زيارة أسامة الثانية لدمشق
(1154 - 1164 م)


ثم اتصلت بخدمه الملك العادل نور الدين رحمه الله وكاتب الملك الصالح في تسير أهلي وأولادي الذين تخلفوا بمصر وكان محسناً إليهم. فرد الرسول اعتذر بأنه يخاف عليهم من الإفرنج، وكتب إلي يقول ترجع إلى مصر وأنت تعرف ما بيني وبينك، وإن كنت مستوحشاً من أهل القصر فتصل إلى مكة وأنفذ لك كتاباً بتسليم مدينه أسوان إليك، وأمدك بما تتقوى به على محاربة الحبشة فأسوان ثغر من ثغور المسلمين واسير أهلك وأولادك. ففاوضت الملك العادل واستطلعت أمره فقاليا فلان، ما صدقت متى تخلص من مصر وفتنتها، تعود إليها! العمر أقصر من ذلك. أنا انفذ أحذ لأهلك الأمان من ملك الإفرنج أسير من يحضرهم. فانفذ رحمه الله أخذ أمان الملك وصليبه في البر والبحر.


أسرة أسامة بيد الإفرنج


وسيرت الأمان مع غلام لي وكتاب الملك العادل وكتابي إلى الملك الصالح، فسيرهم في عشاري من الخاص إلى دمياط، وحمل لهم كل ما يحتاجونه من النفقات الزاد ووصى بهم، واقلعوا من دمياط في بطسه من بطس الإفرنج، فلما دنوا من عكاروالملك، لا رحمه الله، فيها نفذ قوم في مركب صغير كسروا البطسه بالفؤوس واصحابي يرونهم، وركب ووقف على الساحل نهب كل ما فيه. فخرج إليه الغلام لي سابحاً والأمان معه وقال لهيا مولاي الملك، ما هذا أمانك؟ قال بلى، ولكن هذا رسم المسلمينإذا انكسر لهم مركب على بلد نهبه أهل ذلك البلد. قال فتسبينا؟ قاللا، وانزلهم لعنه الله في دار وفتش النساء حتى أخذ كل ما معهم. وقد كان في المركب حلى اودعه النساء وكسوات وجوهر وسيوف وسلاح وذهب وفضه بنحو من ثلاثين ألف دينار، فأخذ الجميع ونفذ لهم خمس مائه دينار، وقالتوصلوا بهذه إلى بلادكم وكانوا رجالاً ونساء في خمسين نسمه. وكنت إذ ذلك مع الملك العادل في بلاد الملك مسعود رعبان وكيسون. فهون علي سلامة أولادي وأولاد أخي، وحرمنا ذهاب ما ذهب من المال إلا ما ذهب لي من الكتب، فإنها كانت أربعة آلاف مجلد من الكتب الفاخرة، فإن ذهابها حزازة في قلبي ما عاشت. فهذه نكبات تزعزع الجبال وتفني الأموال، والله سبحانه يعوض برحمته ويختم بلطفه ومغفرته. وتلك وقعات كبار شاهدتها مضافة إلى نكبات نكبتها سلمت فيها النفس لتوقيت الآجال واجحفت بهلاك المال.

معارك مع الإفرنج ومع المسلمين


وقد كان بين هذه الوقعات فترات شهدت فيها من الحروب مع الكفار والمسلمين ما لا احصيها، وسأورد من عجائب ما شاهدته ومارسته في الحروب ما يحضرني ذكره، وما النسيان بمستنكر لمن طال عليه ممر الأعوام وهو وراثة بني آدم من أبيهم عليه الصلاة والسلام.

شرف الفارس جمعة


فمن ذلك ما شهدته من أنفة الفرسان وحملهم نفوسهم على الأخطار، أننا كنا التقينا نحن وشهاب الدين محمود بن قراجا، صاحب حماه ذلك الوقت وكانت الحرب بيننا وبينه ما تغب، والمواكب واقفه والطراد بين المتسرعة، فجاءني رجل من أجنادنا وفرساننا المعدودين يقال له جمعه من بني نمير وهو يبكي، فقلت لهمالك يا أبا محمود؟ هذا وقت بكاء؟ قال طعنني سرهناك بن أبي منصور. قلتوإذا طعنك سرهنك أي شيء يكون؟ قالما يكون شيء إلا يطعنني سرهنك! والله إن الموت أسهل علي من أن يطعنني لكنه استغفلني واغتالني فجعلت أسكته واهون الأمر عليه، فرد رأس فرسه راجعاً. فقلتإلى أين يا أبا محمود؟ قالإلى سرهناك، والله لأطعنه أو لأموتن دونه. فغاب ساعة واشتغلت أنا بمن مقابلي، ثم عاد وهو يضحك فقلتما عملت؟ فقالطعنته والله، ولو لم اطعنه لفظت روحي، فحمل عليه في جمع أصحابه فطعنه وعاد، فكأن هذا الشعر عن سرهنك وجمعة بقوله

