بدء الوحي




6 أغسطس سنة 610م
لما قربت أيام الوحي حُبِّب إليه الخلوة فكان يختلي في غار حراء ويتعبّد فيه الليالي ذوات العدد ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها، وكانت عبادته على دين إبراهيم عليه السلام وقيل: كان يتعبَّد إلهاما من الله، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، وكانت تلك الرؤيا الصادقة مقدمات الوحي، قيل: مدتها ستة أشهر.
فلما تم له أربعون سنة جاءه جبريل بالنبوة وذلك في يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان لل سنة الحادية والأربعين من ميلاده، فيكون عمره إذ ذاك أربعين سنة قمرية وستة أشهر وثمانية أيام، وذلك يوافق 6 أغسطس سنة 610 من وهو بغار حراء.
جاء في «صحيح البخاري» عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
«أول ما بدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح ثم حُبِّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حِرَاء فيتحنث فيه - وهو التعبُّد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوَّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال له: اقرأ، فقال: «ما أنا بقارىء»، قال: «فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَنَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاْكْرَمُ}» (العلق: 1 - 3)، فرجع بها رسول الله يرجُفُ فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: «زمّلوني، زملوني» فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيتُ على نفسي»، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسبُ المعدوم، وتَقْري الضيف وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به وَرَقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العُزَّى ابن عم خديجة، وكان امرأَ قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانيَّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتبَ وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال لي ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله «أو مخرجيَّ هم»؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي».
أول ما نزل عليه من القرآن: «اقرأ» كما صح ذلك عن عائشة وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وعبيد بن عمير، قال النووي: وهو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف.