الحصار


فأما التغرير في الأقدام فما هو للزهد في الحياة، وإنما سببه ان الرجل إذا عرف بالأقدام ووسم بأسم الشجاعة وحضر القتال طالبته همته بفعل ما يذكر به ويعجز عنه سواه، وخافت نفسه الموت وركوب الخطر كادت تغلبه وتصده عما يريد يفعله حتى يضطرها ويحملها على مكروهها، فيعتريه الزمع وتغير اللون لذلك. فإذا دخل في الحرب بطل روعه وسكن جأشه. ولقد حضرت حصار الحصن الصور مع ملك الأمراء أتابك زنكي رحمه الله وتقدم شيء من ذكره، وكان للأمير فخر الدين أرسلان بن داود بن سقمان بن ارتق رحمه الله، وكان محشوناً بالرجال الجرخية. وذلك بعد كسرته على آمد، فأول ما ضربت الخيام نفذ رجلاً من أصحابه صاح تحت الحصنيا جماعة الجرخية، يقول لكم أتابكونعمة السلطان لئن قتل من أصحابي رجلاً واحد بنشابكم لأقطعن أيديكم! ونصب على الحصان المناجيق فهدمت جانباً منه وبلغ الهدم منه بحيث نطلع الرجال، فجاء رجل من جنادرية أتابك من أهل حلب يقال له ابن العريق طلع في تلك الثغرة وضاربهم بسيفه فجرحوه عدة جراح ورموه من البرج إلى الخندق، وتكاثر الناس عليهم في تلك الثغرة فملكوا الحصن، وطلع نواب أتابك إليه فأخذوا مفاتيحه نفذها إلى حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق وأعطاه الحصن. واتفق ان نشابة جرخ ضربت رجلاً من الخرسانية في ركبته قطعت الفلكة التي على المفصل الركبة فمات. فأول ما ملك أتابك الحصن استدعى الجرخية وهم تسعة نفر، فجاءوا وقسيهم موترة على أكتافهم، فأمر بجز إبهاماتهم من زنودهم فاسترخت أيديهم وتلفت.

وأما ابن العريق فداوى جراحه وبرء بعد ان شارف على الموت، وكان رجلاً شجاعاً يحمل نفسه على الأخطار. ورأيت مثل ذلك وقد نزل أتابك على الحصن البارعة وحوله صفا صخر لا تنضرب عليه الخيام، فنزل أتابك في الوطا ووكل به الأمراء بالنوبة. فركب إليه أتابك يوماً والنوبة للأمير أبي بكر الدبيسي وما معه أهبة القتال، فوقف أتابك وقال لأبي بكر تقدم قاتلهم. فزحف بأصحابه يقال له مزيد، لم يكن قبل ذلك من المشهورين بالقتال والشجاعة، فقاتل قتالاً عظيماً وضرب فيهم بسيفه وفرق جمعهم وجرح عدة جراح، فرأيته قد حملوه إلى العسكر وهو في آخر رمقه ثم عوفي، وقدمه أبو بكر الدبيسي وخلع عليه وجعله من جملة جنادريته.

الغسياني يقطع من يشاء نصفين ويسبي المعاهدين



كان أتابك يقول لي ثلاثة غلمان أحدهم يخاف الله تعالى ولا يخافني يعني زين الدين علي كوجك رحمه الله، والأخر يخافني وما يخاف الله تعالى يعني نصير الله صنقر رحمه الله والآخر ما يخاف الله ولا يخافني يعني صلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله. وشهدت منه تجاوز الله عنه، ما يحقق قول أتابك، وذلك أنا زحفنا يوماً على حمص وقد أصاب الأرض مطراً عظيم حتى ما بقيت الخيل تتصرف من ثقل الأرض بالوحل والرجالة يتناوشون وصلاح الدين واقف وأنا معه، ونحن نرى الرجالة بين أيدينا، فعدا واحد من الرجالة إلى رجالة حمص أختلط بهم، وصلاح الدين يراه فقال لواحد من أصحابههات ذاك الرجل الذي كان إلى جانبه. فمضى أحضره، فقال لهمن هذا الذي كان انهزم من جانبك دخل إلى حمص؟ قال والله يا مولاي ما اعرفه. قال وسطوه قلتيا مولاي تعتقله وتكشف عن ذلك الرجل فأن كان يعرفه أو مته بنسب ضربت رقبته، وإلا ترى فيه رأيك. فكأنه جنح إلى قولي، فقال غلام له من خلفه يهرب واحد يؤخذ الذي كان في جانبه تضرب رقبته أو يوسط. فأحنقه كلامه وقال وسطوه، فرفسوه كالجاري العادة ووسطوه وما له ذنب إلا اللجاج وقلة مراقبة الله تعالى. وحضرته مرة أخرى بعدما وصلنا من مصاف بغداد، وأتابك يجتهد يظهر تجلداً وقوة وقد أمر صلاح الدين بالمسير إلى الأمير قفجاق يكبسه، فسرنا من الموصل ستة أيام ونحن في غاية الضعف، فوصلنا موضعه وجدناه قد تعلق في جبال كوهستان، فنزلنا على حصن يقال له ماسر ونزلنا عليه طلوع الشمس، وامرأة طلعت من الحصن وقال تمعكم خام؟ قلناأي وقت هذا للبيع والشراء؟ قال تنريد الخام نكفنكم به. فإلى خمسة أيام تمتون كلكم. تريد ان ذلك الموضع وخم. فنزل ورتب الزحف من بكرة وأمر النقابين الدخول تحت البرج من تلك البراج، والحصن كله معمور بالطين، والرجال الذين فيه من الفلاحين، فزحفنا إليه وطلعنا إلى التلة، ونقب الخرسانية برجاً فوقع وعليه إثنان، أما الواحد فمات أما الآخر فأخذوه أصحابنا وجاءوا به إلى صلاح الدين. قال وسطوه. قلت يا مولاي هذا شهر رمضان، وهذا رجلاً مسلم لانتقلد إثمه قال وسطوه حتى يسلموا الحصن قلتيا مولاي الحصن تمتلكه. قال وسطوه، ولج فيه فوسطوه، وأخذنا الحصن في ساعة تلك، فجاء إلى الباب يريد النزول من الحصن، فكان معه جماعة وغلبة. فوكل به قوماً من أصحابه ومضى نزل في خيمته لحظة بقدر ما تفرق العسكر الذي كان معه، ثم ركب وقال لياركب فركبنا وطلعنا إلى الحصن، فجلس وأحضر ناطور الحصن يعرفه بما فيه، وأحضر بين يديه نساء وصبيان نصارى ويهود. فحضرت عجوز كردية فقال ت لذلك الناطوررأيت ابني فلاناً؟ قال قتل ضربته نشابة. قال تفابني فلان؟ قال وسطه الأمير فصاحت وكشفت رأسها وشعرها كالقطنة المندوفة، فقال لها الناطوراسكتي لأجل الأمير. قال توأي شيء بقي للأمير يعمل بي، كان لي ولدان قتلهما فدفعوها.

ومضى الناطور فاحضر شيخاً كبيراً مليح الشيبة يمشي على عصاتين سلم على صلاح الدين قال أي شيء هذا الشيخ؟ قال إمام الحصن. قال تقدم يا شيخ تقدم تقدم حتى جلس بين يديه قبض لحيته فمد يده قبض لحيته وأخرج سكينة مشدودة في بند قبائه وقطع لحيته من حكمته، فبقيت في يده مثل البرجم فقال له ذلك الشيخ يا مولاي بأي شيء أستوجب ان تفعل بي هذا الفعل؟ قال بعصيانك على السلطان. قال والله ما علمت بوصولكم حتى جاء الناطور الساعة اعلمني واستدعاني. ثم رحلنا نزلنا على حصن آخر للأمير قفجاق يقال له الكرخيني أخذناه فوجدوا فيه خزانة ملأى بالثياب خام مخيطة صدقة لفقراء مكة، وسبى من كان في الحصن من النصارى واليهود المعهادين، ونهب ما فيها نهب الروم، فالله سبحانه يتجاوز عنه.

