يعتبر نجم "سهيل" الذي تستبشر بطلوعه العرب باديها وحاضرها من ألمع النجوم في السماء. ولهذا النجم عدة مسميات عند العرب فهم يسمونه "البشير اليماني" ويسمونه "نجم اليمن" ويسمونه "سهيل اليماني" أيضاً وسبب نسبته إلى اليمن كونه يطلع من جهة الجنوب ويظهر مقابلاً للنجم القطبي الشمالي فهو يشير إلى جهة الجنوب. أما القطب الجنوبي نفسه فهو لا يظهر في سماء الإمارات ولا يوجد نجم معين يدل على اتجاه النجم الجنوبي كما هو الحال في القطب الشمالي.
ونجم سهيل كمعظم نجوم السماء يختفي عن الأنظار فترة من السنة ثم يعود إلى الظهور فترة أخرى تبدأ في صبيحة الرابع والعشرين من أغسطس من كل عام, ثم يأخذ ظهوره بالتقدم يوماً بعد يوم إلى ان يرتقي وسط السماء منتصف الليل في نهاية ديسمبر ثم يظهر بعد غروب الشمس في الأفق الجنوبي الغربي مع نهاية مارس وبعدها يختفي لفترة أو يستتر حتى يطلع من جديد.
وقد اهتم أبناء الجزيرة العربية منذ القدم بمطالع النجوم والنظر فيها ومعرفه منازلها وذلك لارتباطها بحياتهم اليومية في الليل والنهار, فهم يعرفون من خلالها دخول الفصول فصول السنة ووقت نزول الأمطار ووقت البرد والحر. ومن خلال حساب النجوم يعرف أهل القرى والمزارعون متى يحرثون أراضيهم ومتى يبذرون استعدادا لنزول المطر. وأهل البر يعرفون مواسم الرعي والسفر, وأهل البحر يعرفون مواسم الصيد والسفر.
كذلك إستعان به البحارة الصينيون المتوجهون إلى بحار الجنوب وكلدانيو اريدو, وهي ثغر جنوبي العراق يتوجهون مسترشدين بالنجم "سهيل" الذي كان بمثابة نجم قطبي جنوبي. وكان العرب في الصحراء يسترشدون أيضاً بالنجم "سهيل" وهم يتوجهون صوب الجنوب ونجم "الثريا" نحو الشمال كما يدل نجم "سهيل" على القبلة في بلاد الشام.
وكثيراً من الناس عند مراقبتهم طلوع هذا النجم يرون واحداً من نجمين معروفين في كوكبة السفينة ذاتها أحدهما "الوزن" والآخر "الحضار" يظهران قبله بأيام قليلة فيحلفون أنهم رأوا سهيلاً ولهذا فقد سميا "المحلفان" أو "المحنثان".
وبطلوع نجم "سهيل" تنكسر حدة الحرارة تدريجياً, ويبدأ الجو بالاعتدال ليلاً وبعد "سهيل" بـ52 يوماً يدخل حساب "الوسم" وهي 52 يوماً إذا جاء فيها المطر فانه يكون نافعاً بإذن الله للبر والبحر, أما في البر فانه ينبت أنواعاً كثيرة من النباتات لا تنبت إلا في مطر هذا الوقت, وكذلك تنبت "الكمأه" أو "الفقع" كما هو معروف. وأما فائدة المطر للبحر في فتره الوسم فانه ينتج "اللولو" بإذن الله في بطون المحار وسمي "بالوسم" لأنه يوسم الأرض بالخضرة والعشب والكلأ ويتكون من أربعة منازل -نجوم- هي "العواء" و"السماك" و"الغفر" و"الزبانا".
