فترة الوحي




جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما وهو يحدث عن فترة الوحي فقال: قال رسول الله في حديثه: «بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت: زملوني زملوني فأنزل الله تعالى: {يأَيُّهَا الْمُدَّثّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر: 1 - 5) فحمى الوَحْي وتتابع».
قال ابن إسحاق: ابتدىء رسول الله بالتنزيل في شهر رمضان بقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185)، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر: 1 - 5)، وقال الله تعالى: {حم وَالْكِتَبِ الْمُبِينِ إِنَّآ أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرا مّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (الدخان: 1 - 5)، وقال تعالى: {إِن كُنتُمْ ءامَنْتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} (الأنفال: 41) وذلك ملتقى رسول الله والمشركين ببدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان.
ولما فتر الوحي حزن النبي حزنا شديدا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس الجبال فكلما أوفى على ذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدّى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه، وكانت مدة فترة الوحي ثلاث سنين كما جزم به ابن إسحاق ثم نزل عليه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به، وما ودعه وما قلاه، فقال تعالى: {وَالضُّحَى وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاْولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَآئِلا فَأَغْنَى} (الضحى: 1 - 8) يعرفه الله أنه ما قطعه قطع المودع وما أبغضه.
رُوي أن الوحي لما تأخر عنه قال المشركون إن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت ردا عليهم: {وَلَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاْولَى}، فإنها باقية خالصة من الشوائب وهذه فانية مشوبة بالمضار.