اقف من هذا الفصل عند هذا الحد متمثلاً بقولي

دع ذكر من قتل الهوى فحديثهم فينا يشيب ذكره المولودا.


وأعود إلى ذكر شيء مما جرى لنا والإسماعيلية في حصن شيزر.

الإسماعيلية تهاجم شيزر

اجتاز في ذلك اليوم ابن عم لي يقال له أبو عبد الله هاشم رحمه الله فرأى رجلاً من الباطنية في برج من دار عمي معه سيفه وترسه والباب مفتوح وبراً منه خلق كثير من أصحابنا وما يجسر أحد أن يدخل إليه، فقال ابن عمي لواحد من أولئك الوقوفادخل إليه، فدخل إليه، فما مهله الباطني ان ضربه فجرحه، فخرج وهو مجروح. فقال لأخر ادخل إليه، فدخل إليه فضربه الباطني فجرحه وخرج كما خرج صاحبه. فقال ابن عمييا رئيس جواد ادخل إليه. فقال له الباطنييا مؤخر أنت ليش ما تدخل؟ تداخل لي الناس وأنت واقف، ادخل حتى تبصر. فدخل إليه الرئيس جواد فقتله. وهذا الجواد حكم في الثقاف رجل شجاع ثقف. وما مر عليه إلا أعوام قليلة حتى رأيته بدمشق سنة أربع وثلاثين وخمس مائة وهو علاف يبيع الشعير والتبن، وقد كبر حتى صار كالشن البالي يعجز عن دفع الفأر عن علفه، فما بال الرجال، فكنت أتعجب من أول أمره، عندما صار عليه آخر أمره، وما أحال من حاله طول عمره.

تأملات أسامة بشأن طول العمر



ولم أدر ان داء الكبر عام يعدي كل من اغفله الحمام. فلما توقلت ذروة التسعين وأبلاني مر الأيام والسنين، صرت كجواد علاف لا لجواد المتلاف. ولصقت من الضعف بالأرض، ودخل من الكبر بعضي ببعض، حتى انكرت نفسي وتحسرت على أمسي، وقلت في وصف حالي



لما بلغت من الحياة إلى المدى قد كنت أهواه تمنيت الردالم يبقى طول العمر مني منة ألقى بها صرف الزمان إذا اعتداضعفت قواي وخانني الثقتان من بصري وسمعي حين شارفت المدىفإذا نهضت حسبت أني حامل جبلاً وأمشي إن مشيت مقيداوأدب في كفي العصا وعهدتها في الحرب تحمل أسمراً ومهنداوأبيت في لين المهاد مسهداً بلغ الكمال وتم عاد كما بدا


وأنا القائل بمصر أذم من العيش الراحة والدعة وما كان أعجل تقضيه وأسرعه

أنظر إلى صرف دهري كيف عودني بعد المشيب سوى عاداتي الأولوفي تغاير صرف الدهر معتبر وأي حال على الأيام لم تحلقد كنت مسعر حرب كلما خمدت أذكيتها باقتداح البيض في القللهمي منازلة الأقران أحسبهم فراشي فهم مني على وجلأمضي على الهول من ليل وأهجم من سيل وأقدم في الهيجاء من أجلفصرت كالغداة المكسال مضجعها على الحشايا وراء السجف والكللقد كدت أعفن من طول الثواء كما يصدئ الهند طول اللبث في الخللأروح بعد دروع الحرب في حلل من الدبيقي فبؤساً لي وللحللوما الرفاهة من رامي ولا أربي ولا التنعيم من شأني ولا شغليولست أرضى بلوغ المجد في رفه ولا العلى دون حطم البيض والأسل


