henri Rudolf Hertz سنة 1887 واجرى تجارب ناجحة .. وكان ذلك بعد وفاة ماكسويل بعشر سنين ، حيث قصد هرتز ان يحدث امواجا كهربائية ناتجة عن تفريغ شرري منتقلة بسرعة الضوء وذلك لاثبات نظرية ماكسويل السابقة وقد استطاع هرتز ان يحدث تلك الامواج الكهرومغناطيسية في الفضاء .. والاغرب من ذلك هو انه استطاع التقاطها حيث استخدم هرتز وعائي ليدن ، ووعاء ليدن هذا هو نوع من المكثف ( الذي يستطيع خزن الشحنة الكهربائية) و يصنع هذا المكثف بتغليف وعاء زجاجي من داخله ومن خارجه برقيقة معدنية وفيه مسماران واحد داخل الوعاء والاخر خارجه وكلاهما بين الرقيقة والزجاجة من الداخل والخارج ويلتقيان في اعلى الوعاء ويشكلان مسافة صغيرة بين راسيهما ( المفلطحين ) .. ووضع هرتز وعاء ليدن في غرفة والاخر من الناحية البعيدة ، وعندما ادار هرتز الة ومزهرست لتوليد الشحن الكهربائي وغذى اسلاكها الى الوعاء الاول وكل سلك الى مسمار ، حدثت شرارة كهربائية عبر فرجة الشرر وفي نفس الوقت تقريبا فرقعت شرارة في الزجاجة البعيدة ، وهنا حلت لحظة من اعظم لحظات تاريخ الراديو .. لقد انطلقت موجات راديو من وعاء ليدن الاول وقطعت الغرفة بسرعة (300,000) كم في الثانية وحرضت الوعاء الثاني على اصدار شحنته المجمعة من رقائقه المعدنية ، واصبحت هذه الموجات تسمى بعد ذلك ( الموجات الهرتزية ) ومن ثم طور الامر بحلقة معدنية فيها فتحة صغيرة فكان يرى الشرر في تلك الفتحة اذا احدث تفريغ شرري على مسافة من الحلقة نفسها ، وما كان يعلم ان تجاربه تلك كانت دعامة المواصلات اللاسلكية فيما بعد ..
ومن الجدير بالذكراخواني الهواة انه في عام 1879 جاء رجل يدعى أدوارد هيوز واستعمل جهاز استقبال صنعه بنفسه وكان عبارة عن حلقة معدنية ملفوف عليها سلك يتصل بسماعة راس واستمع به في قلب لندن الى طقطقة موجات الراديو التي كانت تنطلق من اعمدة شوارعها لحظة الاضاءة عند الغروب .. وكذلك جاء برانلي الفرنسي ودخل على هذه القضية وذلك عام 1892 عندما بين ان الامواج التي تحدث عن التفريغ الشرري لها تاثير غريب في برادة الحديد اذ انها تجعل هذه البرادة تتلاصق وتقلل من مقاومتها للكهرباء ، ولم يدرك برانلي ايضا سر عظمة اكتشافه الى ان جاء السر اولفر لودج عام 1894 وبث موجات راديو لمسافة 135 متر حيث بين ان موجات الراديو التي احدثتها الشرارة في وعاء ليدن الاول حرضت شرارة عبر فرجة الشرر في وعاء ليدن الثاني ، ولكن موجات الراديو الصادرة عن شرارة كهربائية يمكنها فقط ان تسمع كطقطقة في سماعة الراس او مكبر الصوت (بوق الصوت) وبين كذلك انه اذا ما اريد اتخاذ خطوة للامام في ان يكون لموجات الراديو ان تحدث رسالة مقروءه .. لابد من اتخاذ خطوة اخرى .. وهنا نبه الى خطر هذه القضية !! وذلك عند استعمال امواج هرتز ورابط برانلي ( coherer) للتخاطب
عن بعد بواسطة ابجدية مورس التي وضعت سابقا عام 1831 من قبل العالم صاموئيل مورس S.F.B.Mors
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)