لله درك ما تظن بثائرً

حران ليس عن التراث براقد
أيقظته ورقدت عنه ولم ينم

حنقاً عليك وكيف نوم الجاهد
إن تمكن الأيام منك وعلها

يوماً يكل لك بالصواع الزائد

وقد يكون سرهنك هذا من الفرسان المذكورين مقدماً في الأكراد، إلا أنه كان شاباً وجمعة رجل كهل له ميزة بالسن والتقدمية في الشجاعة.


في صدر الإسلام


وذكرت بفعلة سرهنك ما فعله مالك بن الحارث الاشتر رحمه الله بأبي مسيكه الايادي. وذلك انه لما ارتدت العرب في أيام أبي بكر رضوان الله عليه، وعزم الله سبحانه له على قتالهم، جهز العساكر إلى قبائل العرب المرتدين. فكان أبو مسيكه الأيادي مع بني حنيفة وكانوا أشد العرب شوكه. وكان مالك الأشتر في جيش أبي بكر رحمه الله. فلما توقفوا برز مالك بين الصفين وصاحيا أبا مسيكة فبرز له فقال ويحك يا أبا مسيكة، بعد الإسلام وقراءة القرآن رجعت إلى الكفر؟ فقالإياك عني يا مالك! انهم يحرمون الخمر، ولا صبر عنها. قال هل لك في المبارزة؟ قال نعم. فالتقيا بالرماح والتقيا بالسيوف فضربه أبو مسيكة فشق رأسه وشتر عينه وبتلك الضربه سمي الأشتر. فرجع وهو معتنق رقبه فرسه إلى رحله، واجتمع له قوم من أهله وأصدقائه يبكون. فقال لأحدهمادحل يدك في فمي. فادحل إصبعه في فمه فعضها مالك فالتوى الرجل من الوجع. فقال مالك لابأس على صاحبكم. يقال إذا سلمت الأضراس سلم الرأس، أحشوها يعني الضربه سياقاً وشدوها بعمامة فلما حشوها وشدوها قالهاتوا فرسي. قالواإلى أين قالإلى أبى مسيكة. فبرز بين الصفين وصاح يا أبا مسيكة! فخرج إليه مثل السهم فضربه مالك بالسيف على كتفه فشقها إلى سرجه فقتله. ورجع مالك إلى رحله فبقى أربعين يوماً لا يستطيع الحراك، ثم ابل وعوفي من جرحه ذلك.

