يقاتل لرد الجميل
ومن الناس من يقاتل للوفاء فمن ذلك رجلاً من الأكراد يقال له فارس وكان كإسمه فارس وأي فارس، فحضر أبى وعمي رحمهما الله وقعة كانت بينهما وبين سيف الدولة خلف بن ملاعب. عمل عليهم فيها وغدر بهم، وقد حشد وجمع وهم غير متأهبين لما جرى، وسبب ذلك انه راسلهم وقالنمضي إلى أسفونا وفيها الفرنج نأخذها. فسبقه أصحابنا إليها وترجلوا وزحفوا
إلى الحصن نقبوهم وهم في القتال وابن ملاعب وصل، فأخذ خيل من كان ترجل من أصحابنا ووقع القتال بينهم بعدما كان للإفرنج واشتد بينهم القتال. فقاتل فارس الكردي قتالاً عظيماً وجرح عدة جراح، ومازال يقاتل ويجرح حتى اثخن بالجراح وانفصل القتال، فاجتاز أبى وعمي رحمهما الله وهو محمول بين الرجال فوقفا عليه وهنآه بالسلامة فقالوالله ما قتلت أريد السلامة لكن لكم علي جميل وفضل كثير، وما رأيتكم في شدة مثل هذا اليوم فقلتأقاتل بين أيديكم وأجازيكم عن جميلكم وأقتل قدامك. وقضى سبحانه وتعالى أن عوفي من تلك الجراح ومضى إلى جبله وفيها فخر الملك بن عمار وفي الاذقية الإفرنج، فخرجت خيل من جبلة تريد الغارة على الاذقية، وخرجت خيل من الاذقية تريد الغارة على جبلة، فنزل الفريقان في الطريق وبينهما رابية. فطلع فارس من الإفرنج من جانبهم يكشف الرابية وطلع فارس كردي من الجانب الأخر يكشف لأصحابه. فألتقى الفارسان على متن الرابية وكل واحد منهما على صاحبه فاختلفا طعنتين فوقعا ميتين وبقيت الحصون تتواصل على الرابية والفارسان قتيلان. وكان لفارس هذا عندنا ولد علان من الجند له خيل الملاح والعدة الحسنة، ولكن ما كان كأبيه. فنزل علينا دنكري صاحب إنطاكية يوماً وقاتلنا قبل ضرب الخيام، وهذا علان بن فارس على حصان مليح باغز من لأحسن الخيل وهو واقف على رفعة من الأرض، فحمل عليه فارس من الإفرنج وهو كالغافل فطعن حصانه في رقبته ونفذ القنطارية، فشب الحصان ورمى علان وعاد الإفرنجي والحصان معارضه والقنطارية في رقبته كأنه تجنبه، يتمختر بغنيمة حسنة.
الخيول الصبورة والضعيفة
وعلى ذكر الخيل ففيها الصبور كالرجال وفيها الخوار، فمن ذلك انه كان في جندنا رجل كردي يقال له كامل المشطوب في الشجاعة والدين والخير رحمه الله ولحصانه أدهم أصم مثل الجمل، فألتقى هو وفارس من الإفرنج فطعن الإفرنجي حصانه في موضع القلادة فمالت رقبته من شدت الطعن وخرجت القنطارية من أصل رقبة الحصان فضربت فخذ كامل المشطوب وخرجت من الجانب الأخر، وما تزعزع الحصان من تلك الطعنة ولا فارسه. وكنت أرى ذلك الجرح الذي في فخذه بعدما اندمل وختم وهو كأكبر ما يكون من الجراح، وسلم الحصان وعاد حضر عليه القتال. فالتقى هو وفارس من الإفرنج فطعن الحصان في جبهته خسفها ولم يتزعزع، وسلم من تلك الطعنة الثانية فكانت بع ان ختمت إذا اطبق الإنسان كفه وأدخلها في جبهة الحصان في موضع الجرح وسعها. وكان من طريف ما جرى في ذلك الحصان أن أخي عز الدولة أبا الحسن علياً رحمه الله اشتراه من كامل المشطوب، وكان ثقيل العدو فأخرجه في ضمان قرية كانت بيننا وبين فارس من إفرنج كفر طاب، فبقي عنده سنة ثم عاد مات فأرسل إلينا يطلب ثمنه قلنااشتريته وركبته ومات عندك، كيف تطلب ثمنه؟ قالانتم سقيتموه شيئاً يموت منه بعد سنة. فعجبنا من جهله وسخافة عقله. وجرح تحتي حصان عل حمص شقت الطعنة قلبه وأصابه عدة سهام، فأخرجني من المعركة ومنخراه يدميان بالدم كالغزلتين، وما أنكرت منه شيئاً وبعد وصولي إلا أصحابي مات. وجرح تحتي حصان في بلدة شيزر في حرب محمود بن قراجا ثلاثة جراح وأنا أقاتل عليه ولا أعلم، وله أنه قد جرح، لاني ما انكرت منه شيئاً. وأما خورها وضعفها على الجراح فإن عسكر دمشق نزل على حماة وهي لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني ودمشق لشهاب الدين محمود بن بوري بن طغدكين وأنا بها، زحفوا إلينا في جمع كثير، ووالي حماة شهاب الدين أحمد بن صلاح الدين وهو على تل مجاهد، فجاءه الحاجب غازي التلي فقالقد انتشرت الرجالة والخوذ تتلامع بين الخيام، والساعة يحملون على الناس يهلكونهم فقالامضي ردهم فقالوالله ما يردهم إلا أنت أو فلان يعنيني فقال ليتخرج تردهم فقلتزردية كانت على الغلام لي لبستها وخرجت ردت الناس بالدبوس وتحتي حصاناً أشقر من أجود الخيل واتلعها، فلما رددت الناس زحفوا إلينا، وما برى من سور حماة فارس غيريمنهم من دخل المدينة وايقنوا انهم مأخوذون، ومنهم من هو مترجل في ركابي، فإذا حملوا علينا أخرت الحصان بعنانه وأنا مستقبلهم، وإذا عادوا مشيت خلفهم سترة لضيق المجال وازدحام الناس، فضربت حصاني نشابة في ساقه خمشته فوقع بي وقام ووقع وأنا أضربه حتى قال لي الرجال الذين في ركابي ادخل إلى البشورة إركب غيره فقلتوالله ما أنزل نه فرأيت من ضعف ذلك الحصان ما لم أره من غيره.
ومن حسن صبر الخيل طراد بن وهيب النمري حضر القتال بين بتي نمير، وقد قتلوا علي بن شمس الدولة سالم بن مالك والي الرقة وملوكها والحرب بينهم وبين أخيه شهاب الدين مالك بن شمس الدولة وتحت طراد بن وهيب حصان له من أجود الخيل له قيمة كبيرة فطعن في خاصرته فخرجت مصارينه، فشدها طراد السموط لا يدوسها فيقطعها، وقاتل حتى انقضى القتال، فدخل به إلى الرقة فمات.
استعدد دائم للقتال
قلت اذكرني ذكر الخيل بأمر جرى لي مع صلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله نزل إلى دمشق في سنة ثلاثين وخمس مائة بأرض داريا. وقد راسله صاحب بعلبك جمال الدين محمد ابن بوري بن طغدكين رحمه الله في الوصول إليه، وخرج من بعلبك متوجه إلى خدمت أتابك، فبلغه ان عسكر دمشق خرج يريد أخذه. فأمر صلاح الدين ان نركب للقائه ودفع الدمشقيين عنه. فجاءني رسوله يقولاركب وخيمتي إلى جانب خيمته، وهو قد ركب ووقف عند خيمته، فركبت في الوقت فقال كنت قد علمت بركوبي. قلتلا والله. قالالساعة نفذت إليك فركبت في الوقت. قلت يا مولاي حصاني شعيرة، ويلجمه الركابي ويقعد وهو في يده على باب الخيمة وأنا ألبس عدتي وأتقلد سيفي وأنام. فلا جاءني رسولك ما كان لي ما يعوقني
فوقف إلى أن اجتمع عنده جماعة من العسكر وقالألبسوا سلاحكم وقد لبس أكثر الحاضرين وأنا إلى جانبه ثم قالكم أقول ألبسوا سلاحكم، قلت يا مولاي لاتكون تعنني. قالنعم قلت والله ما أقدر ألبس، نحن في أول الليل، وكزاغندي فيه زرديتان مطبقة وإذا رأيت العدو لبسته. فسكت.
وسرنا فأصبحان عند الضمير. فقال لي ما ننزل نأكل شيئاً؟ فقد جعت من السهر. قلت الأمر لك. فنزلنا فما استقر على الأرض حتى قالأين كزاغندك؟ فأمرت الغلام فأحضره أسرجته من عيبته واسرجت السيكن فتقته عند صدره أظهرت جانب الزرديتين، وكان فيه زردية إفرنجية إلى ذيله وفوقها أخرى إلى وسطه على كل زردية البطائن واللبد واللاسين ووبر الأرنب. فالتفت إلى غلام له كلمه بالتركي ولا ادري ما يقول فاحضر بين يديه حصاناً كميتاً كان أطاعاه إياه أتابك في تلد الأيام كالصخرة الصماء قدت من قنة الجبل. فقال هذا الحصان يصلح لهذا الكزاغند، سلمه إلى الغلام فلان فسلمه إلى غلامي.
حضور الذهن
قلت كان عمي عزالدين رحمه الله يتفقد مني حضور فكري في القتال ويمنحني بالمسألة، فنحن يوماًفي بعض الحرب التي كانت بيننا وبين صاحب حماة وقد حشد وجمع ووقف على ضيعة من ضياع شيزر يحرق وينهب. فجرد عمي من العسكر نحواً من ستين سبعين فارساً وقال لي خذهم وسر إليهم فمضينا نتراكض والتقينا بوادر خيلهم فكسرناهم وطعنا فيهم وقلعناهم من موضعهم الذي كانوا عليه. ونفذت فارساً من أصحابي إلى عمي وأبي رحمهما الله وهما واقفان ومعهما باقي العسكر وراجل كثير أقول لهماسيرا بالرجالة فقد كسرتهم. فسارا إلى فلما قربا حملنا عليهم كسرناهم، ورموا خيلهم في الشاروف وعبروه سباحة وهو زائد، ومضوا وعدنا بالنصر. فقال لي عميأي شيء نفذت تقول لي؟ قلتمع رجب العبد. قالصدقت، ما أراك كنت إلا حاضر القلب، ما ادهشك القتال. ومرة أخرى اقتتلنا نحن وعسكر حماة، وكان محمود بن قراجا قد استعانا على قتلنا بعسكر أخيه خير خان بن قراجا صاحب حمص، وكان قد ظهر لهم في ذلك الزمان حمل الرماح المؤلفة بوصل الرمح إلى بعض رمح آخر بحيث يصير طوله عشرين ذراعاً أو ثمانية عشر ذراعاً. فوقف مقابلي موكب منهم وأنا في سربة نحو من خمس عشر فارساً فحمل علينا منهم علوان العراقي وهو من فرسانهم وشجعانهم. فلما دنا منا ما تزعزعنا رجع ورد رمحه إلى خلفه، فرأيته كالحبل مطروحاً على الأرض لا يقدر يرفعه، فأطلقت حصاني عليه فطعنته وقد وصل إلى أصحابه، وعدت وراياتهم على رأسي، فلقيهم أصحابي وفيهم أخي بهاء الدولة منقذ رحمه الله فردهم وقد انقطع نصف يرقي في كزاغندة علوان ونحن بالقرب من عمي وهو يراني. فلما انفصل القتال قال لي عميأين طعنت علوان العراقي قلتأردت ظهره، فمال الهواء بالبيرق فوقع الرمح في جانبه. قالصدقت. ما كنت إلا حاضر القلب ذلك الوقت.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)