وينقسم نجم "سهيل" إلى أربعة منازل تبدأ "بالطرفة" ومدتها 13يوماً ويصبح الجو لطيفاً في الليل مع بقاء الحرارة في ساعات النهار, ثم "الجبهة" وتمتد لمدة 13 يوماً وهي أول نجوم فصل الخريف ويبرد الليل ويتحسن الطقس نهاراً, تليها "الزبرة" وتستمر لمدة 13يوماً وفيها تزداد برودة الليل إلى درجة ينصح بعدم النوم تحت أديم السماء, ثم "الصرفة" وهي آخر نجوم "سهيل" وتمتد لمدة 13يوماً وسميت بذلك لانصراف الحر عند طلوعها.
ومع بداية طلوع "سهيل" يبدأ تقويم خاص لأهل الخليج يعرف "بالدرور" وبالرغم من الاختلاف في تحديد الموعد الدقيق لطلوع "سهيل" فهو بين 15 أغسطس إلى 28 أغسطس, وهذه الفروقات بسيطة حيث أنها لا تقلل من فعالية التقويم وتطابقها مع حالة الجو والبحر ومواعيد الزرع والحصاد. وهذا التقويم يقسم السنة ثلاثة أقسام كل قسم مائة يوم كل عشرة أيام منها يسمى "در" المائة الأولى مع منتصف أغسطس وفيها انكسار حدة الحر واعتدال الجو وهبوب الرياح النشطة. وهبوب رياح "الأكيذب" في در الستين ودر الثمانين مشهور برياحه الشمالية القوية.ويكون ظهور "سهيل" فيها في آخر الليل والمائة الثانية مع نهاية نوفمبر وفيها ميل الجو للبرودة وتناوب هطول الأمطار بإذن الله, ويكون ظهور "سهيل" فيها من منتصف الليل إلى آخره, والمائة الثالثة مع بداية مارس وفيها بداية الدفء ثم ارتفاع درجة الحرارة, رياح "النعايات" في در العشر, ورياح "السرايات" في در الثلاثين. ويكون ظهور "سهيل" فيها من بداية الليل إلى آخره, ثم يتقدم ظهوره تدريجيا وتقل فترة مكوثه في السماء ومع نهاية المائة الثالثة يغيب "سهيل" عن الظهور في السماء حيث يكون متزامناً مع الشمس ليبتعد عنها في أواسط أغسطس ويظهر قبيل الفجر وفي هذه الفترة يقع موسم الغوص الكبير في الخليج.
وظهور نجم "سهيل" أنه يمثل علامة في تحول الظروف الجوية حيث كانت العرب تقول "اذا طلع سهيل برد الليل وخيف السيل وكان للحوار الويل" لأنه يفصل عن أمه. وكان العربي إذا أراد ذلك أخذ بأذن الحوار واستقبل به سهيلاً يريه إياه ثم يحلف بألا يرضع من أمه بعد يومه، ذلك بحجة أن أيام الحر والكلفة قد انتهت وبدأت أيام البرد ولطيف الهواء. ومع بداية "سهيل" يبدأ منخفض الهند الموسمي بالتراجع جنوبا وتبدأ تهب رياح قوية يطلق عليها "هبايب سهيل" تعمل على تلطيف الجو ويبدأ الغزو النسبي الحاد للرطوبة المرتفعة من بداية أغسطس وتتزامن ذروتها مع طلوع نجم "سهيل" وتستمر إلى منتصف سبتمبر بما يطلق عليه "وعكة سهيل".
ويُعرف نجم "سهيل" بأنه نجم لامع من القدر الأول, حيث تقسم أقدار النجوم المرئية إلى ستة أقدار أوضحها النجوم من القدر الاول وأخفتها من القدر السادس ويبعد عن الأرض ما يقارب 313 سنة ضوئية يبعد ست ساعات ونصف عن الخط المرجعي الذي يحوي نقطة الإعتدال الربيعي يتعامد على دائرة العرض 53 درجة جنوبا ثاني ألمع نجوم السماء بعد "الشعرى" اليمانية, وينتمي هذا النجم إلى كوكبة "السفينة" التي تقع في أقصى نوبي السماء وتتكون من "45" نجماً.
وتقسم هذه الكوكبة إلى أربعة أقسام هي "الكوثل" أي مؤخرة السفينة, و"بيت الإبرة" و"الشراع" و"القاعدة" التي يقع ضمنها هذا النجم ويمكن معرفة "سهيل" على إمتداد المثلث الذي رأسه "يد الجوزاء" في مجموعة الصياد, وضلعاه "الشعرى اليمانية" و "الشعرى الشامية" نجده في بقعة خالية من النجوم اللامعة.
وحول تسمية النجوم الجنوبية والشمالية, وتسمية النجوم والبروج التي تقع إلى جنوب خط الاستواء بالنجوم أو البروج "الجنوبية" أو "اليمانية" نسبة إلى اليمن كما سماها عرب الجزيرة العربية في الماضي لأن اليمن تقع إلى الجنوب منهم, والنجوم التي تقع إلى الشمال من خط الاستواء السماوي تسمى النجوم "الشمالية" أو "الشامية" نسبة إلى بلاد الشام التي تقع إلى شمال الجزيرة العربية, وان النجوم الجنوبية ترى من نصف الكرة الشمالي قريبة من الأفق الجنوبي للسماء فيُرى نجم "سهيل" في بلاد الشام والعراق وشمال الجزيرة العربية ومصر في الأفق الجنوبي وباتجاه الجنوب تماماً. بينما لا يُرى نجم "سهيل" من تركيا أو أوروبا, ويُرى في الصومال أو أستراليا في كبد السماء.
وعن رؤية نجم "السهيل" فإن الجزيرة العربية تقع على حدود 12 درجة شمال عند جنوب اليمن إلى 30 درجة شمال عند العراق وتقع الإمارات على دائرة عرض 25 درجة شمالاً في المتوسط, وبناء على الحسابات الفلكية فإن نجم " سهيل" يكون مقترناً بالشمس وقت طلوعها في الإمارات بتاريخ 12 أغسطس أي يكون مماساً للأفق الجنوبي ذلك الوقت, ثم يتقدم عن الشمس حتى يصل إلى ارتفاع 5 درجات فوق الأفق الجنوبي عند طلوع الشمس وهي أقل مسافة عن الشمس للنجم المرئي, ويوم 24 أغسطس يكون بعد هذا الوقت مرئياً وقت الشفق الصباحي قبل طلوع الشمس بمدة لا تقل عن 20 دقيقة.
وأثبتت مخطوطات من القرن السابع للقرن السابع عشر أن المحور الأكبر للكعبة المشرفة يتجه نحو نقطة شروق النجم سهيل بينما المحور الأصغر يتجه ناحية شروق الشمس في منتصف الصيف، ولما كان النجم سهيل نجماً عملاقاً وجباراً، وأبيض اللون، ويعد ألمع النجوم في السماء بعد نجم "الشعرى اليمانية" فقد كان الفلكيون المسلمون في العصور الوسطى يحددون إتجاه القبلة بواسطة هذه المعلومات الجغرافية. حتى أن أحد الدراسات في العلم الفلكي الحديث أكدت أن نجم "سهيل" ونجوم "بنات نعش" لعبت دوراً كبيراً في تحديد إتجاهات القبلة في البلدان الاسلامية المترامية الأطراف في عهد النهضة الاسلامية.
وهنالك رياح تسمى برياح "السهيلي" تهب من جهة "سهيل اليماني" وهو ما بين الغرب والجنوب، وهذا الهواء لا يكون به سموم إلا إذا هب نهاراً في أيام الصيف قرب الظهيرة.
الجدير بالذكر أن هناك العديد من الأساطير حول نجم "سهيل" فهو زوج الجوزاء، وهو أخو الشعريان، وهو زوج الشعرى، وهو من فتيان اليمن، فالنسيج مختلف ومتعدد. كما أن ديوان العرب الشعري فيه الكثير من الأشعار عن النجم اليماني الشهير.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)