سلامة المطعون


ومن ذلك ما شهدته من سلامة المطعون، وقد ظن أنه هلك، أننا التقينا بوادر خيل شهاب الدين محمود بن قراجا، قد جاء إلى أرضنا وكمن لنا كميناً. فلم توقفنا نحن وهو انتشرت خيلنا. فجاءني فارس من جندنا يقال له علي بن سلام نميري وقال أصحابنا قد انتشروا ان حملوا عليه أهلكوهم. قلت احبس عني اخوتي وبني عمي حتى أردهم. فقاليا أمراء، دعوا هذا يرد الناس ولا تتبعوه، وإلا حملوا عليهم قلعوهم. قالوا يمضي. فخرجت أناقل حصاني حتى رددتهم، وكانوا ممسكين عنهم ليستجر وهم ويتمكنوا منهم. فلما رأوني قد رددتهم حملوا علينا وخرج كمينهم وأنا على فسحة من أصحابي فرجعت مباريهم أريد احمي أعقاب أصحابي فوجدت ابن عمي ليث الدولة يحيى رحمه الله قد حدب من وراء أصحابي من قبل الطريق وأنا في شمالية فجئناهم، فتسرع فارس من خيلهم يقال له فارس بن زمام رجل عربي فارس مشهور، وجازنا يريد الطعن في أصحابنا فسبقني إليه ابن عمي فطعنه فوقع هو وحصانه وفقع الرمح سمعتها أنا وأولئك. وكان الوالد رحمه الله أرسل رسولا إلى شهاب الدين فأخذه معه لما جاء لقتالنا فلما طعن فارس بن زمام ولم يبلغ منا ما أراد نفذ الرسول من مكانه بجواب ما سار فيه ورجع إلى حماه، فسألت الرسولهل مات فارس بن زمام، قاللا والله ولافيه جرح قالليث الدولة طعنه وأنا أراه فرماه ورمى حصانه وسمعت قعقعة كسر الرمح، لما غشيه ليث الدولة من يساره مال على جانبه الأيمن وفي يده قنطاريته فوقع حصانه على قنطاريته وهي على وهده فانكسرت، وتذنب ليث الدولة برمحه فوقع من يده، والذي سمعت قعقعة قنطاريه فارس بن زمام، ورمح ليث الدولة أحضره بين يدي شهاب الدين وأنا حاضر، وهو صحيح ما فيه كسر ولا في فارس جرح، فعجبت من سلامته وكانت تلك الطعنه طعنه فيصل كما قال عنترة


الخيل تعلم والفوارس أنني

فرقت جمعهم بطعنة فيصل

ورجع جميعهم كمينهم ما نالوا منه ما أرادوه. والبيت المقدم من أبيات عنترة بن شداد يقول فيها


إني أمرؤ من خير عبس منصباً

شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت فتلاحظت

ألفيت خيرا من معم مخول
وإن المنية لو تمثل مثلت

مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
والخيل تعلم والفوارس أنني

فرقت جمعهم بطعنة فيصل
ودعوا نزال فكنت أول نازل

وعلام أركبه إذا لم أنزل

أول قتال حضره أسامة


ومثل ذلك ما جرى لي على افامية فإن نجم الدين بن إيلغازي بن ارتق رحمه الله كسر الإفرنج على البلاط وذلك يوم الجمعة خامس جمادى الأولى سنة، ثلاث عشرة وخمسمائة وأفناهم وقتل صاحب إنطاكية روجار وجميع فرسانه، فسار إليه عمي عز الدين ابو العساكر سلطان رحمه الله، وتخلف والدي رحمه الله في حصن شيزر، وقد وصاه ان يسيروني إلى افامية بمن معي بشيزر من الناس والعرب لنهب زرع افامية، وكان قد هدف من العرب إلينا خلق كثير. فلما سار عمي نادى المنادي بعد يوميات من مسيره وسرت في نفر قليل ما عشرين فارساً، ونحن على يقين أن افاميه مافيها خياله ومعي خلق عظيم من النهاية والبداية، فلما صرنا على وادي أبو الميمون، والنهابة والعرب متفرقون في الزرع، خرج علينا من الإفرنج جمع كثير، وكان قد وصلها تلك الليلة ستون فارساً وستون راجلاً فكشفونا عن الوادي، فاندفعنا بين أيديهم إلى أن وصلنا الناس الذين في الزرع ينتهبونه فضجوا ضجة عظيمة، فهان علي الموت لهلاك ذلك العالم معي، فرجعت على فارس في أولهم قد ألقى عنه درعه وتخفف ليجوزنا من بين أيدينا، فطعنته في صدره فطار عن سرجه ميتا. ثم استقبلت خيلهم المتتابعة فولوا أنا غر من القتال ما حضرت قتالا قبل ذلك اليوم وتحتي فرس مثل الطير ألحق أعقابهم لأطعن فيهم ثم اجتن عنهم. وفي أخرهم فارس على حصان ادهم مثل الجمل بالدرع ولأمه الحرب وأنا خائف منه لا يكون جذاباً لي ليعود علي، حتى رأيته ضرب حصانه بمهمازه فلوح بذنبه فعلت انه قد اعيا، فحملت عليه طعنته فنفذ الرمح من قدامه نحواً من ذراع، وخرجت من السرج لخفة جسمي وقوة الطعنه وسرعة الفرس، ثم تراجعت وجذبت رمحي وأنا أظن أنى قتلته، فجمعت أصحابي وهم سالمون. وكان معي مملوك صغير يجر فرساً لي دهماء مجنوبة وتحته بغلة مليحة سروجية وعليها مركوب صقيل فضة، فنزل عن البغلة وسيبها وركب الحجرة فطارت به إلى شيزر، فلما عدت إلى أصحابي وقد مسكوا البغله سألت عن الغلام فقالوا راح. فعلمت انه يصل شيزر ويشغل قلب الوالد رحمه الله، فدعوت رجلاًمن الجند وقلتتسرع إلى شيزر تعرف والدي بما جرى. وكان الغلام لما وصل أحضره الوالد بين يديه وقالأي شيء لقيتم؟ قاليا مولاي خرج الإفرنج في ألف، وما أظن أحد يسلم إلا مولاي قالكيف يسلم مولاك دون الناس؟ رأيته قد لبس وركب الخضراء هو يحدثه، وذلك الفارس قد وصله وأخبره باليقين ووصلت بعده فاستخبرني رحمه الله. فقلت يا مولاي كان أول قتال حضرته، فلما رأيت الإفرنج قد وصلوا إلى الناس هان علي الموت فرجعت إلى الإفرنج لأقتل أو أحمي ذلك العالم فقال رحمه الله متمثلاً

يفر جبان القوم عن أم رأسه

ويحمي شجاع القوم من لا يلازمه

ووصل عمي رحمه الله من عند نجم الدين ايلغازي رحمه الله بعد أيام فأتاني رسوله يستدعيني في وقت ما جرت عادته فيه، فجئته فإذا عنده رجل من الإفرنج فقالهذا الفارس قد جاء من افامية يريد يبصر الفارس الذي طعن فيليب الفارس، فإن الإفرنج تعجبوا من تلك الطعنة وإنها خرقت الزردية من طاقتين وسلم الفارس. قلتكيف سلم؟ قال ذلك الفارس الإفرنجي جاءت الطعنة في جلدة خاصرته. فقلت نعم الأجل حصن حصين. وما ظننته يسلم من تلك الطعنة. قلت يجب على من وصل إلى الطعنة أن يشد يده وذراعه على الرمح جانبه ويدع الفرس يعمل ما يعمله في الطعنة، فإنه متى حرك يده بالرمح مدها به لم يكن لطعنته تأثير ولا نكاية.


يسلم بعد أن قُطع شريان قلبه


وشاهدت فارساً من رجالنا يقال له ندى بن تليل القشيري وكان من شجعاننا، وقد التقينا نحن والإفرنج وهو معرى ما عليه غير ثوبين فطعنه فارس من الإفرنج في صدره فقطع هذه العصفورة التي في الصدر وخرج الرمح من جانبه، فرجع وما نظنه يصل منزله حياً، فقدر الله سبحانه ان سلم وبرأ جرحه، لكنه لبث سنة إذا نام على ظهره لا يقدر يجلس إن لم يجلسه إنسان بأكتافه، ثم زال عنه ما كان يشكوه وعاد إلى تصرفه وركوبه كما كان. قلت فسبحان من نفذت مشيئته في خلقه يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

واخر يموت من إبرة


كان عندنا رجل من المصطنعة يقال له عتاب، اجسم ما يكون من الرجل واطولهم دخل بيته فاعتمد على يده عند جلوسه على ثوب بين يديه كانت فيه إبرة دخلت لعظم خلقه وجهارة صوته يموت من إبرة وهذا القشيري يدخل في صدره قنطاريه تخرج من جنبه لا يصيبه شيء.

