عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب




أخفى رسول الله رسالته بادىء الأمر ثم أعلنها في السنة الرابعة من النبوة ودعا إلى الإسلام عشر سنين يوافي المواسم كل عام يتبع الحجاج في منازلهم بمنى والموقف يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة، ويسأل عن منازلهم ويأتي إليهم في أسواق الموسم وهي عكاظ ومجنة وذو المجاز، وكانت العرب إذا حجَّت تقيم بعكاظ شهر شوال، ثم تجيء إلى سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوما، ثم تجيء إلى سوق ذي المجاز فتقيم به أيام الحج وكان يعرض نفسه عليهم ويدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه، وكان يطوف على الناس في منازلهم ويقول: «يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا»، وكان أبو لهب يمشي وراءه ويقول: إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم، وروى ابن إسحاق: أنه عرض نفسه على كندة وكلب وعلى بني حنيفة وبني عامر بن صعصعة فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء، فقال له: أنقاتل العرب دونك فإذا أظفرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك وأبوا عليه، فلما رجعت بنو عامر إلى منازلهم وكان فيهم شيخ أدركته السن لا يقدر أن يوافي معهم الموسم، فلما قدموا عليه سألهم عما كان في موسمهم فقالوا: جاءنا فتىً من قريش أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي يدعونا أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا. فوضع الشيخ يده على رأسه ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف؟ - أي هل لهذه القصة من تدارك - والذي نفس فلان بيده ما يقولها كاذبا من بني إسماعيل قط وإنها لحق وإن رأيكم غاب عنكم.
وروى الواقدي أنه أتى بني عبس وبني سليم وبني محارب وفزارة ومرة وبني النضر وعذرة والحضارمة فردوا عليه أقبح الرد وقالوا: أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك، ولم يكن أحد من العرب أقبح عليه من بني حنيفة وهم أهل اليمامة، قوم مسيلمة الكذاب، ومن ثم جاء في الحديث: «شر قبائل العرب بنو حنيفة»، ومن أقبح القبائل في الرد عليه وسلم ثقيف، ومن ثم جاء: «شر قبائل العرب بنو حنيفة وثقيف»، وما زال يعرض نفسه على القبائل في كل موسم يقول: «لا أكره أحدا على شيء، من رضي الذي أدعو إليه فذاك ومن كره لم أكرهه وإنما أريد منعي من القتل حتى أبلغ رسالة ربي»، فلم يقبله أحد من تلك القبائل ويقولون: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه؟