مسير الجيشين ونزول المطر
مضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي.
ونزل المسلمون على كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر فأحرزوه وحفروا القلُب لأنفسهم ليجعلوا فيها الماء من الآبار المعينة فيشربوا منها ويسقوا دوابهم.
وأدرك المسلمون النعاس وأصبحوا لا يصلون إلى الماء للشرب والغسل والوضوء، فأرسل الله عليهم مطرا سال منه الوادي فشرب المسلمون واتخذوا الحياض على عدوة الوادي واغتسلوا وتوضأوا وسقوا الركاب وملأوا الأسقية وأطفأت المطر الغبار ولبد الأرض حتى ثبتت عليهم الأقدام والحوافر وضر ذلك بالمشركين لكون أرضهم كانت سهلة لينة وأصابهم ما لا يقدرون معه على الارتحال وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله: {إِذْ يُغَشّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السَّمَآء مَآء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الاْقْدَامَ} (الأنفال: 11).
وبات رسول الله ص يدعو ربه، يصلي تحت شجرة ويكثر في سجوده: «يا حي يا قيّوم» يكرر ذلك حتى أصبح.
قال علي رضي الله عنه فلما أن طلع الفجر نادى رسول الله ص للصلاة - عباد الله - فجاء الناس من تحت الشجرة والحجف فصلى بنا رسول الله ص ثم خطب وحضَّ على القتال.
بناء حوض على القليب
قال ابن إسحاق: خرج رسول الله ص يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به فقال الحباب بن المنذر بن الجموح رضي الله عنه: يا رسول الله هذا منزل أنزلكه الله تعالى لا تتقدمه ولا تتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: «بل الرأي والحرب والمكيدة»، قال: فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فإني أعرف غزارة مائه فننزل به ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون، فقال ص «أشرت بالرأي»، فنهضص ومن معه من الناس حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه ثم أمر بالقلُب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية وقد كان الحباب خبيرا بالآبار في تلك الجهة، وقد قبل رسول الله ص مشورته وهي فكرة سديدة لها أهمية حربية فإن الجيش يكون على اتصال دائم بالماء الذي لا غنى عنه، ومن يومئذ قيل للحباب: «ذو الرأي».
بناء العريش
وبعد ذلك قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقي عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا لما تخلفوا عنك إنما ظنوا أنها العير يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه ص خيرا ودعا له الخير وقال: «يقضي الله خيرا من ذلك يا سعد»، ثم بُنِيَ له العريش فوق تلّ مشرف على المعركة فدخله النبي ص وأبو بكر الصديق وقام سعد بن معاذ متوشحا بالسيف.
وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا: أنت، قال: أشجع الناس أبو بكر رضي الله عنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله ص عريشا فقلنا: من يكون مع رسول الله ص لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فكان أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله ص فوالله ما دنا منه أحد إلا وأبو بكر رضي الله عنه شاهر بالسيف على رأس رسول الله ص لا يهوي أحد إليه إلا أهوى إليه أبو بكر رضي الله عنه، وجاء أنه لما التحم القتال وقف أيضا على باب العريش سعد بن معاذ رضي الله عنه وجماعة من الأنصار، والعريش شيء يشبه الخيمة يستظل به وكان من جريد، قال السيد السمهودي: ومكان - العريش - عند مسجد بدر وهو معروف عند النخيل والعين قريبة منه.
عتبة بن ربيعة ينصح قريشا بالرجوع
تقدم قبل ذلك أن أبا سفيان كان من رأيه الرجوع لنجاة عير قريش وأموالها وأن أبا جهل كان مصمما على الحرب، فلما اطمأنت قريش بالجهة التي نزلوا فيها أرسلوا عمير بن وهب الجمحي يستطلع، فجال بفرسه حول عسكر النبي ص فوجد أنهم يبلغون ثلاثمائة رجل يزيدون أو ينقصون وقال لهم: لقد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، رجال يثرب تحمل الموت الناقع، ألا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي لا يريدون أن يقبلوا إلى أهليهم، زرق العيون كأنهم الحصى تحت الجحف قوم ليس لهم منعة إلا سيوفهم، والله ما نرى أن نقتل منهم رجلا حي يقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم عدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم، فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة، فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش والمطاع فيها هل لك أن تذكر بخير إلى آخر الدهر؟ فقال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس، فقام عتبة خطيبا، فقال: يا معشر قريش والله ما تصنعون شيئا أن تلقوا محمدا وأصحابه والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قد قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب فإن أصابه غيركم فذاك إذا أردتم وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعدموا منه ما تريدون، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي - أي اجعلوها عارا متعلقا بي - وقولوا جبن عتبة وأنتم تعلمون أني لست بأجبنكم.
فلما بلغ أبا جهل هذا الكلام عن عتبة رماه بالجبن، وقال: - والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد - فأفسدَ أبو جهل على الناس رأي عتبة وتشبث بضرورة قتال المسلمين.
[تعديل صفوف المسلمين ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أصبح المسلمون، عدل النبي ص صفوف أصحابه وأقبلت قريش ورآها ص فقال:
«اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني».
اقتحام الحوض
خرج الأسود المخزومي وكان شرسا سيّىء الخلق، فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنّه أو لأموتنّ دونه، فلما أقبل قصده حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عنه فضربه دون الحوض فوقع على ظهره تشخب - تسيل - رجله دما ثم اقتحم الحوض زاعما أن تبرّ يمينه فقتله حمزة في الحوض، والأسود هذا هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي أخو عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنه زوج أم سلمة رضي الله عنها، وهو أول قتيل قُتل يوم بدر من المشركين وهو أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة، وأما أخوه عبد الله بن عبد الأسد فهو أول من يأخذ كتابه بيمينه كما جاء ذلك في أحاديث متعددة.
المبارزة
التمس عتبة بن ربيعة بيضة، أي خوذة يدخلها في رأسه، فما وجد في الجيش بيضة تسع رأسه لعظمها فتعمم ببرد له وخرج بعد أن تعمم بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة حتى انفصل من الصف ودعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار وهم عوف ومعاذ ابنا الحارث الأنصاريان وعبد الله بن رواحة الأنصاري، فقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، قالوا: ما لنا بكم من حاجة إنما نريد قومنا ونادى مناديهم: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فناداهم: أن ارجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم، ثم قال ص «قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا عليّ». فبارز عبيدة - وكان أسن المسلمين - عتبة وكان أسن الثلاثة، وبارز حمزة شيبة، وبارز عليّ الوليد بن عتبة، فقتل حمزة شيبة وعليّ الوليد واختلف عبيدة وعتبة ضربتين كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعليّ بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة فحاذياه إلى أصحابه، وكانت الضربة التي أصابت عبيدة في ركبته فمات منها لمّا رجعوا بالصفراء، قيل: وهذه المبارزة أول مبارزة وقعت في الإسلام.
تعديل صفوف المسلمين والحث على الجهاد
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 18 (0 من الأعضاء و 18 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)