حوادث الزمر كل


نزل علينا صاحب إنطاكية لعنه الله بفارسه وراجله وخيامه في بعض السنيين فركبنا ولقيناهم نظن انهم يقاتلونا، فجاؤا نزلوا منزلاً كانوا ينزلونه وهجموا في خيامهم، فرجعنا نحن إلى آخر النهار ثم ركبنا، ونحن نظن انهم يقاتلونا فما ركبوا من خيامهم. وكان للابن عمي ليث الدولة يحيي غلة قد نجزت وهي بالقرب من الفرنج فجمع دواب يريد يمضي إلى الغلة يحملها، فسرنا معه في عشرين فارساً معدين وقفنا بينه وبين الفرنج إلى أن حمل الغلة ومضى، فعدلت أنا ورجل من مولدين يقال له حسام الدولة مسافر رحمه الله إلى كرم رأينا فيه شخوصاً وهم على شط النهر، فلما وصلنا الشخوص التي رأيناها والشمس على مغيبها، فإذا شيخ عليه معرقة إمراة ومعه آخر. فقال له حسام الدولة وكان رحمه الله رجلاً جيداً كثير المزاح يا شيخ أي شيء تعمل ها هنا؟ قالأنتظر الظلام واسترزق الله تعالى من خيل هؤلاء الكفار. قال يا شيخ بأسنانك تقطع عن خيلهم؟ قال لا بهذه السكين. وجذب سكين من وسطه مشدودة بخيط مثل شعلة النار، وهو بغير سراويل، فتركناه وانصرفنا. أصبحت من بكرة ركبت انتظر ما يكون من الإفرنج، وإذا الشيخ جالس في طريقي على حجر والدم على ساقه وقدمه وقد جمد. قلت يهنئك السلامة، أي شيء عملت؟ قالأخذت منهم حصاناً وترساً ورمحاً ولحقني راجل وأنا خارج من عسكرهم طعنني نفذ القنطارية في فخذي وسبقت بالحصان والترس والرمح، وهو مستقل بالطعنة التي فيه كأنها في سواه. وهذا الرجل يقال له الزمركل من شياطين اللصوص. حدثني عنه الأمير معين الدين رحمه الله قال أغرت زمان مقامي بحمص على شيزر وعدت آخر النهار نزلت على ضيعة من بلدة حماه، وأنا عدو لصاحب حماه، قال فجاءني قوم معهم شيخ قد أنكروه فقبضوه وجاؤوني به فقلت يا شيخ أيش أنت قاليا مولاي أنا رجل صعلوك شيخ زمن وأخرج يده من زمنه قد اخذ لي العسكر عنزتين جئت خلفهم لعل إن يتصدقوا علي بهما. فقلت لقوم من الجندارية احفظوه إلى غد فأجلسوه بينهم وجلسوا على اكمام فروة عليه فاستغفلهم في الليل وخرج من الفروة وتركها تحتهم وطار فعدوا في أثره، سبقهم ومضى، قال وكنت قد نفذت بعض أصحابي في شغل فلما عادوا وفيهم جندار يقال له سومان قد كان يسكن بشيزر فحدثته حديث الشيخ قال واحسرتي عليه لو كنت لحقته كنت شربت دمه هذا الزمر كل. قلتفأي شيء بينك وبينه قال نزل عسكر الفرنج على شيزر فخرجت أدور به لعل أسرق حصاناً منهم، فلما أظلم الظلام مشيت إلى طوالة خيل بين يدي، وإذا هذا جالس بين يدي. فقال ليإلى أين قلتاخذ حصاناً من هذه الطوالة. قال وأنا من العشاء انظرها حتى تأخذ أنت الحصان! قلت لا تهذ. قال لا تغتر. والله ما أدعك تأخذ شيئاً. فما التفت إلى قوله ويممت إلى الطوالة. فقام وصاح بأعلى صوتهوافقري واخيبة تعبي وسهري. وصيح حتى خرج على الفرنج، فأما هو فطار، فطردوني حتى رميت نفسي في النهر، وما ظننت أني أسلم منهم، ولو لحقتهم كنت شربت دمه، وهو لص عظيم، وما تبع العسكر إلا يسرق منه. فكان هذا الرجل يقول من يراهما في هذا يسرق رغيف خبز من بيته.

سرقة الخيل


ومن عجيب ما اتفق في السرقة ان رجلا كان في خدمتي يقال له علي ابن الدودويه من اهل مثكير ونزل يوما الإفرنج لعنهم الله على كفر طاب، وهي ذا ذاك لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله. فخرج هذا علي بن الدودوية، دار بهم وأخذ حصاناً ركبه وخرج من العسكر يركض، وهو يسمع الحس خلفه ويعتقد ان بعضهم ركب في طلبه، وهو مجد في الركض والحس خلفه حتى ركض قدر فرسخين والحس معه. فالتفت يبصر ما خلفه في الظلام، وإذ بغلة كانت تألف الحصان قد قطعت مقودها وتبعته، فوقف حتى شد فوطته في رأسها وأخذها وأصبح عندي في حماه بالحصان والبغله. وكان الحصان من أجود الخيل وأحسنها وأسبقها.