وكنت أظن ان الزمان لايبلي جديده ولا يهي شديده، واني إذا عدت إلى الشام وجدت به أيامي كعهدي ما غيرها الزمان بعدي. فلما عدت كذبتني وعود المطامع، وكان ذلك الظن كالسراب اللامع. اللهم غفرًا هذه جملة اعتراضية عرضت، ونفثة هم اقضت ثم انقضت. أعود إلى المهم وأدع تعسف الليل المدلهم، لوصفت القلوب من كدر الذنوب، فوضت إلى عالم الغيوم، علمت ان ركوب أخطار الحروب، لا ينقص مدة الأجل المكتوب. فأنني رأيت يوم تقاتلنا نحن والإسماعيلية في حصن شيزر معتبراً يوضح للشجاع العاقل والجبان الجاهل، ان العمر موقت مقدر، لا يتقدم أجله ولا يتأخر. وذلك اننا بعد فراغنا ذلك اليوم من القتال، صاح إنسان من جانب الحصنالرجال! وعندي جماعة من أصحابي معهم سلاحهم، فبادرنا إلى الذي صاح فقلناما بالك؟ فقال حس الرجال هاهنا. فجئنا إلى إسطبل خال مظلم فدخلنا فوجدنا رجلين معهما سلاحهما فقتلناهما. ووجدنا رجل من أصحابنا مقتولاً وهو على شيء فرفعناه، ووجدنا تحته رجلاً من الباطنية قد تسجى ورفع المقتول على صدره، فحملنا صاحبنا وقتلنا الذي كان تحته ووضعنا صاحبنا في الجامع بالقرب من ذلك المكان وفيه جراح عظيمة، ولا نشك انه ميت لا يتحرك ولا يتنفس. وأنا والله كنت أحرك رأسه على بلاط الجامع برجلي ولا نشك انه ميت. وكان المسكين يجتاز الأصطبل فسمع حساً فأدخل رأسه ليحقق السماع، فجذبه واحد منهم فضربوه بالسكاكين حتى ظنوا انه قد مات. فقضى الله سبحانه ان خيطت الجراح التي في رقبته وفي جسمه وعوفي وعاد من صحته كما كان عليه. فتبارك الله مقدر الأقدار وموقت الآجال والأعمار. وشاهدت ما يقارب ذلك وهو ان الإفرنج لعنهم الله أغاروا علينا ثلث الليل الآخر. فركبنا نتبعهم فمنعنا عمي عز الدين رحمه الله من اتباعهم وقال هذه مكيدة والإغارة تكون بالليل. وخرج من البلد رجالة خلفهم ما علمنا بهم. فوقع الإفرنج ببعضهم عند رجوعهم، قتلوا وسلم بعضهم. واصبحت أنا واقفاً في بندر قنين قرية عند المدينة فرأيت ثلاثة شخوص مقبلة أما إثنان كالناس، أما الأوسط فما وجهه كوجه الناس. فلما دنوا منا فأما الوسطاني منه قد ضربه إفرنجي بسيف في وسط انفه قطع وجهه إلى أذنيه، وقد استرخى نصف وجهه وصار على صدره. وبين النصفين من وجهه فتح قريب من شبر وهو يمشي بين رجلين، فدخل البلد فخاط الجراحي وجهه وداواه، فالتحم ذلك الجرح وعوفي وعاد إلى ما كان عليه إلى ان مات على فراشه، كان يبيع الدواب ويسمى ابن غازي المشطوب، وإنما سمي بالمشطوب بتلك الضربة. فلا يظن ظان ان الموت يقدمه ركوب المخاطر، ولا يأخره شدة حرر، ففي بقائي أوضح معتبر، فكم لقيت من الأهوال وتقحمت المخاوف والأخطار ولاقيت الفرسان وقتلت الأسود وضربت بالسيوف وطعنت بالرماح وجرحت بالسهام والجروح وأنا من الأجل في حصن حصين - إلى ان بلغت تمام التسعين، فرأيت الصحة والبقاء، كما قال صلى الله عليه وسلمكفى بالصحة داء. فأعقبت النجاة من تلك الأهوال، ما هو أصعب من القتل والقتال. وكان الهلاك في كنه الجيش اسهل من تكاليف العيش، استرجعت مني الأيام بطول الحياة سائر محبوب اللذات، وشاب كدر النكد صفو العيش الرغد فأنا كما قلت

مع الثمانين عاث الدهر في جلدي وساءني ضعف رجلي واضطراب يديفاعجب لضعف جد مضطرب كخط مرتعش الكفين مرتعدفاعجب لضعف يدي عن حملها قلماً من بعد حطم القنا في لبة الأسدوإن مشيت وفي كفي العصا ثقلت رجلي كأني أخوض الوحل في الجلدفقل لمن يتمنى طول مدته هذي عواقب طول العمر والمدد


ضعفت القوة ووهنت، وتقضت بلهينة العيش وانتهت، ونكسني التعمير بين الأنام، والى الخمول يؤول تسعر الظلام، حتى أصبحت كما قلت

تناستني الآجال حتى كأنني دريئة سفر بالفلاة حسيرولما تدع مني الثمانون منة كأني إذا رمت القيام كسيرأؤدي صلاتي قاعداً وسجودها علي إذا رمت السجود عسيروقد أنذرتني هذه الحال أنني دنوت رحلة مني وحان مسير

مديح صلاح الدين


أعجزني وهن السنين عن خدمة السلاطين، فهجرت مغشى أبوابهم وقطعت اسبابي من اسبابهم واستقلت من خدمتهم ورددت عليهم ما حولوني من نعمهم، لعلمي ان ضعف الهرم لا يقوى على تكاليف الخدم، وان سوق الشيخ الكبير لا ينفق على الأمير. ولزمت داري وجعلت الخمول شعاري ورضيت نفسي بالانفراد في الغربة ومفارقة الأوطان والتربة، إلى ان تسكن نفارتها عن مرارتها وصبرت صبر الأسير على قده، والظمآن ذي الغلة عن ورده. مكاتبة مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، جامع كلام الإيمان قامع عبدة الصلبان، رافع علم العدل والإحسان، محي دولة أمير المؤمنين أبو المظفر يوسف بن أيوب، جمل الله الأسلم والمسلمين بطول بقائه، وأيدهم بماضي سيوفه وأرائه، واضفى عليهم وارف ظله كما أصفى لهم من الأكدار موارد فضله برحمة نقبت عني في البلاد ودوني الحزن والسهل، بمضيعة من الأرض لامال لدي ولا أهل. فأستنقذني من أنياب النوائب براية الجميل وحملني إلى بابه العالي بإنعامه الغامر الجزيل، وجبر ما هاضه الزمان مني، ونفق على كرمه ما كسد عليه من سواه من علو سني، فغمرني بغرائب الرغائب، وانهينني من إنعامه اهنى المواهب حتى رعى لي بفائض الكرم، ما اسلفت سواه من الخدم، فهو يعتد لي بذلك ويرعاه رعاية من كأنه شاهد وراه، فعطاياه تطرقني وأنا راقد وتسري إلي وأنا محتسب قاعد، فأنا من إنعامه كل يوم في مزيد، وإكرام كتكرمة الأهل وأنا أقل العبيد. امنني جميل رأيه حادث الحادثات، وأخلف لي إنعامه ما سلبه الزمان بالنكبات المجحفات، وأفاض علي من نوافل فضله بعد تأدية فرضه وسنته، ما يعجز الأعناق عن حمل ايسر منته. ولم يبقى لي جوده املاً ارجوا نيله، اقضي زماني بالدعاء به نهاره وليله، والرحمة التي تدارك بها العباد، أحيى ببركتها البلاد، والسلطان الذي أحيى سنة الخلفاء الراشدين، واقام عمود الدولة والدين، والبحر الذي لا ينضب لكثرة الواردين مأوه، والجواد الذي لا ينقطع مع تتابع الوافدين عطاؤه. فلا زالت الأمة من سيوفه في حمى منيع، ومن إنعامه في ربيع مريع. ومن عدله في أنوار تكشف عنهم ظلم المظالم، وتكف بسطة يد المعتدي الغانم، ومن دولته القاهرة في ظل وارف، وفي سعود متتابع آنف في أثر سالف، ما تعاقب الليل والنهار، ودار الفلك الدوار

دعوت وقد أمن الحافظان

وذو العرش ممن دعاه قريب
وقد قال سبحانه للعباد

سلوني فإني سميع مجيب
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين، وحسبنا الله ونعه الوكيل.